«وظل ممدود» دائم.
وقوله : ( وظل ممدود ) : قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة - يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، اقرءوا إن شئتم : ( وظل ممدود ) .
ورواه مسلم من حديث الأعرج ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ، اقرءوا إن شئتم : ( وظل ممدود ) .
وكذا رواه البخاري ، عن محمد بن سنان ، عن فليح به ، وكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة . وكذا رواه حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، والليث بن سعد ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وعوف ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة [ به ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا حدثنا شعبة ، سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين ، أو مائة سنة ، هي شجرة الخلد " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله قال : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها ، واقرءوا إن شئتم : ( وظل ممدود ) .
إسناده جيد ، ولم يخرجوه . وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن عبدة وعبد الرحيم ، عن محمد بن عمرو ، به . وقد رواه الترمذي ، من حديث عبد الرحيم بن سليمان ، به .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن زياد - مولى بني مخزوم - عن أبي هريرة قال : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ، اقرءوا إن شئتم : ( وظل ممدود ) . فبلغ ذلك كعبا فقال : صدق ، والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمد ، لو أن رجلا ركب حقة أو جذعة ، ثم دار حول تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما ، إن الله غرسها بيده ونفخ فيها من روحه ، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة ، وما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن منهال الضرير ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الله عز وجل : ( وظل ممدود ) ، قال : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " .
وكذا رواه البخاري ، عن روح بن عبد المؤمن ، عن يزيد بن زريع ، وهكذا رواه أبو داود الطيالسي ، عن عمران بن داور القطان ، عن قتادة به . وكذا رواه معمر ، وأبو هلال ، عن قتادة ، به . وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد وسهل بن سعد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها " .
فهذا حديث ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل متواتر مقطوع بصحته عند أئمة الحديث النقاد ، لتعدد طرقه ، وقوة أسانيده ، وثقة رجاله .
وقد قال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا أبو حصين قال : كنا على باب في موضع ، ومعنا أبو صالح وشقيق - يعني : الضبي - فحدث أبو صالح قال : حدثني أبو هريرة قال : إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما . قال أبو صالح : أتكذب أبا هريرة ؟ قال : ما أكذب أبا هريرة ، ولكني أكذبك أنت . فشق ذلك على القراء يومئذ .
قلت : فقد أبطل من يكذب بهذا الحديث ، مع ثبوته وصحته ورفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الترمذي : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا زياد بن الحسن بن الفرات القزاز ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب " . ثم قال : حسن غريب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن أبي الربيع ، حدثنا أبو عامر العقدي ، عن زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق ظلها قدر ما يسير الراكب في نواحيها مائة عام . قال : فيخرج إليها أهل الجنة ; أهل الغرف وغيرهم ، فيتحدثون في ظلها . قال : فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا ، فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا .
هذا أثر غريب وإسناده جيد قوي حسن .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن يمان ، حدثنا سفيان ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عمرو بن ميمون في قوله : ( وظل ممدود ) قال : سبعون ألف سنة . وكذا رواه ابن جرير ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن سفيان ، مثله . ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون : ( وظل ممدود ) قال : خمسمائة ألف سنة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا حصين بن نافع ، عن الحسن في قول الله تعالى : ( وظل ممدود ) قال : في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها .
وقال عوف عن الحسن : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " . رواه ابن جرير .
وقال شبيب عن عكرمة ، عن ابن عباس : في الجنة شجر لا يحمل ، يستظل به . رواه ابن أبي حاتم .
وقال الضحاك ، والسدي ، وأبو حرزة في قوله : ( وظل ممدود ) لا ينقطع ، ليس فيها شمس ولا حر ، مثل قبل طلوع الفجر .
وقال ابن مسعود : الجنة سجسج ، كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .
وقد تقدمت الآيات كقوله : ( وندخلهم ظلا ظليلا ) [ النساء : 57 ] ، وقوله : ( أكلها دائم وظلها ) [ الرعد : 35 ] ، وقوله : ( في ظلال وعيون ) [ المرسلات : 41 ] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} رجع إلى ذكر منازل أصحاب الميمنة وهم السابقون على ما تقدم، والتكرير لتعظيم شأن النعيم الذي هم فيه. {في سدر مخضود} أي في نبق قد خضد شوكه أي قطع، قال ابن عباس وغيره. وذكر ابن المبارك : حدثنا صفوان عن سليم بن عامر قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : إنه لينفعنا الأعراب ومسائلهم، قال : أقبل أعرابي يوما، فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وما هي) قال : السدر فإن له شوكا مؤذيا، فقال صلى الله عليه وسلم (أو ليس يقول {في سدر مخضود} خضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة فإنها تنبت ثمرا يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما فيه لون يشبه الآخر). وقال أبو العالية والضحاك : نظر المسلمون إلى وج (وهو واد بالطائف مخصب) فأعجبهم سدره، فقالوا : يا ليت لنا مثل هذا، فنزلت. قال أمية بن أبي الصلت يصف الجنة: إن الحدائق في الجنان ظليلة ** فيها الكواعب سدرها مخضود وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان {في سدر مخضود} وهو الموقر حملا. وهو قريب مما ذكرنا في الخبر. سعيد بن جبير : ثمرها أعظم من القلال. وقد مضى هذا في سورة "النجم" عند قوله تعالى {عند سدرة المنتهى} [
النجم : 14] وأن ثمرها مثل قلال هجر من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى {وطلح منضود} الطلح شجر الموز واحده طلحة. قال أكثر المفسرين علي وابن عباس وغيرهم. وقال الحسن : ليس هو موز ولكنه شجر له ظل بارد رطب. وقال الفراء وأبو عبيدة : شجر عظام له شوك، قال بعض الحداة وهو الجعدي : بشرها دليلها وقالا ** غدا ترين الطلح والأحبالا فالطلح كل شجر عظيم كثير الشوك. الزجاج : يجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل شوكه. وقال الزجاج أيضا : كشجر أم غيلان له نور طيب جدا فخوطبوا ووعدوا بما يحبون مثله، إلا أن فضله على ما في الدنيا كفضل سائر ما في الجنة على ما في الدنيا. وقال السدي : طلح الجنة يشبه طلح الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل. وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه {طلع منضود} بالعين وتلا هذه الآية {ونخل طلعها هضيم} [
الشعراء : 148] وهو خلاف المصحف. في رواية أنه قرئ بين يديه {وطلح منضود} فقال : ما شأن الطلح؟ إنما هو {وطلع منضود} ثم قال {لها طلع نضيد} [
ق : 10] فقيل له : أفلا نحولها؟ فقال : لا ينبغي أن يهاج القرآن ولا يحول. فقد اختار هذه القراءة ولم ير إثباتها في المصحف لمخالفة ما رسمه مجمع عليه. قال القشيري: وأسنده أبو بكر الأنباري قال : حدثني أبي قال حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن الحسن بن سعد عن قيس بن عباد قال : قرأت عند علي أو قرئت عند علي - شك مجالد - {وطلح منضود} فقال علي رضي الله عنه : ما بال الطلح؟ أما تقرأ {وطلع} ثم قال {لها طلع نضيد} [
ق : 10] فقال له : يا أمير المؤمنين أنحكها من المصحف؟ فقال : لا لا يهاج القرآن اليوم. قال أبو بكر : ومعنى هذا أنه رجع إلى ما في المصحف وعلم أنه هو الصواب، وأبطل الذي كان فرط من قول. والمنضود المتراكب الذي قد نضد أوله وآخره بالحمل، ليست له سوق بارزة بل هو مرصوص، والنضد هو الرص والمنضد المرصوص، قال النابغة : خلت سبيل أتى كان يحسبه ** ورفعته إلى السجفين فالنضد وقال مسروق : أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها نضيدة ثمر كله، كلما أكل ثمرة عاد مكانها أحسن منها. قوله تعالى {وظل ممدود} أي دائم باق لا يزول ولا تنسخه الشمس، كقوله تعالى {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا} [
الفرقان : 45] وذلك بالغداة وهي ما بين الإسفار إلى طلوع الشمس حسب ما تقدم بيانه هناك. والجنة كلها ظل لا شمس معه. قال الربيع بن أنس : يعني ظل العرش. وقال عمر بن ميمون : مسيرة سبعين ألف سنة. وقال أبو عبيدة : تقول العرب للدهر الطويل والعمر الطويل والشيء الذي لا ينقطع ممدود، وقال لبيد : غلب العزاء وكنت غير مغلب ** دهر طويل دائم ممدود وفي صحيح الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : (وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرؤوا إن شئتم {وظل ممدود}. {وماء مسكوب} أي جار لا ينقطع وأصل السكب الصب، يقال : سكبه سكبا، والسكوب انصبابه. يقال : سكب سكوبا، وانسكب انسكابا، أي وماء مصبوب يجري الليل والنهار في غير أخدود لا ينقطع عنهم. وكانت العرب أصحاب بادية وبلاد حارة، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدلو والرشاء فوعدوا في الجنة خلاف ذلك، ووصف لهم أسباب النزهة المعروفة في الدنيا، وهي الأشجار وظلالها والمياه والأنهار واطرادها. قوله تعالى {وفاكهة كثيرة} أي ليست بالقليلة العزيزة كما كانت في بلادهم {لا مقطوعة} أي في وقت من الأوقات كانقطاع فواكه الصيف في الشاء {ولا ممنوعة} أي لا يحظر عليها كثمار الدنيا. وقيل {ولا ممنوعة} أي لا يمنع من أرادها بشوك ولا بعد ولا حائط، بل إذا أشتهاها العبد دنت منه حتى يأخذها، قال الله تعالى {وذللت قطوفها تذليلا}[الإنسان : 14]. وقيل : ليست مقطوعة بالأزمان، ولا ممنوعة بالأثمان. والله أعلم. قوله تعالى {وفرش مرفوعة} روى الترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {وفرش مرفوعة} قال : (ارتفاعها لكما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة) قال : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد. وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث : الفرش في الدرجات، وما بين الدرجات كما بين السماء والأرض. وقيل : إن الفرش هنا كناية عن النساء اللواتي في الجنة ولم يتقدم لهن ذكر، ولكن قوله عز وجل {وفرش مرفوعة} دال، لأنها محل النساء، فالمعنى ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن، دليله قوله تعالى {إنا أنشأناهن إنشاء} أي خلقناهن خلقا وأبدعناهن إبداعا. والعرب تسمي المرأة فراشا ولباسا وإزارا، وقد قال تعالى {هن لباس لكم}. ثم قيل : على هذا هن الحور العين، أي خلقناهن من غير ولادة. وقيل : المراد نساء بني ادم، أي خلقناهن خلقا جديدا وهو الإعادة، أي أعدناهن إلى حال الشباب وكمال الجمال. والمعنى أنشأنا العجوز والصبية إنشاء واحدا، وأضمرن ولم يتقدم ذكرهن، لأنهن قد دخلن في أصحاب اليمين، ولأن الفرش كناية عن النساء كما تقدم. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {إنا أنشأناهن إنشاء} قال : (منهن البكر والثيب). وقالت أم سلمة رضي الله تعالى عنها : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا} فقال (يا أم سلمة هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز شمطا عمشا رمصا جعلهن الله بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد في الاستواء أسنده النحاس عن أنس قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال : حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو عاصم عن موسى بن عبيد عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك رفعه { إنا أنشأناهن إنشاء} قال (هن العجائز العمش الرمص كن في الدنيا عمشا رمصا). وقال المسيب بن شريك : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله {إنا أنشأناهن إنشاء} الآية قال : (هن عجائز الدنيا أنشأهن الله خلقا جديدا كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا) فلما سمعت عائشة ذلك قالت : واوجعاه! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : (ليس هناك وجع). {عربا} جمع عروب. قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : العرب العواشق لأزوجهن. وعن ابن عباس أيضا : إنها العروب الملقة. عكرمة : الغنجة. ابن زيد : بلغة أهل المدينة. ومنه قول لبيد : وفي الخباء عروب غير فاحشة ** ريا الروادف يعشى دونها البصر وهي الشكلة بلغة أهل مكة. وعن زيد بن أسلم أيضا : الحسنة الكلام. وعن عكرمة أيضا وقتادة : العرب المتحببات إلى أزواجهن، واشتقاقه من أعرب إذا بين، فالعروب تبين محبتها لزوجها بشكل وغنج وحسن كلام. وقيل : إنها الحسنة التبعل لتكون ألذ استمتاعا. وروى جعفر بن محمد عن أببه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {عربا} قال : (كلامهن عربي). وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم {عربا} بإسكان الراء. وضم الباقون وهما جائزان في جمع فعول. {أترابا} على ميلاد واحد في الاستواء وسن واحدة ثلاث وثلاثين سنة. يقال في النساء أتراب وفي الرجال أقران. وكانت العرب تميل إلى من جاوزت حد الصبا من النساء وانحطت عن الكبر. وقيل {أترابا} أمثالا وأشكالا، قاله مجاهد. السدي : أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد. {لأصحاب اليمين} قيل : الحور العين للسابقين، والأتراب العرب لأصحاب اليمين. قوله تعالى {ثلة من الأولين. وثلة من الآخرين} رجع الكلام إلى قوله تعالى {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} أي هم {ثلة من الأولين. وثلة من الآخرين} وقد مضى الكلام في معناه. وقال أبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك {ثلة من الأولين} يعني من سابقي هذه الأمة {وثلة من الآخرين} من هذه الأمة من آخرها، يدل عليه ما روي عن ابن عباس في هذه الآية {ثلة من الأولين. وثلة من الآخرين} فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (هم جميعا من أمتي). وقال الواحدي : أصحاب الجنة نصفان من الأمم الماضية ونصف من هذه الأمة. وهذا يرده ما رواه ابن ماجة في سننه والترمذي في جامعه عن بريدة بن خصيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم). قال أبو عيسى : هذا حديث حسن. و{ثلة} رفع على الابتداء، أو على حذف خبر حرف الصفة، ومجازه : لأصحاب اليمين ثلتان : ثلة من هؤلاء وثلة من هؤلاء. والأولون الأمم الماضية، والآخرون هذه الأمة على القول الثاني.
وأصحاب اليمين، ما أعظم مكانتهم وجزاءهم!! هم في سِدْر لا شوك فيه، وموز متراكب بعضه على بعض، وظلٍّ دائم لا يزول، وماء جار لا ينقطع، وفاكهة كثيرة لا تنفَد ولا تنقطع عنهم، ولا يمنعهم منها مانع، وفرشٍ مرفوعة على السرر.