المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (859)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (859)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ إِذَا بَلَغْتَ وَادِيَ الْقُرَى فَشَأْنَكَ بِهِ
( ش ) : قَوْلُهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُرِيدُ أَخْرَجَ فِيهِ نَفَقَةً أَوْ فَرَسًا أَوْ سِلَاحًا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ يُرِيدُ الَّذِي يَدْفَعُ إِلَيْهِ ذَلِكَ إِذَا بَلَغْت وَادِيَ الْقُرَى يُرِيدُ أَنَّ هَذَا نِهَايَةٌ فِي سَفَرِهِ وَمُقْتَضَى غَزْوِهِ فِي رُجُوعِهِ غَازِيًا مِنْ الشَّامِ وَقَوْلُهُ فَشَأْنُك بِهِ يَعْنِي هُوَ لَك وَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ : إحْدَاهُمَا حُكْمُ مَحَلِّ الْعَطِيَّةِ وَالثَّانِيَةُ حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فَأَمَّا حُكْمُ مَحَلِّ الْعَطِيَّةِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْإِطْلَاقُ وَالثَّانِي التَّعْيِينُ فَأَمَّا الْإِطْلَاقُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ : مَا لِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ مُنْصَرِفَهُ إِلَى الْغُزَاةِ وَمَنْ فِي مَوْضِعِ الْجِهَادِ لِأَنَّ إِطْلَاقَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَظَاهِرِهَا يَقْتَضِي الْجِهَادَ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا جِهَادَ فِيهِ وَلَا غَزْوَ فَلَا يُعْطَى مِنْهُ حَاجٌّ وَلَا غَيْرُهُ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ سَحْنُونٌ : وَيُعْطَى مِنْهُ الصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَقَالَ سَحْنُونٌ : لَا يُعْطَى مِنْهُ مَنْ تَعَطَّلَ عَنْ الْعَمَلِ كَالْمَفْلُوجِ وَالْأَعْمَى وَيُعْطَى مِنْهُ الْمَرِيضُ. وَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ عُمَّارِ الثُّغُورِ وَفِي بَقَائِهِمْ هُنَاكَ تَكْثِيرٌ لِلْعَدُوِّ وَقُوَّةٌ لِأَهْلِ الْحَرْبِ فَكَانُوا مُسْتَحِقِّينَ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُمْ لَا يُرْجَى مِنْهُمْ عَوْنٌ عَلَى الْحَرْبِ فَلَا يُعْطُونَ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ إنَّمَا أُخْرِجَ لِلْعَوْنِ عَلَى الْحَرْبِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْعَلَ الْعَطِيَّةَ فِي السَّبِيلِ خَاصَّةً فَهَذَا لَيْسَ لِمَنْ أُعْطِيَهَا تَمَوُّلُهَا وَلَا إنْفَاقُهَا فِي غَيْرِ سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّهُ عُدُولٌ بِالْعَطِيَّةِ عَنْ وَجْهِهَا. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا فِي الْقُفُولِ أَمْ لَا ؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : يُنْفِقُ مِنْهَا فِي الْقُفُولِ وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْقُفُولِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْقُفُولَ مِنْ الْغَزْوِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ مِنْهُ كَالْمَسِيرِ إِلَى بَلَدِ الْعَدُوِّ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ عَيَّنَهُ لِلْغَزْوِ وَالْعَوْنِ عَلَى الْعَدُوِّ وَلَيْسَ الْقُفُولُ مِنْهُ بِسَبِيلٍ فَمَنْ فَضَلَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَهَابِهِ بِهِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ عَنْ قُفُولِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى مَنْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ أَوْ يُعْطِيَهُ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُعْطِي الْعَطِيَّةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْتِلُهَا لِمَنْ أَخَذَهَا بِأَنْ يَقُولَ لَهُ : هَذَا لَك فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهَذَا يَلْزَمُ الْمُعْطِيَ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ فِي السَّبِيلِ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ تَخْرُجُ لِمِثْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ لَهُ بَيْعُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِثَمَنِهِ وَبِهَذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَ وَادِيَ الْقُرَى يُرِيدُ بَعْدَ قَضَاءِ الْغَزْوِ بِهِ.