المرتبة السادسة: الربوبية
من مراتب الوجود هي الربوبية ، وفيها يتعين وجود العبودية ويظهر موقع الجلال
والجمال لتأثير الهيبة والأنس ، وهي الحضرة الكمالية والمنصة العظموتية ، وهي
المجلى الأقدس المحيط بالنظر القدسي والمشهد المقدس ، وإليها ترجع أسماء التنزيه
وبها يختص التقديس ، وهي المعبر عنها بحضرة القدس ، ومن هذه الحضرة أرسلت الرسل
وشرعت الشرائع وأنزلت الكتب وتعينت المجازات إما بالنعيم للمطيع وإما بالعذاب
للعاصي ، وهي محتد الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، من حيث النبوة
والرسالة لا من حيث حقائقهم ، ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لربه عز وجل :
{ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } ، وقال موسى صلى الله عليه وسلم : {
رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } ، قال تعالى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } فمرجع النبوة والرسالة إلى الربوبية
ولها التعالي المطلق .ولهذا قال تعالى لموسى عليه السلام : لن تراني ؛ لأنه خاطبه
في تجلي الربوبية ، فلو خاطبه في تجلي الرحمانية أو تجلي الألوهية أو الوحدانية لما
كان يقع المنع أبداً ؛ لأن الرحمانية لها الوجود الساري وهي عين كل امرئ ،
والألوهية لها الجمع فهي شيء وعين كل الأشياء ، والواحدية كذلك ، لكن لما خاطبه في
تجلي الربوبية بقوله : { رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } قيل له : لن تراني ، لأن
الربوبية من شأنها التقديس والتعالي والتنزيه عن لحوق هذه الأشياء بها ، فطلب العبد
من ربه رؤيته سوء أدب منه بالنظر إلى محل العبودية والربوبية لا بالنظر إلى موسى
عليه الصلاة والسلام ، فإنه أكمل الأدباء لكنها حضرة اقتضت أمور هذه الشؤون وجرى
بها القدر على حسب الإرادة الإلهية . فافهم .ولهذا لما تجلى سبحانه وتعالى على
الجبل بصفة الربوبية تدكدك الجبل وخر موسى صعقاً ، أي فانياً فلو تجلى عليه بصفة
الرحمانية لأبقاه به ولم يتأثر الجبل . فافهم والله تعالى أعلم .