موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (515)]

البخاري
مسلم
أبو داود
الترمذي
النسائي
ابن ماجة
الدارمي
الموطأ
المسند

(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (515)]

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ ‏ ‏مَوْلَى ‏ ‏الزُّبَيْرِ ‏ ‏أَنَّهُ سَأَلَ ‏ ‏الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُكَاتَبٍ ‏ ‏لَهُ ‏ ‏قَاطَعَهُ ‏ ‏بِمَالٍ عَظِيمٍ هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ فَقَالَ ‏ ‏الْقَاسِمُ ‏ ‏إِنَّ ‏ ‏أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ‏ ‏لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ‏ ‏وَكَانَ ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ ‏ ‏إِذَا أَعْطَى النَّاسَ أَعْطِيَاتِهِمْ يَسْأَلُ الرَّجُلَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا قَالَ نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ وَإِنْ قَالَ لَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا ‏


( ش ) : سُؤَالُهُ هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالٍ عَظِيمٍ قَاطَعَ بِهِ مُكَاتَبَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ هَذَا الْمَالِ هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِلَّا أَنَّ جَوَابَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي أَنَّ سُؤَالَهُ إنَّمَا كَانَ عَنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَلِذَلِكَ أَجَابَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَوَصَفَ لَهُ الْمَالَ بِالْعِظَمِ لِيَدْخُلَ فِي حَيِّزِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيَحْتَمِلُ الْمُسَاوَاةَ وَقَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ احْتِجَاجٌ بِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَأَخْذٌ بِالْمَرَاسِيلِ , وَإِنَّمَا احْتَجَّ بِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ كَانَ الْخَلِيفَةَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَتَوَلَّى أَخْذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ مَالِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِعْلَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الصَّدَقَاتِ وَقِتَالِهِ الْمَانِعِينَ لِلزَّكَاةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ إخْرَاجِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ , وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَعَادَ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْحَوْلَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وُجُوبِهِ أَصْلُهُ النِّصَابُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فِي ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَوْ أَخَذَهُ السَّاعِي مِنْهُ جَبْرًا لَمْ يُجْزِهِ , وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ. ‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا قُرْبَ الْحَوْلِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ بِالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ , وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَبُو الْفَرَجِ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ تُكْرَهُ , وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَنْ لَقِيته مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٌ لَا تُجْزِئُهُ إِلَّا فِيمَا قَرُبَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوْ عَشْرَةً , وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُجْزِئُهُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ هُوَ الْحَوْلُ فَلِقُرْبِهِ تَأْثِيرٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَرَضِ الْمُوَرِّثِ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَعْتَبِرُ فِيهِ بِالسَّاعَةِ الَّتِي أُفِيدَ فِيهَا الْمَالُ وَلَا بِمِقْدَارِ مَا مَضَى مِنْهَا , وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ بِمَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْيَوْمُ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ فَهُوَ فِي حُكْمِهِ فِي الْحَوْلِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ‏ ‏( مُسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا أَخَذَهُ مِنْ كِتَابَةٍ وقطاعة فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ , وَإِنَّمَا ضُرِبَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ الْمَالَ أَوْ قَبْضِ وَكِيلِهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ حِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْمِيَتِهِ , وَإِنَّمَا ضُرِبَ الْحَوْلُ لِلتَّنْمِيَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ وَهُوَ وَقْتُ الْقَبْضِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَعْطَى النَّاسَ أُعْطِيَّاتِهِمْ سَأَلَ الرَّجُلَ هَلْ عِنْدَك مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْك فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ الْأُعْطِيَّاتُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُعْطِيه الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ إِلَّا أَنَّهُ فِي الشَّرْعِ وَاقِعٌ عَلَى مَا يُعْطِيه الْأَمَامُ النَّاسَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الْأَرْزَاقِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ إِلَى الْعَطَاءِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَطَاءَهُ سَأَلَهُ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ يُرِيدُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِالْحَوْلِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ ذَلِكَ الْعَطَاءِ وَدَفَعَهَا هُوَ إِلَى أَهْلِ الزَّكَاةِ وَفِي هَذَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاةَ مَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ عَيْنِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ فَيُؤَدِّيَهَا فِي مَوَاضِعِهَا. ‏ ‏( بَابٌ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِ ) فَأَمَّا إخْرَاجُ زَكَاةِ مَالٍ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ إِذَا كَانَ مَا يُخْرِجُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِيهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَأَمَّا أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْوَاجِبَ كَالْغَنَمِ فِي شَنَقِ الْإِبِلِ وَالثَّانِي أَنْ يُخْرِجَ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ مِثْلَ إخْرَاجِ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ , فَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ وَإِخْرَاجُ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُخْرِجُ الْفِضَّةَ عَنْ الذَّهَبِ وَلَا يُخْرِجُ الذَّهَبَ مِنْ الْفِضَّةِ , وَقَالَ سَحْنُونٌ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ أَجْوَزُ مِنْ إخْرَاجِ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ , وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُخْرِجُ أَحَدَهُمَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُمَا مَالَانِ هُمَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ فَجَازَ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ كَالذَّهَبَيْنِ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ أَنَّ الْفِضَّةَ تَخْرُجُ عَنْ الذَّهَبِ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى قِيمَتِهِ , وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي إخْرَاجِ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ. ‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا جَازَ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يُخْرِجُ بِمِقْدَارِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ , وَقَالَهُ فِي الْمَدَنِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ , وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ عَلَى عِدَّةِ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ وَأُخْرِجَتْ الزِّيَادَةُ , وَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرَجَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ , وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ لَا يُخْرِجُ إِلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ زَادَتْ الْقِيمَةُ أَوْ نَقَصَتْ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ فِي إخْرَاجِ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ظُلْمًا لِلْمَسَاكِينِ وَفِي إخْرَاجِ مَا زَادَ عَلَيْهَا ظُلْمًا لِرَبِّ الْمَالِ وَهُوَ أَمْرٌ يَنْصَرِفُ لَهُ فَإِذَا رَأَى النَّقْصَ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَنْفَذَهُ , وَإِذَا رَأَى النَّقْصَ عَلَيْهِ امْتَنَعَ مِنْهُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى ظُلْمِ الْمَسَاكِينِ أَبَدًا. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمَسَاكِينِ لِكَوْنِ الْأَمْرِ مَصْرُوفًا إِلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ. وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ هَذَا حُكْمُ الْبَدَلِ عِنْدَهُ. ‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ الذَّهَبِ وَرِقًا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُخْرِجُ عَنْ الْقِيمَةِ إِلَّا جَيِّدًا وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ قِيمَةَ الْفِضَّةِ الرَّدِيئَةِ دَرَاهِمَ جِيَادًا يُرِيدُ لِمَا امْتَنَعَ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ جَيِّدِهَا وَرَدِيئِهَا. ‏ ‏( بَابُ أَخْذِ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ مِنْ الْمُزَكِّي ) فَأَمَّا الْبَابُ الثَّانِي فَأَنَّ الْأَمَامَ إِذَا كَانَ عَدْلًا فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا وَهُوَ الْعَيْنُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ; لِأَنَّ الْإِمَامَ يَكْفِيهِ الِاجْتِهَادُ فِي أَدَائِهَا , وَلِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْمَسْئُولُ وَالْمَطْلُوبُ بِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ فَيَدْفَعُ إِلَيْهِ الزَّكَاةَ لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا وَلَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى الْإِمَامِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ بَاطِنَةٌ مُوَكَّلَةٌ إِلَى أَمَانَاتِ أَرْبَابِهَا , وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْأَلُ كُلَّ إنْسَانٍ عَمَّا عِنْدَهُ وَيَكِلُ ذَلِكَ إِلَى أَمَانَتِهِ , وَهَذَا عَمَلُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَّصِلُ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي أَدَاءِ زَكَاتِهِ غَيْرَهُ ; لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأَمْوَالِ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ فِيهَا الْإِمَامُ. ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الْمَاشِيَةُ وَالثِّمَارُ وَالزَّرْعُ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا وَأَمْكَنَهُ أَخِفَّاؤُهَا وَوَضْعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا أَجُزْأَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْفَاؤُهَا وَأَدَّاهَا إِلَيْهِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ سَوَاءٌ وَضَعَهَا الْإِمَامُ مَوْضِعَهَا أَوْ غَيْرَ مَوْضِعِهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاهِرَةُ الْإِمَامِ بِالْمُخَالِفَةِ ; لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ شَقِّ الْعَصَا وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهَا إِلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ. ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا وَجَبَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ وَلَمْ يُجْزِهِ إخْرَاجُهَا دُونَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُقَوْلُهُ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا , وَهَذَا أَمْرٌ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَالٌ لِلْإِمَامِ فِيهِ حَقُّ الْوِلَايَةُ فَوَجَبَ دَفْعُهُ إِلَيْهِ أَصْلُهُ دَفْعُ مَالِ الْيَتِيمِ إِلَى الْوَصِيِّ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ لَا أُسْلِمُ إِلَيْهِ عَطَاءً وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا يَقْتَضِي تَصْدِيقَ النَّاسِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الَّتِي سَأَلَ الْإِمَامُ عَنْهَا أَرْبَابَهَا إِذَا كَانَ عَدْلًا قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَيَقْبَلُ الْإِمَامُ الْعَدْلُ قَوْلَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ قَدْ أَخْرَجْتُهَا. ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ يَعْرِفُ بِالْخَيْرِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَهَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَضَرْبٌ يُعْرَفُ بِمَنْعِهَا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ إِذَا عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي فَلْيَأْخُذْهُ بِالزَّكَاةِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْهُ وَأَدَّاهَا عَنْهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يُلْجِئُهُ إِلَى الْأَدَاءِ وَيَحْبِسُهُ وَلَا يَأْخُذُهَا مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمَالِ الْمَحْضِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ مَعَ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ جَبْرًا عِنْدَ الِامْتِنَاعِ كَدُيُونِ النَّاسِ فِيهِ. ‏ ‏( فَرْعٌ ) وَتَقُومُ فِي ذَلِكَ نِيَّةُ الْإِمَامِ مَقَامَ نِيَّةِ مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا تُجْزِئُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ فَجَازَ أَنْ تَنُوبَ فِيهَا نِيَّةُ مَنْ يَتَوَلَّى إخْرَاجَهَا عَنْ نِيَّةِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهُ كَالْأَبِ فِي مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الْمَجْنُونِ. ‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إِنْ عُرِفَ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ سُجِنَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَجَازَ أَنْ يُسْجَنَ فِي أَدَائِهِ كَالدُّيُونِ. ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَيُتَّهَمُ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ فَإِنْ قَالَ قَدْ أَخْرَجْتهَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ إِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا كَعُمْرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ إِنْ عُرِفَ مِنْهُ مَنْعُ الزَّكَاةِ أُخِذَتْ مِنْهُ , وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ وَاتُّهِمَ اُسْتُحْلِفَ وَدِينَ. ‏ ‏( فَرْعٌ ) , وَإِنَّمَا شَرَطَ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا لَا غَيْرُ ; لِأَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يَضَعُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَتَرْكُهَا عِنْدَ صَاحِبِهَا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا وَجْهَ لِمُطَالَبَتِهِ بِهَا. ‏



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!