
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم علي بن محمد المزين رحمه الله تعالى
صحب سهل بن عبد الله، والجنيد بن محمد، ومن في طبقتهما من البغداديين أقام بمكة مجاوراً، ومات بها سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وكان من أورع المشايخ، وأحسنهم حالا، وكان رضي الله عنه يقول: متى ما ظهرت الآخرة فنيت منها الدنيا، ومتى ما ظهر ذكر الله تعالى فنيت فيه الدنيا، والآخرة، وإذا تحققت الأذكار فني العبد، وذكره، وبقي المذكور، وصفاته وسئل رضي الله عنه عن التوحيد فقال: أن توحد الله بالمعرفة، وتوحده بالعبادة، وتوحده بالرجوع إليك في كل مالك، وعليك، وتعلم أن ما خطر بقلبك، أو أمكنك الإشارة إليه، فالله بخلاف ذلك، وتعلم أن أوصافه سبحانه وتعالى مباينة لأوصاف خلقه باينهم بصفاته قدماً كما باينوه بصفاتهم حدثاً، وكان رضي الله عنه يقول: كانت الطريق إلى الله تعالى بعدد النجوم، وما بقي منها إلا طريق واحد وهي طريق الفقه وهو أنهج الطرق، وكان يقول: من طلب الطريق بنفسه تاه في أول قدم، ومن أريد به الخير دل على الطريق رأى عين حتى بلغ المقصد، وكان يقول: المعجب بعمله مستدرج، والمستحسن لأحواله السيئة ممكور به، ومن ظن أنه موصول فهو مغرور، وأحسن العبيد حالا من كان مجهولا في أحواله لا يشاهد غير واحد، ولا يستأنس إلا به، ولا يشتاق إلا إليه، وكان يقول: من أعرض عن مشاهدة ربه سبحانه وتعالى، شغله الله تعالى بطاعته، وخدمته ومن بدا له نجم الاحتراق غيبه عن وساوس الافتراق، وكان رضي الله عنه يقول: لو زكيت رجلا حتى جعلته صديقاً لا يعبأ الله به، وهو يساكن الدنيا بقلبه طرفة عين حتى لو ساكنها لأجل إخوانه ليصرفها عليهم لا يقلح، ومن أبقى عنده منها فوق قوت فقد ساكنها، وقد درج السلف الصالح على عدم المساكنة
للدنيا، وجعلوه من رهبانية الربانيين، وأحوال الحواريين فقال له رجل فإذا سكن إلى الدنيا لينفقها على نفسه وعياله وغيرهم من الملازم فقال له: دعونا من هذه الزلقات من أراده الله بهذا الأمر فليصدق الله فيه، ويسد باب الدنيا جملة وإلا فليرجع إلى ظاهر العلم ورعايته فيأخذ به ويعطي الناس، ويعم ويخص والله ما هلك من هلك من أهل الطريق إلا من حلاوة الغنى في نفوسهم، وقبول الظواهر المدخولة مع الوتوف مع ظاهرها، والله الذي لا إله إلا هو إني لأعرف من يدخل عليه عرض الدنيا فيقسمها إلى حقوق الله تعالى دون خصوص نفسه فيصير ذلك مع براءة ساحته منه حجاباً قاطعاً له عن الله تعالى، وكان يقول: إذا عرض على أحدكم طعام من حيث لا يحتسب فليأكله فإني عرض علي مرة طعام، فامتنعت من أكله فضربت بالجوع أربعة عشر يوماً حتى إذا علمت أني قد عوقبت تبت إلى الله فزال ما كان عندي من الجوع، وما كنت إلا هلكت، وكان يقول: العجب في العبد مقت من الله عز وجل له، وهو يؤدي إلى مقت الأبد نسأل الله العافية.
![]() |
![]() |