المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال
تأليف الشيخ الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي
![]() |
![]() |
2 - والآفة الثانية آفة القبول:
فإن من نظر في كتبهم (( كإخوان الصفا )) وغيره ، فرأى ما مزجوه بكلامهم من الحكم النبوية ، والكلمات الصوفية ، ربما استحسنها وقبلها ، وحسن اعتقاده فيها ، فيسارع إلى قبول باطلهم الممزوج بـه ، لحسن ظن حصل فيما رآه واستحسنه ، وذلك نوع استدراج إلى الباطل.
ولأجل هذه الآفة يجب الزجر عن مطالعة كتبهم لما فيها من الغدر والخطر. وكما يجب صون من لا يحسن السباحة على مزالق الشطوط ، يجب صون الخلق عن مطالعة تلك الكتب. وكما يجب صون الصبيان عن مس الحيَّات ، يجب صون الأسماع عن مختلط الكلمات وكما يجب على المعزِّم أن لا يمس الحية بين يدي ولده الطفل ، إذا علم أن سيقتدي به ويظن أنه مثله ، بل يجب عليه أن يحذّره [ منه ] ، بأن يحذر هو [ في ] نفسه [ ول يمسها ] بين يديه ، فكذلك يجب على العالم الراسخ مثله. وكما أن المعزِّم الحاذق إذ أخذ الحية وميز بين الترياق والسم ، واستخرج منها الترياق وأبطل السم فليس له أن يشح بالترياق على المحتاج إليه. وكذا الصراف الناقد البصير إذا أدخل يده في كيس القَلاّب ، وأخرج منه الإبريز الخالص ، واطّرح الزيف والبهرج ، فليس له أن يشح بالجيد المرضي على من يحتاج إليه ؛ فكذلك العالم. وكما أن المحتاج إلى الترياق ، إذا اشمأزت نفسه منه ، حيث علم أنه مستخرج من الحية التي هي مركز السم [ وجب تعريفه ] ، والفقير المضطر إلى المال ، إذا نفر عن قبول الذهب المستخرج من كيس القلاّب ، وجب تنبيهه على أن نفرته جهل محض ، هو سبب حرمأنه الفائدة التي هي مطلبه ، وتحتم تعريفه أن قرب الجوار بين الزيف والجيد ل يجعل الجيد زيفاً ، كما لا يجعل الزيف جيداً ، فكذلك قرب الجوار بين الحق الباطل ، لا يجعل الحق باطلاً ، كما ل يجعل الباطل حقاً.
فهذا ( مقدار ) ما أردنا ذكره من آفة الفلسفة وغائلتها.
* * *
![]() |
![]() |






