المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الحجر: [الآية 88]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الحجر | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
[ «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» ]
ولما كان القسم بالرب ، جعل الحكم بالتسبيح لهذا الاسم والعبادة له ، حتى لا يكون لاسم آخر سلطان عليه في هذه النازلة على هذا المقام ، فقال له تعالى : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) وقال : «وَاعْبُدْ رَبَّكَ» المنعوت في الشرع «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ»
- الوجه الأول -فتعرف باليقين من سجد منك ، ولمن سجدت ، فتعلم أنك آلة مسخرة بيد حق قادر ، اصطفاك وطهرك وحلاك بصفاته
- الوجه الثاني -اعلم أن الأسماء الإلهية نسب ، فمن عرف النسب فقد عرف اللّه ، ومن جهل النسب فقد جهل اللّه ، ومن عرف أن النسب تطلبها الممكنات فقد عرف العالم ، ومن عرف ارتفاع النسب فقد عرف ذات الحق من طريق السلب ، فلا يقبل النسب ولا تقبله ، وإذا لم يقبل النسب لم يقبل العالم ، فقوله تعالى : «وَاعْبُدْ رَبَّكَ» نسبة خاصة من الاسم الرب المضاف «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» فتعلم من عبده ومن العابد والمعبود
–الوجه الثالث - «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» فينكشف الغطاء ويحتد البصر ، فترى ما رأى
الرسول صلّى اللّه عليه وسلم وتسمع ما سمع ، فتلحق به في درجته من غير نبوة تشريع ، بل وراثة محققة لنفس مصدقة متبعة - لذلك قرأ بعضهم من باب الإشارة «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ»
- الوجه الرابع - «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» يعني الموت ، لأنه أمر متيقن لا اختلاف في وقوعه في كل حيوان
- الوجه الخامس - «اليقين»
[ «اليقين» ]
حكم اليقين سكون النفس بالمتيقن ، أو حركتها إلى المتيقن وهو ما يكون الإنسان فيه على بصيرة ، أي شيء كان ، فإذا كان حكم المبتغى حكم الحاصل فذلك اليقين ، سواء حصل المتيقن أو لم يحصل في الوقت ، وهو قول القائل لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، مع أن المتيقن ما حصل في الوجود العيني ، فقال اللّه لنبيه ولكل عبد يكون بمثابته «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» ولما كان شرف اليقين بشرف المتيقن ، لهذا جاء بالألف واللام في قوله «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» يريد متيقنا خاصا ، ما هو يقين يقع المدح به ، بل هو يقين معيّن ، واليقين هو الذي يأتي طالبا المحل الذي ينزل فيه ، فإذا تيقنت علمت بمن آمنت - الوجه السادس - إذا أضاف الحق نفسه إلى شيء من خلقه ، فانظر إلى عبادة ما أضاف نفسه إليه فقم بها أنت ، فإنك النسخة الجامعة ، وما عرفك الحق بهذه الإضافة الخاصة إلا لهذا ، مثال الإله المضاف : وإلهكم ، ربنا الذي أعطى ، رب المشرق والمغرب ، رب السماوات ، ورب آبائكم ، رب المشرقين ورب المغربين فعطف ، وما أظهر الإضافة كما فعل في غير ذلك ، ما فعله سدى ، فاعبد ربك على ما قلته لك في كل إضافة حتى يأتيك اليقين ، وإذا أتاك اليقين انجلى لك الأمر وعرفت شرف الإضافة ، فإنه ما عبد أحد الإله المطلق عن الإضافة فإنه الإله المجهول .
بحث في اليقين -اليقين مقام شريف بين العلم والطمأنينة ، وربما اشتق اليقين من يقن الماء إذا استقر ، فاليقين استقرار الإيمان في القلب ، واعلم أن اليقين لما اعتنى به اللّه دون غيره من المقامات ، أكمل نشأته فسوى ذاته أولا حين أرسله مطلقا ، مثل قوله تعالى : «حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» ثم جعل له عينا وعلما وحقا وأخفى حقيقته ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول : [ لكل شيء حقيقة ] وقد ثبت حق اليقين ، فلا بد لهذا الحق من حقيقة ، وهو حقيقة اليقين ، فصار اليقين على هذا نشأة قائمة على أربعة أركان : علم وعين وحق وحقيقة ، فالحقيقة سنّية ، والثلاثة الأركان الباقية كتابية ، فاليقين اسم يكون منه فعل فيظهر في حضرة الأفعال على مراتبها ، ولا يتمكن أن يوصف بوجه ، بخلاف العلم ، فلا يوصف بالقدم
ويوصف بالعلم والعين والحق وغير ذلك ، ولما كان فلك اليقين واسعا ، كان في حركته بطء لاتساع فلكه ولعلوه وارتفاعه ، فلا يظهر له في عالم التركيب ذلك الأثر الظاهر إلا عند القليل من المتروحنين من البشر ، وذلك لعلو هممهم ، فإنها جازت عليه من فلكه وقربت منه فحصل آثاره فيها ، ولذلك قال تعالى : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) *فجعلهم قوما ، فإن الشكوك هي الغالبة والقطع على جهالة لا على يقين ، فسمي القطع يقينا ، واليقين من جهة الحقيقة غير حاصل عند أكثر الناس ، وإن القطع عندهم حاصل عندهم ويسمونه يقينا ، وليس كذلك ، فلو كانت دائرة فلك اليقين قريبة منا سريعة الدور ضيقة الفلك لكانت سريعة الأثر ، وكان الخلق أكثرهم على اليقين ، فكانوا على سبيل الحق ، لكن الأمر كما ترى بالعكس ، وانظر في إشارة الشارع بقوله تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وقلّل الصالحين فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) فأين أنت من أصحاب اليقين الذين هم أقل من عمّال الصالحات ، بل نبّه عليهم (بِقَوْمٍ) *فهم أقل من القليل ، واليقين فوق الإيمان بلا شك ، فأين الطمأنينة أبعد وأبعد ، وأخبر صلّى اللّه عليه وسلم أنه يتعلم اليقين ، وقيل له «وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» وسر ذلك أنه قيل له (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) والعلم لا بد بأن يستند إلى اليقين ، لأن اليقين روح العلم والطمأنينة حياته ، فلا يزال يطلب الزيادة من العلم ، فلا يزال يتعلم اليقين لارتباطه به ، وهكذا في كل دقيقة من دقائق التفاصيل ، ولما كان العلم بهذه المثابة انبغى لكل عاقل أن لا يسأل سواه في كل شيء ، ولما كان لليقين نشأة كاملة كانت له عين مميزة ، فقيل عين اليقين ، لئلا يتخيل السامع أنا نريد عين الشمس وغير ذلك ، ونقول علم اليقين في العلم ، لئلا يتخيل علم النحو أو علم الأدب ، وكذلك حقّ اليقين ، لئلا يتخيل حق قدره وحق تقاته إذا قلنا حق ولا نضيفه إلى اليقين ، كذلك نقول حقيقة اليقين ، لئلا يتخيل أنا نريد حقيقة الإيمان وحقيقة الوجود ، فجاءت الإضافة قطعا ، لأن اليقين هو مجموع هذه الأشياء فجازت ، واليقين ما بأيدي الناس منه إلا مجرد ذاته الجسمانية ، أي حروفه اللفظية والرقمية ، ولذلك ما تجد أحدا إلا وهو يشك في المقدور ، إما بعقده وإما بحاله ضرورة ، وأدناها مرتبة هذه الكسيرة التي وقع القسم من اللّه عليها بضمانها ، ولا بد أن يعطيها ولم يشترط فيها إيمانا ولا كفرا ، ومع هذا كله لم يثلج صدره ولا حصل في النفس من اليقين
467
علم ولا عين ولا حق ولا حقيقة ، فأين أنت يا مسكين ؟ فمن كشف اللّه له عن بصيرته وانحل قفله من أهل الكمال قليلون جدا ، فانظر ما أعلى درجة اليقين ، فإن عين اليقين بها ينظر إلى الهمم عند تسابقها إليه وتجاريها على براقات الأعمال الصالحات ، فيشهدها خارجة من النفوس المسجونة في الهياكل الظلمانية ، واختراقها عالم الوهم والمثال الذي هو البحر الخضم الذي تهلك فيه أكثر الهمم ، وتعاين هذا اليقين بالعين المضافة ، فالصاحب يقول :
إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كان يكلم دحية ، وإنما كان جبريل عليه السلام ، فإذا قال : إنه دحية فلا علم عنده ولا يقين ، لكنه عنده القطع الذي يسميه يقينا ، واليقين إذا نظر بعينه إلى مثل ما ذكرناه ورأى رجوع الهمم يتعجب مما خلق اللّه عليه العقول من القصور ، فما أشأم من وثق بعقله ، أو قال إنه يعرف ربه بعقله ، وإذا وصلت الهمم بالمسابقة إلى اليقين وهو ينظر إليها بعينه ، أنزلها في حضرته وحصل من صور الهمم التي يمتاز بعضها من بعض صورة معقولة ، لا يمكن للبصر أن يدركها ، لأنها غيب ، فيسلط علمه عليها ، وهذا هو علم اليقين المضاف إليه ، فعينك إذا لم تغلط من عين اليقين ، وإذا غلطت من عين القطع ، وعلمك إذا لم يغلط من علم اليقين وإذا غلط فمن علم القطع ، وهو قوله تعالى : [ كنت سمعه وبصره ] فلا يرى إلا اليقين ولا يعلم إلا اليقين ، وأما حق اليقين فهو أن ينظر عندما تميزت له صفات الفصل بين الهمم في الأمر الذي انبعثت عنه وحكم مزاج صاحب تلك الهمة وأين محله من عالمه وعلى ما ذا قامت بنيته حين يبدو له ما يعطي امتزاج أخلاطه من القوة ، فيكون الإمداد بحسب ذلك ، وأما حقيقة اليقين فهو أن ينظر في المقام المعلوم الذي منه نزل إلى أسفل سافلين ، فإنه إلى ذلك ينتهي بعد التكليف والالتحاق بالروحانيات العلى ، فإن اللّه تعالى أوجد كل لطيفة إنسانية في مقامها الذي تؤول إليه كالملائكة سواء ، ثم نزلت إلى تدبير الأبدان فهكذا الإنسان لا يزال يترقى إلى آخر نفسه الذي يموت عليه ، وهو مقامه الذي نزل منه ، ولذلك قال (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) *ولا يرجع إلى شيء إلا من خرج منه ، فبذلك المقام تتعلق حقيقة اليقين .
(16) سورة النّحل مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(99) كتاب القسم الإلهي - الفتوحات ج 3 / 311 - ج 2 / 34 ، 74 - ج 3 / 311 - كتاب الإعلام - الفتوحات ج 2 / 295 ، 204 - ج 4 / 365 - رسالة اليقينتفسير ابن كثير:
وقوله : ( لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ) أي : استغن بما آتاك الله من القرآن العظيم عما هم فيه من المتاع والزهرة الفانية .
ومن هاهنا ذهب ابن عيينة إلى تفسير الحديث الصحيح : " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " إلى أنه يستغنى به عما عداه ، وهو تفسير صحيح ، ولكن ليس هو المقصود من الحديث ، كما تقدم في أول التفسير .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن وكيع بن الجراح ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي رافع صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أضاف النبي - صلى الله عليه وسلم - ضيفا ولم يكن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء يصلحه ، فأرسل إلى رجل من اليهود : يقول لك محمد رسول الله : أسلفني دقيقا إلى هلال رجب . قال : لا إلا برهن . فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - [ فأخبرته ] فقال : " أما والله إني لأمين من في السماء وأمين من في الأرض ولئن أسلفني أو باعني لأؤدين إليه " . فلما خرجت من عنده نزلت هذه الآية : ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ) إلى آخر الآية . [ طه : 131 ] كأنه يعزيه عن الدنيا
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( لا تمدن عينيك ) قال : نهي الرجل أن يتمنى مال صاحبه .
وقال مجاهد : ( إلى ما متعنا به أزواجا منهم ) هم الأغنياء .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } أي: لا تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون، واغترَّ بها الجاهلون، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم، { ولا تحزن عليهم } فإنهم لا خير فيهم يرجى، ولا نفع يرتقب، فلك في المؤمنين عنهم أحسن البدل وأفضل العوض، { واخفض جناحك للمؤمنين } أي: ألن لهم جانبك، وحسِّن لهم خلقك، محبة وإكراما وتودُّدا
تفسير البغوي
قوله تعالى : ( لا تمدن عينيك ) يا محمد ( إلى ما متعنا به أزواجا ) أصنافا ( منهم ) أي : من الكفار متمنيا لها . نهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الرغبة في الدنيا ومزاحمة أهلها [ عليها ] . ( ولا تحزن عليهم ) أي : لا تغتم على ما فاتك من مشاركتهم في الدنيا .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن العنزي ، حدثنا عيسى بن نصر ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا جهم بن أوس ، قال : سمعت عبد الله بن أبي مريم - ومر به عبد الله بن رستم في موكبه ، فقال لابن أبي مريم : إني لأشتهي مجالستك وحديثك ، فلما مضى قال ابن أبي مريم - سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تغبطن فاجرا بنعمته ، فإنك لا تدري ما هو لاق بعد موته ، إن له عند الله قاتلا لا يموت " فبلغ ذلك وهب بن منبه فأرسل إليه وهب أبا داود الأعور ، قال : يا أبا فلان ما قاتلا لا يموت؟ قال ابن أبي مريم : النار " .
أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري السرخسي ، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل الفقيه ، حدثنا أبو الحسن بن إسحاق ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي ، أخبرنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم " .
وقيل : هذه الآية متصلة بما قبلها لما من الله تعالى عليه بالقرآن نهاه عن الرغبة في الدنيا .
روي أن سفيان بن عيينة - رحمه الله - تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " أي : لم يستغن بالقرآن . فتأول هذه الآية .
قوله تعالى : ( واخفض جناحك ) لين جناحك ( للمؤمنين ) وارفق بهم ، والجناحان لابن آدم جانباه .
الإعراب:
(لا تَمُدَّنَّ) لا ناهية ومضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفعل في محل جزم بلا الناهية وفاعله مستتر (عَيْنَيْكَ) مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى والكاف مضاف إليه والجملة مستأنفة (إِلى ما) ما موصولية متعلقان بتمدن (مَتَّعْنا) ماض وفاعله والجملة صلة (بِهِ) متعلقان بمتعنا (أَزْواجاً) مفعول به (مِنْهُمْ) متعلقان بمحذوف صفة لأزواجا (وَلا تَحْزَنْ) الواو عاطفة ولا ناهية ومضارع مجزوم بلا الناهية وفاعله مستتر (عَلَيْهِمْ) متعلقان بتحزن (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) أمر ومفعوله وفاعله مستتر والكاف مضاف إليه والجملة معطوفة (لِلْمُؤْمِنِينَ) متعلقان بأخفض