«وتركنا» أبقينا «عليه» ثناء حسنا «في الآخرين» من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182)
والحمد للّه أي عواقب الثناء إذ كل ما جاءوا به إنما قصدوا به الثناء على اللّه ، فعواقب
[ إشارة : الحمد للّه ]
الثناء على اللّه بما نزه نفسه عنه وبما نزهه العباد به ، فإن الحمد العاقب ، فعواقب الثناء ترجع إلى اللّه ، وعاقب الأمر آخره «رَبِّ الْعالَمِينَ» من حيث ثبوته في ربوبيته بما يستحقه الرب من النعوت المقدسة ، وهو سيد العالم ومربيهم ومغذيهم ومصلحهم ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، ومن سياق الآيات دل على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حمد اللّه رب العالمين عقيب نصره وظفره بخيبر ، فهو حمد نعمة - إشارة - «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» جاءت في أول سورة الفاتحة ، وفي وسط سورة يونس ، وفي آخر سورة الصافات ، فعمت الطرفين والواسطة .
(38) سورة ص مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(182) الفتوحات ج 3 /
537 ، 196
وقوله : ( وتركنا عليه في الآخرين ) ، قال ابن عباس : يذكر بخير .
وقال مجاهد : يعني لسان صدق للأنبياء كلهم .
وقال قتادة والسدي : أبقى الله عليه الثناء الحسن في الآخرين . قال الضحاك : السلام والثناء الحسن .
قوله تعالى: {ولقد نادانا نوح} من النداء الذي هو الاستغاثة؛ ودعا قيل بمسألة هلاك قومه فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} [
نوح : 26]. {فلنعم المجيبون} قال الكسائي : أي {فلنعم المجيبون} له كنا. {ونجيناه وأهله} يعني أهل دينه، وهم من آمن معه وكانوا ثمانين على ما تقدم. {من الكرب العظيم} وهو الغرق. {وجعلنا ذريته هم الباقين} قال ابن عباس : لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه؛ فذلك قوله: {وجعلنا ذريته هم الباقين}. وقال سعيد بن المسيب : كان ولد نوح ثلاثة والناس كلهم من ولد نوح : فسام أبو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى. وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب : السند والهند والنوب والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم. ويافث أبو الصقالبة والترك واللان والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك. وقال قوم : كان لغير ولد نوح أيضا نسل؛ بدليل قوله: {ذرية من حملنا مع نوح} [
الإسراء : 3]. وقوله: {قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} [
هود : 48] فعلى هذا معنى الآية {وجعلنا ذريته هم الباقين} دون ذرية من كفر أنا أغرقنا أولئك. قوله تعالى: {وتركنا عليه في الآخرين} أي تركنا عليه ثناء حسنا في كل أمة، فإنه محبب إلى الجميع؛ حتى إن في المجوس من يقول إنه أفريدون. روى معناه عن مجاهد وغيره. وزعم الكسائي أن فيه تقديرين : أحدهما {وتركنا عليه في الآخرين} يقال: {سلام على نوح} أي تركنا عليه هذا الثناء الحسن. وهذا مذهب أبي العباس المبرد. أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية؛ يعني يسلمون له تسليما ويدعون له؛ وهو من الكلام المحكي؛ كقوله تعالى: {سورة أنزلناها}. [
النور : 1]. والقول الآخر أن يكون المعنى وأبقينا عليه. وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: {سلام على نوح} أي سلامة له من أن يذكر بسوء {في الآخرين}. قال الكسائي : وفي قراءة ابن مسعود {سلاما} منصوب بـ {تركنا} أي تركنا عليه ثناء حسنا سلاما. وقيل: {في الآخرين} أي في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل : في الأنبياء إذ لم يبعث بعده نبي إلا أمر بالاقتداء به؛ قال الله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا} [
الشورى : 13]. وقال سعيد بن المسيب : وبلغني أنه من قال حين يسمي {سلام على نوح في العامين} لم تلدغه عقرب. ذكره أبو عمر في التمهيد. وفي الموطأ عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من نزل منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل). وفيه عن أبي هريرة أن رجلا من أسلم قال : ما نمت هذه الليلة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أي شيء) فقال : لدغتني عقرب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك). قوله تعالى: {إنا كذلك نجزي المحسنين} أي نبقي عليهم الثناء الحسن. والكاف في موضع نصب؛ أي جزاء كذلك. {إنه من عبادنا المؤمنين} هذا بيان إحسانه. قوله تعالى: {ثم أغرقنا الآخرين} أي من كفر. وجمعه أُخر. والأصل فيه أن يكون معه {من} إلا أنها حذفت؛ لأن المعنى معروف، ولا يكون آخرا إلا وقبله شيء من جنسه. {ثم} ليس للتراخي ها هنا بل هو لتعديد النعم؛ كقول: {أو مسكينا ذا متربة. ثم كان من الذين آمنوا}[
البلد : 16] أي ثم أخبركم أني قد أغرقت الآخرين، وهم الذين تأخروا عن الإيمان.
وأبقينا له ذِكْرًا جميلا وثناءً حسنًا فيمن جاء بعده من الناس يذكرونه به.
وأغرق جميع الكافرين، وأبقى نسله وذريته متسلسلين، فجميع الناس من ذرية نوح عليه السلام، وجعل له ثناء حسنا مستمرا إلى وقت الآخرين، وذلك لأنه محسن في عبادة الخالق، محسن إلى الخلق، وهذه سنته تعالى في المحسنين، أن ينشر لهم من الثناء على حسب إحسانهم.
( وتركنا عليه في الآخرين ) أي : أبقينا له ثناء حسنا وذكرا جميلا فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة .
(وَتَرَكْنا) الواو حرف عطف وماض وفاعله (عَلَيْهِ) متعلقان بتركنا (فِي الْآخِرِينَ) متعلقان بمحذوف صفة المفعول المقدر ثناء وجملة تركنا معطوفة على ما قبلها
Traslation and Transliteration:
Watarakna AAalayhi fee alakhireena
And left for him among the later folk (the salutation):
Ve sonradan gelenler arasında da ona iyi bir adsan verdik.
et Nous avons perpétué son souvenir dans la postérité,
Und WIR ließen über ihn (Lob) bei den Letzten.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الصافات (As-Saffat - Those who set the Ranks) |
ترتيبها |
37 |
عدد آياتها |
182 |
عدد كلماتها |
865 |
عدد حروفها |
3790 |
معنى اسمها |
الصَّافَّاتُ: جَمْعُ (الصَّافَّةُ)، وَالمُرَادُ (بِالصَّافَّاتِ): المَلائِكَةُ تَصُفُّ لِرَبِّهَا فِي السَّمَاءِ كَصُفُوفِ المُصَليِّنَ فِي الصَّلاةِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الصَّافَّاتِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الذَّبْحِ) |
مقاصدها |
امْتِنَانُ اللهِ تعَالَى علَى عِبَادِهِ بِنِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالرُّسُلِ، وَرَدُّ شُبُهَاتِ المُكَذِّبِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
خَصَّهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بِن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُنَا بِالتَّخْفِيفِ وَيَؤُمُّنَا بِالصَّافَّاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ النَّسائِي) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) بِآخِرِهَا: تَنْزِيهُ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ مِنْ شُبْهَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ فِي أَوّلِ السُّورَةِ: ﴿ إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ ٤﴾، وَرَدَّ عَلَيهِمْ فِي خِتَامِهَا فَقَالَ: ﴿سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يسٓ): خُتِمَتْ (يسٓ) بِسَعَةِ مُلْكِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: ﴿فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٨٣﴾، وافتُتِحَتِ (الصَّافَّاتُ) بذَلِكَ فَقَالَ: ﴿رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ ٥﴾. |