موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الشورى: [الآية 43]

سورة الشورى
وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلْأُمُورِ ﴿43﴾

تفسير الجلالين:

«ولمن صبر» فلم ينتصر «وغفر» تجاوز «إن ذلك» الصبر والتجاوز «لمن عزم الأمور» أي معزوماتها، بمعنى المطلوبات شرعاً.

تفسير الشيخ محي الدين:

صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)


«صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» الصراطات تميزت بالإضافة ، فمنها صراط اللّه ، ومنها صراط العزيز ، ومنها صراط الرب ، ومنها صراط محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ، ومنها صراط النعم ، وهو صراط الذين أنعمت عليهم ، فصراط اللّه هو الصراط العام الذي عليه تمشي جميع الأمور ، فيوصلها إلى اللّه ، فيدخل فيه كل شرع إلهي وموضوع عقلي ، فهو يوصل إلى اللّه ، فيعم الشقي والسعيد ، واللّه على صراط مستقيم ، والطريق لا يراد لنفسه ، وإنما يراد لغايته ، فالشريعة «صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» من الموازين «أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» وترجع لأنها على صراطه ، وهو غاية صراطه ، فلا بد للسالك عليه من الوصول إليه ، فتعم الرحمة الجميع ، فإن الرحمة سبقت الغضب ، فما دام الحق منعوتا بالغضب فالآلام باقية على أهل جهنم الذين هم أهلها ، فإذا زال الغضب الإلهي وامتلأت به النار ، ارتفعت الآلام ، وحكمت الرحمة ، وهذا الصراط هو الذي يقول فيه أهل اللّه : إن الطرق إلى اللّه على عدد أنفاس الخلائق ؛ وكل نفس إنما يخرج من القلب بما هو عليه القلب من الاعتقاد في اللّه .

(43) سورة الزخرف مكيّة

------------

(53) الفتوحات ج 2 / 646 - ج 3 / 410 - ج 2 / 166 ، 646 ، 166 -ح 3 / 411

تفسير ابن كثير:

ثم إنه تعالى لما ذم الظلم وأهله وشرع القصاص ، قال نادبا إلى العفو والصفح : ( ولمن صبر وغفر ) أي : صبر على الأذى وستر السيئة ، ( إن ذلك لمن عزم الأمور )

قال سعيد بن جبير : [ يعني ] لمن حق الأمور التي أمر الله بها ، أي : لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي ، حدثنا عبد الصمد بن يزيد - خادم الفضيل بن عياض - قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل : " يا أخي ، اعف عنه " . فإن العفو أقرب للتقوى ، فإن قال : لا يحتمل قلبي العفو ، ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل . فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو ، فإنه باب واسع ، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله ، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل ، وصاحب الانتصار يقلب الأمور .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى - يعني ابن سعيد القطان - عن ابن عجلان ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه أن رجلا شتم أبا بكر والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجب ويتبسم ، فلما أكثر رد عليه بعض قوله ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام ، فلحقه أبو بكر فقال : يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس ، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت ! قال : " إنه كان معك ملك يرد عنك ، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان ، فلم أكن لأقعد مع الشيطان " . ثم قال : " يا أبا بكر ، ثلاث كلهن حق ، ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله ، إلا أعز الله بها نصره ، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة ، إلا زاده الله بها كثرة ، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة ، إلا زاده الله بها قلة "

وكذا رواه أبو داود ، عن عبد الأعلى بن حماد ، عن سفيان بن عيينة - قال : ورواه صفوان بن عيسى ، كلاهما عن محمد بن عجلان ورواه من طريق الليث ، عن سعيد المقبري ، عن بشير بن المحرر ، عن سعيد بن المسيب مرسلا .

وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى ، وهو سبب سبه للصديق .


تفسير الطبري :

فيه إحدى عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: {والذين إذا أصابهم البغي} أي أصابهم بغي المشركين. قال ابن عباس : وذلك أن المشركين بغوا على رسول الله صلى الله عيله وسلم وعلى أصحابه وآذوهم وأخرجوهم من مكة فأذن الله لهم بالخروج ومكن لهم في الأرض ونصرهم على من بغى عليهم؛ وذلك قوله في سورة الحج {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا...} [الحج : 39 - 40] الآيات كلها. وقيل : هو عام في بغي كل باغ من كافر وغيره، أي إذا نالهم ظلم. من ظالم لم يستسلموا لظلمه. وهذه إشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود. قال ابن العربي : ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح؛ فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للأخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين؛ إحداهما أن يكون الباغي معلنا بالفجور؛ وقحا في الجمهور، مؤذيا للصغير والكبير؛ فيكون الانتقام منه أفضل. وفي مثله قال إبراهيم النخعي : كانوا يكوهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق. الثانية : أن تكون الفلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة؛ فالعفو ها هنا أفضل، وفي مثله نزلت} وأن تعفوا أقرب للتقوى{البقرة : 237]. وقوله: {فمن تصدق به فهو كفارة له {المائدة : 45]. وقوله: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم} [النور : 22]. قلت : هذا حسن، وهكذا ذكر الكيا الطبري في أحكامه قال : قوله تعالى: {والذين إذا أصابهم البغي ينتصرون} يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل؛ ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله سبحانه وتعالى وإقام الصلاة؛ وهو محمول على ما ذكر إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق؛ فهذا فيمن تعدى وأصر على ذلك. والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادما مقلعا. وقد قال عقيب هذه الآية: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}. ويقتضي ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به، وقد عقبه بقوله: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}. وهو محمول على الغفران عن غير المصر، فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها. وقيل : أي إذا أصابهم البغي تناصروا عليه حتى يزيلوه عنهم ويدفعوه؛ قال ابن بحر. وهو راجع إلى العموم على ما ذكرنا. الثانية: قوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} قال العلماء : جعل الله المؤمنين صنفين؛ صنف يعفون عن الظالم فبدأ بذكرهم في قول {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} [الشورى : 37]. وصنف ينتصرون من ظالمهم. ثم بين حد الانتصار بقول: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} فينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي. قال مقاتل وهشام بن حجير : هذا في المجروج ينتقم من الجارج بالقصاص دون غيره من سب أوشتم. وقاله الشافعي وأبو حنيفة وسفيان. قال سفيان : وكان ابن شبرمة يقول : ليس بمكة مثل هشام. وتأول الشافعي في هذه الآية أن للإنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما خانه من غير علمه؛ واستشهد في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوج أبي سفيان : (خذي من ماله ما يكفيك وولدك) فأجاز لها أخذ ذلك بغير إذنه. وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في {البقرة}. وقال ابن أبي نجيح : إنه محمول على المقابلة في الجراح. وإذا قال : أخزاه الله أو لعنه الله أن يقول مثله. ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بكذب. وقال السدي : إنما مدح الله من انتصر ممن بغى عليه من غير اعتداء بالزيادة على مقدار ما فعل به؛ يعني كما كانت العرب تفعله. وسمي الجزاء سيئة لأنه في مقابلتها؛ فالأول ساء هذا في مال أو بدن، وهذا الاقتصاص يسوءه بمثل ذلك أيضا؛ وقد مضى هذا كله في {البقرة} مستوفى. الثالثة: قوله تعالى: {فمن عفا وأصلح} قال ابن عباس : من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو {فأجره على الله} أي إن الله يأجره على ذلك. قال مقاتل : فكان العفو من الأعمال الصالحة وقد مضى في {آل عمران} في هذا ما فيه كفاية، والحمد لله. وذكر أبو نعيم الحافظ عن علي بن الحسين رضي الله عنهم قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد أيكم أهل الفضل ؟ فيقوم ناس من الناس؛ فيقال : انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة؛ فيقولون إلى أين ؟ فيقولن إلى الجنة؛ قالوا قبل الحساب ؟ قالوا من أنتم ؟ قالوا أهل الفضل؛ قالوا وما كان فضلكم ؟ قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا وإذا سيء إلينا عفونا؛ قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. وذكر الحديث. {إنه لا يحب الظالمين} أي من بدأ بالظلم؛ قاله سعيد بن جبير. وقيل : لا يحب من يتعدى في الاقتصاص ويجاوز الحد؛ قاله ابن عيسى. الرابعة: قوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه} أي المسلم إذا انتصر من الكافر فلا سبيل إلى لومه، بل يحمد على ذلك مع الكافر. ولا لوم إن انتصر الظالم من المسلم؛ فالانتصار من الكافر حتم، ومن المسلم مباح، والعفو مندوب. الخامسة: في قوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} دليل على أن له أن يستوفي ذلك بنفسه. وهذا ينقسم ثلاثة أقسام : أحدها : أن يكون قصاصا في بدن يستحقه آدمي، فلا حرج عليه إن استوفاه من غير عدوان وثبت حقه عند الحكام، لكن يزجره الإمام في تفوته بالقصاص لما فيه من الجرأة على سفك الدم. وإن كان حقه غير ثابت عند الحاكم فليس عليه فيما بينه وبين الله حرج؛ وهو الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ ومعاقب. القسم الثاني : أن يكون حد الله تعالى لاحق لآدمي فيه كحد الزنى وقطع السرقة؛ فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه، وإن ثبت عند حاكم نظر، فإن كان قطعا في سرقة سقط به الحد لزوال العضو المستحق قطعه، ولم يجب عليه في ذلك حق لأن التعزير أدب، وإن كان جلدا لم يسقط به الحد لتعديه مع بقاء محله فكان مأخوذا بحكمه. القسم الثالث : أن يكون حقا في مال؛ فيجوز لصاحبه أن يغالب على حقه حتى يصل إليه إن كان ممن هو عالم به، لان كان غير عالم نظر، فإن أمكنه الوصول إليه عند المطالبة لم يكن له الاستسرار بأخذه. وإن كان لا يصل إليه بالمطالبة لجحود من هو عليه من عدم بينة تشهد له ففي جواز استسراره بأخذه مذهبان : أحدهما : جوازه؛ وهو قول مالك والشافعي. الثاني : المنع؛ وهو قول أبي حنيفة. السادسة: قوله تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} أي بعدوانهم عليهم؛ في قول أكثر العلماء. وقال ابن جريج : أي يظلمونهم بالشرك المخالف لدينهم. {ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} أي في النفوس والأموال؛ في قول الأكثرين. وقال مقاتل : بغيهم عملهم بالمعاصي. وقال أبو مالك : هو ما يرجوه كفار قريش أن يكون بمكة غير الإسلام دينا. وعلى هذا الحد قال ابن زيد : إن هذا كله منسوخ بالجهاد، لأن هذا للمشركين خاصة. وقول قتادة : إنه عام؛ وكذا يدل ظاهر الكلام. وقد بيناه والحمد لله. السابعة: قال ابن العربي : هذه الآية : في مقابلة الآية المتقدمة في {براءة} وهي قوله:{ما على المحسنين من سبيل} [التوبة : 91]؛ فكما نفى الله السبيل عمن أحسن فكذلك نفاها على من ظلم؛ واستوفى بيان القسمين. الثامنة: واختلف علماؤنا في السلطان يضع على أهل بلد مالا معلوما بأخذهم به ويؤدونه على قدر أموالهم؛ هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل، وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم. فقيل لا؛ وهو قول سحنون من علمائنا. وقيل : نعم، له ذلك إن قدر على الخلاص؛ وإليه ذهب أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي ثم المالكي. قال : ويدل عليه قول مالك في الساعي يأخذ من غنم أحد الخلطاء شاة وليس في جميعها نصاب إنها مظلمة على من أحذت له لا يرجع على أصحابه بشيء. قال : ولست آخذ بما روي عن سحنون؛ لأن الظلم لا أسوة فيه، ولا يلزم أحد أن يولج نفسه في ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره، والله سبحانه يقول: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس}. التاسعة: واختلفت العلماء في التحليل؛ فكان ابن المسيب لا يحلل أحدا من عرض ولا مال. وكان سليمان بن يسار ومحمد بن سيرين يحللان من العرض والمال. ووأى مالك التحليل من المال دون العرض. روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك وسئل عن قول سعيد بن المسيب {لا أحلل أحدا} فقال : ذلك يختلف؛ فقلت له يا أبا عبدالله، الرجل يسلف الرجل فيهلك ولا وفاء له؟ قال : أرى أن يحلله وهو أفضل عندي؛ فإن الله تعالى : يقول: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر : 18]. فقيل له : الرجل يظلم الرجل؟ فقال : لا أرى ذلك، هو عندي مخالف للأول، يقول الله تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} ويقول تعالى: {ما على المحسنين من سبيل} [التوبة : 91] فلا أرى أن يجعله من ظلمه في حل. قال ابن العربي : فصار في المسألة ثلاثة أقوال : أحدها : لا يحلله بحال؛ قال سعيد بن المسيب. الثاني : يحلله؛ قاله محمد بن سيرين. الثالث : إن كان مالا حلله وإن كان ظلما لم يحلله؛ وهو قول مالك. وجه الأول ألا يحلل ما حرم الله؛ فيكون كالتبديل لحكم الله. ووجه الثاني أنه حقه فله أن يسقط كما يسقط دمه وعرضه. ووجه الثالث الذي اختاره مالك هو أن الرجل إذا غلب على أداء حقك فمن الرفق به أن يتحلله، وإن كان ظالما فمن الحق ألا تتركه لئلا تغتر الظلمة ويسترسلوا في أفعالهم القبيحة. وفي صحيح مسلم حديث أبي اليسر الطويل وفيه أنه قال لغريمه : اخرج إلي، فقد علمت أين أنت؛ فخرج؛ فقال : ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال : أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك، خشيت والله أن أحدثك فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم، وكنت والله معسرا. قال قلت : آلله؟ قال الله؛ قال : فأتى بصحيفة فمحاها فقال : إن وجدت قضاء فأقض، وإلا فأنت في حل... وذكر الحديث. قال ابن العربي : وهذا في الحي الذي يرجى له الأداء لسلامة الذمة ورجاء التمحل، فكيف بالميت الذي لا محاللة له ولا ذمة معه. العاشرة : قال بعض العلماء : إن من ظلم وأخذ له مال فإنما له ثواب ما أحتبس عنه إلى موته، ثم يوجع الثواب إلى ورثته، ثم كذلك إلى آخرهم؛ لأن المال يصير بعده للوارث. قال أبو جعفر الداودي المالكي : هذا صحيح في النظر؛ وعلى هذا القول إن مات الظالم قبل من ظلمه ولم يترك شيئا أو ترك ما لم يعلم وارثه فيه بظلم لم تنتقل تباعة المظلوم إلى ورثة الظالم؛ لأنه لم يبق للظالم ما يستوجبه ورثة المظلوم. الحادية عشرة: قوله تعالى: {ولمن صبر وغفر} أي صبر على الأذى و{غفر} أي ترك الانتصار لوجه الله تعالى؛ وهذا فيمن ظلمه مسلم. ويمكى أن رجلا سب رجلا في مجلس الحسن رحمه الله فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية؛ فقال الحسن : عقلها والله ! وفهمها إذ ضيعها الجاهلون. وبالجملة العفو مندوب إليه، ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوبا إليه كما تقدم؛ وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي وقطع مادة الأذى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه، وهو أن زينب أسمعت عائشة رضي الله عنهما بحضرته فكان ينهاها فلا تنتهي، فقال لعائشة : (دونك فانتصري) ""خرجه مسلم في صحيحه بمعناه"". وقيل: {صبر} عن المعاصي وستر على المساوئ. {إن ذلك لمن عزم الأمور} أي من عزائم الله التي أمر بها. وقيل : من عزائم الصواب التي وفق لها. وذكر الكلبي والفراء أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع ثلاث آيات قبلها، وقد شتمه بعض الأنصار فرد عليه ثم أمسك. وهي المدنيات من هذه السورة. وقيل : هذه الآيات في المشركين، وكان هذا في ابتداء الإسلام قبل الأمر بالقتال ثم نسختها آية القتال؛ وهو قول ابن زيد، وقد تقدم. وفي تفسير ابن عباس {ولمن انتصر بعد ظلمه} يريد حمزة بن عبدالمطلب، وعبيدة وعليا وجميع المهاجرين رضوان الله عليهم. {فأولئك ما عليهم من سبيل} يريد حمزة بن عبدالمطلب وعبيدة وعليا رضوان الله عليهم أجمعين. {إنما السبيل على، الذين يظلمون الناس} يريد عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأبا جهل والأسود، وكل من قاتل من المشركين يوم بدر. {ويبغون في الأرض} يريد بالظلم والكفر. {أولئك لهم عذاب أليم} يريد وجيع. {ولمن صبر وغفر} يريد أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ومصعب بن عمير وجميع أهل بدر رضوان الله عليهم أجمعين. {إن ذلك من عزم الأمور} حيث قبلوا الفداء وصبروا على الأذى.

التفسير الميسّر:

ولمن صبر على الأذى، وقابل الإساءة بالعفو والصفح والسَّتر، إن ذلك من عزائم الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي أمر الله بها، ورتَّب لها ثوابًا جريلا وثناءً حميدًا.

تفسير السعدي

{ وَلَمَنْ صَبَرَ } على ما يناله من أذى الخلق { وَغَفَرَ } لهم، بأن سمح لهم عما يصدر منهم، { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } أي: لمن الأمور التي حث الله عليها وأكدها، وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يوفق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر.

فإن ترك الانتصار للنفس بالقول أو الفعل، من أشق شيء عليها، والصبر على الأذى، والصفح عنه، ومغفرته، ومقابلته بالإحسان، أشق وأشق، ولكنه يسير على من يسره الله عليه، وجاهد نفسه على الاتصاف به، واستعان الله على ذلك، ثم إذا ذاق العبد حلاوته، ووجد آثاره، تلقاه برحب الصدر، وسعة الخلق، والتلذذ فيه.


تفسير البغوي

( ولمن صبر وغفر ) فلم ينتصر ، ( إن ذلك ) الصبر والتجاوز ، ( لمن عزم الأمور ) حقها وجزمها . قال مقاتل : من الأمور التي أمر الله بها . قال الزجاج : الصابر يؤتى بصبره الثواب ، فالرغبة في الثواب أتم عزما .


الإعراب:

(وَلَمَنْ) الواو حرف عطف واللام للابتداء ومن مبتدأ (صَبَرَ) ماض فاعله مستتر والجملة صلة (وَغَفَرَ) معطوف على صبر (إِنَّ ذلِكَ) إن واسمها (لَمَنْ) اللام المزحلقة ومن حرف جر (عَزْمِ) اسم مجرور والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر إن (الْأُمُورِ) مضاف إليه وجملة إن ذلك خبر من

---

Traslation and Transliteration:

Walaman sabara waghafara inna thalika lamin AAazmi alomoori

بيانات السورة

اسم السورة سورة الشورى (Ash-Shura - The Consultation)
ترتيبها 42
عدد آياتها 53
عدد كلماتها 860
عدد حروفها 3431
معنى اسمها الشُّورَى: الْأَمْرُ الَّذِي يُتَشَاوَرُ فِيهِ، وَالمُرَادُ (بِالشُّورَى): مَبْدَأٌ فِي الإِسْلَامِ مَعْرُوفٌ
سبب تسميتها دِلَالَةُ هَذَا الْاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الشُّورَى)، وَتُسَمَّى سُورَةَ ﴿حمٓ ١ عٓسٓقٓ ٢﴾
مقاصدها تَعْلِيمُ المُسْلِمِينَ مَبْدَأَ الشُّورَى فِي مُعَامَلاتِهِمْ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُقْرِئَهُ القُرْآنَ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الشُّورَى) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُلْكِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ٤﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ ...٥٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الشُّورَى) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (فُصِّلَتْ): خُتِمَتْ (فُصِّلَتْ) ببَيَانِ أَنَّ اللهَ وَوَحْيَهُ حَقٌّ؛ فَقَالَ: ﴿حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ ...٥٣﴾، وَافْتُتِحَتِ (الشُّورَى) بِالْوَحْيِ إِلَى الرُّسُلِ وَهُوَ حَقٌّ؛ فَقَالَ: ﴿حمٓ ١ عٓسٓقٓ ٢ كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٣﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!