المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (575)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (575)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ
( ش ) : نَهْيُهُ عَنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ خَوْفِ مَا يَحْدُثُ عَنْهَا فَإِنْ قَبَّلَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ , وَكَذَلِكَ إِنْ بَاشَرَ فَإِنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَأَنْعَظَ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْ قُبُلِهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الحمديسية عَلَيْهِ الْقَضَاءُ , وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْنِيَ , وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْإِنْعَاظَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ لَذَّةٍ شَدِيدَةٍ وَيَتَيَقَّنُ مَعَهُ انْفِصَالَ الْمَاءِ عَنْ مَوْضِعِهِ فَلَا يَتَيَقَّنُ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ وَسَلَامَتَهَا مِمَّا يُفْسِدُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ , وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ اللَّذَّةَ غَيْرُ مُرَاعَاةٍ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكَادُ يَسْتَبِدُّ مِنْهَا وَلَوْ رُوعِيَ سَلَامَةُ الصَّوْمِ مِنْهَا لَبَطَلَ أَكْثَرُ الصَّوْمِ وَلَوْ بَلَغَتْ اللَّذَّةُ مَبْلَغًا يُخَافُ مِنْهُ انْفِصَالُ الْمَاءِ لَمَا سَلِمَ مِنْ الْمَذْيِ فَإِذَا عَرَا مِنْ الْمَذْيِ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَذَّةٌ يَسِيرَةٌ لَا يَنْفَصِلُ مَعَهَا الْمَاءُ مِنْ مُسْتَقَرِّهِ , وَسَوَّى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ لَا يَقْضِي إِلَّا أَنْ يُمْنِيَ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَذْيًا أَوْ مَنِيًّا فَإِنْ كَانَ مَذْيًا كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَجْهِ ذَلِكَ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ فَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. ( فَرْعٌ ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّنَا إنَّمَا نُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ ; لِأَنَّ الصَّوْمَ قَدْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَدَاءَ صَوْمِهِ وَلَا بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ , وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ , وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِتَيَقُّنِ الْفِطْرِ عَلَى صِفَاتٍ مُعْتَبَرَةٍ وَنَحْنُ لَا نَتَيَقَّنُ ذَلِكَ فَلَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ. ( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا إِنْ أَمْنَى فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهَلْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا ؟ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَبَّلَ قُبْلَةً وَاحِدَةً فَأَنْزَلَ أَوْ قَبَّلَ فَالْتَذَّ فَعَاوَدَ فَأَنْزَلَ فَإِنْ قَبَّلَ قُبْلَةً وَاحِدَةً أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَمَسَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَأَنْزَلَ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُكَرِّرَ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا فِي النَّظَرِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ اللَّمْسَ وَالْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ لَيْسَتْ بِفِطْرٍ فِي نَفْسِهَا , وَإِنَّمَا تُيُقِّنَ أَنْ يَئُولَ إِلَى الْأَمْرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ فَإِذَا فَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَقْصِدْ الْإِنْزَالَ وَافَسَادَ الصَّوْمِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَالنَّظَرِ إلَيْهَا , وَإِذَا كَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ قَصَدَ إفْسَادَ صَوْمِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَظُنَّ مِنْهُ وُقُوعَ الْإِنْزَالِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ مَعَانٍ يَقَعُ بِهَا الْإِنْزَالُ كَثِيرًا وَهِيَ مِنْ دَوَاعِيهِ فَلَا تُفْعَلُ غَالِبًا إِلَّا لِمَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي مِنْ صَدَدِهِ الْإِنْزَالُ فَالْفَاعِلُ لَهَا مُغَرِّرٌ بِصَوْمِهِ فَإِنْ كَانَ سَبَبَ إفْسَادِ صَوْمِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ اسْتَدَامَ وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي لِلصَّائِمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ النَّظَرُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَالَمَةِ وَهَذَا إِذَا كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ لَذَّةٍ فَإِنْ نَظَرَ نَظْرَةً وَاحِدَةً يَقْصِدُ بِهَا اللَّذَّةَ فَأَنْزَلَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي ; لِأَنَّهُ إِذَا قَصَدَ بِهَا الِاسْتِمْتَاعَ كَانَتْ كَالْقُبْلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ , وَرَوَى فِي الْمَدَنِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ مُتَجَرِّدَةٍ فَالْتَذَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنْ يُدِيمَ النَّظَرَ إلَيْهَا تَلَذُّذًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَفَرَّقَ ابْنُ نَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ بَيْنَ النَّظَرِ وَبَيْنَ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْمُلَاعَبَةِ فَجَعَلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْكَفَّارَةَ.