موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

وهو كتاب الطبقات الكبرى

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومنهم الشيخ مدين بن أحمد الأشموني رضي الله عنه

أحد أصحاب سيدي الشيخ أحمد الزاهد رضي الله عنه، كان من أكابر العارفين، وانتهت إليه تربية المريدين في مصر وقراها وتفرعت عنه السلسلة المتعلقة بطريقة أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه، قالوا، وكان رضاعه على يد سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه، وفطامه على يد سيدي الشيخ محمد الحنفي رضي الله عنه السابق ذكره، فإنه لما توفي سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه جاء إلى سيدي محمد رضي الله عنه، وصحبه وأقام عنده مدة في زاويته مختلياً في خلوة ثم إنه طلب من سيدي محمد إذناً بالسفر إلى زيارة الصالحين بالشام، وغيره فأعطاه الشيخ إذناً فقام مدة طويلة سائحاً في الأرض لزيارة الصالحين ثم رجع إلى مصر فأقام بها واشتهر، وشاع أمره، وانتشر، وقصده الناس، واعتقدوه، وأخذوا عليه العهود، وكثرت أصحابه في إقليم مصر، وغيرها، ولما بلغ أمره سيدي الشيخ أبا العباس السرسي خليفة سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه قال: لا إله إلا الله ظهر مدين بعد هذه المدة الطويلة، والله لقد أقام عندي سيدي في هذه الزاوية نحو الأربعين يوماً حتى كمل. قلت: هكذا رأيته في آخر مناقب سيدي محمد الحنفي عند ذكر أصحابه الذين أخذوا عنه، والمشهور بين جماعة سيدي مدين، والغمري، وغيرهم أن فطام سيدي مدين رضي الله عنه كان على يد سيدي أحمد الزاهد فالله أعلم بما كان، وهو من ذرية سيدي أبي مدين المغربي الثلمساني رضي الله عنه، وجده الأدنى على المدفون بطبلية بالمنوفية ووالده مدفون في أشمون جريسان، وكلهم أولياء صالحون، وأول من جاء من بلاد المغرب جده الذي في طبلية فدخلها، وهو مغربي فقير لا يملك شيئاً، فجاع جوعاً شديداً فمر به إنسان يقود بقرة حلابة فقال له: احلب لي شيئاً من اللبن أشربه، فقال له: ثور فصارت في الحال ثوراً، ولم تزل ثوراً إلى أن ماتت، ووقع له كرامات كثيرة فلم يمكنوه أن يخرج من بلدهم طبلية حتى مات، وأما والد سيدي مدين رحمه الله تعالى، فانتقل إلى أشمون فولد له سيدي مدين فاشتغل بالعلم حتى صار يفتي الناس، واستسلم من أشمون عدة بيوت من النصارى منهم أولاد إسحاق، ومنهم الصديرية، والمقامعة، والمساعنة، وهم مشهورون في بلد أشمون ثم تحرك في خاطره طلب الطريق إلى الله تعالى، واقتفاء آثار القوم، فقالوا له: لا بد لك من شيخ فخرج إلى مصر فوافق سيدي محمد الغمري حين جاء إلى القاهرة يطلب الآخر ما يطلب سيدي مدين فسألوا عن أحد يأخذون عنه من مشايخ مصر فدلهما على سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه فهماً بين القصرين، وإذا بشخص من أرباب الأحوال قال لهما: ارجعا ليس لكما نصيب الآن عند الأبواب الكبار ارجعا إلى الزاهد، فرجعا إليه فلما دخلا تنكر عليهما زماناً ثم لقنهما، وأخلاهما ففتح على سيدي مدين رضي الله عنه في ثلاثة أيام، وأما سيدي محمد الغمري رضي الله عنه فأبطأ فتحه نحو خمس عشرة سنة، ومن كرامات سيدي مدين رضي الله عنه أن منارة زاويته الموجودة الآن لما فرغ منها البناء مالت إليه، وخاف أهل الحارة منها فأجمع المهندسون على هدمها، فخرج إليهم الشيخ على قبقابه فأسند ظهره إليها، وهزها والناس ينظرون فجلست على الاستقامة إلى وقتنا هذا، ومن كراماته المشهورة أن يوسف ناظر الخاص بمصر ظلم شخصاً من تجار الحجاز، وكان مستند الشيخ عبد الكريم الحضرمي رضي الله عنه فسأل الشيخ في التوجه إلى الله تعالى فيه فتوجه فيه تلك الليلة، فرأى يوسف في مقصورة من حديد مكتوب عليها من خارج مدين مدين فأصبح فأخبر التاجر، وقال من هو مدين هذا فقال شيخ في مصر يعتقده يوسف فقال ارجع إلى مكان شيخه لا طاقة لي به، وشاوره بعض الفقراء في السفر إلى بلاده ليقطع علائقه، ويجيء إلى الشيخ بالكلية، فأذن له فباع ذلك الفقير بقرته، وبعض أمتعته، وجعل ثمنها في صرة، ووضعها، في رأسه فلما جاء في المركب نفض الراجع عمامته فوقعت بالصرة في بحر النيل أيام زيادته فلما دخل الشيخ حكى له ما وقع فرفع سيدي مدين رضي الله عنه طرف السجادة وأخرج تلك الصرة تقطر ماء، وكان إذا رأى فقيراً لا يحضر مجلس الذكر يخرجه، ولا يدعه يقيم عنده فقال: لفقير يوماً ما منعك يا ولدي عن الحضور فقال: الحضور إنما هو مطلوب لمن عنده كسل ليتقوى لغيره، وأنا بحمد الله ليس عندي كسل فأخرجه الشيخ، وقال: مثل هذا يتلف الجماعة، ويصير كل واحد يدعي بدعواه فيختل نظام

الزاوية، وشعارها، وخرج فقير يوماً من الزاوية فرأى جرة خمر مع إنسان فكسرها فبلغ الشيخ رضي الله عنه ذلك فأخرجه من الزاوية، وقال: ما أخرجته لأجل إزالة المنكر وإنما هو لإطلاق بصره حتى رأى المنكر لأن الفقير لا يجاوز بصره موضع قدميه، ووقع أن ثور الساقية انطلق يوماً فأكل من طحين الفقراء فذبحه الشيخ، وقال: قد صار الماء الذي يملؤه لوضوء الناس فيه شبهة رضي الله عنه، وجاءته رضي الله عنه امرأة فقالت: هذه ثلاثون ديناراً، وتضمن لي على الله الجنة فقال لها: الشيخ رضي الله عنه مباسطاً لها ما يكفي، فقالت: لا أملك غيرها فضمن لها على الله دخول الجنة فماتت فبلغ ورثتها ذلك فجاءوا يطلبون الثلاثين ديناراً من الشيخ، وقالوا: هذا الضمان لا يصح فجاءتهم في المنام، وقالت لهم: اشكروا لي فضل الشيخ فإني دخلت الجنة، فرجعوا عن الشيخ وحكى أن الشيخ رضي الله عنه كان يوماً يتوضأ في البالوعة التي في رباط الزاوية فأخذ فردة القبقاب فضرب بها نحو بلاد المشرق ثم جاء رجل من تلك البلاد بعد سنة، وفردة القبقاب معه، وأخبر أن شخصاً من العياق عبث بابنته في البرية فقالت: يا شيخ أبي لاحظني لأنها لم تعرف أن اسمه مدين ذلك الوقت، وهي إلى الآن عند ذريته رضي الله عنه. وشعارها، وخرج فقير يوماً من الزاوية فرأى جرة خمر مع إنسان فكسرها فبلغ الشيخ رضي الله عنه ذلك فأخرجه من الزاوية، وقال: ما أخرجته لأجل إزالة المنكر وإنما هو لإطلاق بصره حتى رأى المنكر لأن الفقير لا يجاوز بصره موضع قدميه، ووقع أن ثور الساقية انطلق يوماً فأكل من طحين الفقراء فذبحه الشيخ، وقال: قد صار الماء الذي يملؤه لوضوء الناس فيه شبهة رضي الله عنه، وجاءته رضي الله عنه امرأة فقالت: هذه ثلاثون ديناراً، وتضمن لي على الله الجنة فقال لها: الشيخ رضي الله عنه مباسطاً لها ما يكفي، فقالت: لا أملك غيرها فضمن لها على الله دخول الجنة فماتت فبلغ ورثتها ذلك فجاءوا يطلبون الثلاثين ديناراً من الشيخ، وقالوا: هذا الضمان لا يصح فجاءتهم في المنام، وقالت لهم: اشكروا لي فضل الشيخ فإني دخلت الجنة، فرجعوا عن الشيخ وحكى أن الشيخ رضي الله عنه كان يوماً يتوضأ في البالوعة التي في رباط الزاوية فأخذ فردة القبقاب فضرب بها نحو بلاد المشرق ثم جاء رجل من تلك البلاد بعد سنة، وفردة القبقاب معه، وأخبر أن شخصاً من العياق عبث بابنته في البرية فقالت: يا شيخ أبي لاحظني لأنها لم تعرف أن اسمه مدين ذلك الوقت، وهي إلى الآن عند ذريته رضي الله عنه.

وكان الشيخ عبادة أحد أعيان السادة المالكية ينكر على سيدي مدين رضي الله عنه، ويقول: أيش هذه الطريق التي يزعم هؤلاء نحن لا نعرف إلا الشرع فلما انقلب بعض أصحاب الشيخ عبادة إلى سيدي مدين رضي الله عنه صحبوه، وتركوا حضور درسه ازداد إنكاراً، فأرسل سيدي مدين، وراءه يدعوه إلى حضور مولده الكبير الذي يعمل له في كل سنة فحضر فقال: الشيخ رضي الله عنه لا أحد يتحرك له، ولا يقوم، ولا يفسح له فوقف الشيخ عبادة في صحن الزاوية حتى كاد يتمزق من الغيظ ساعة طويلة ثم رفع سيدي مدين رضي الله عنه رأسه، وقال: افسحوا للشيخ عبادة، فأجلسه بجانبه ثم قال له: سؤال حضر فقال: الشيخ عبادة رحمه الله تعالى سل فقال: هل يجوز عندكم القيام للمشركين مع عدم الخوف من شرهم فقال: لا فقال: سيدي مدين رضي الله عنه بالله عليك ما تكدرت حين لم يقم لك أحد فقال: نعم فقال: لو قال لك: إنسان لا أرضي عليك إلا إن كنت تعظمني كما تعظم ربك ماذا تقول: له قال: أقول له كفرت فدارت فيه الكلمة فانتصب قائماً على رءوس الأشهاد، وقال: ألا اشهدوا أنني قد أسلمت على يد سيدي مدين رضي الله عنه، وهذا أول دخولي في دين الإسلام، ولم يزل في خدمة سيدي مدين رضي الله عنه إلى أن مات رحمه الله تعالى، ودفن في تربة الفقراء، وحكى له الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد الحريفيش الدنوشري أحد أصحاب سيدي محمد الغمري رضي الله عنه قال: لما مات شيخنا رضي الله عنه لم يعجبنا أحد بعده نجتمع عليه فسألت بعض الفقراء فقال: عليك بسيدي مدين فسافرت إليه فقالوا لي: الشيخ يتوضأ في الرباط فدخلت عليه، فوجدته رجلا بعمامة كبيرة وجبة عظيمة، وإبريق وطشت وعبد حبشي واقف بالمنشفة، فقلت: لشخص أين سيدي مدين فأشار إلي أنه هذا فقلت: في نفسي لاذا بذاك، ولا عتب على الزمن بتحريك التاء المثناة من فوق لأن عهدي بسيدي محمد رضي الله عنه أن يلبس الجبة، والعمامة الغليظة، والتقشف الزائد، وليس لي علم بأحوال الرجال فقال لي: أصلح البيت قل لاذا بذاك، ولا عتب على الزمن بسكون الفوقية فقلت: الله أكبر فقال: على نفسك الخبيثة تسافر من البلاد إلى هنا تزن الفقراء بميزان نفسك التي لم تسلم إلى الآن فقلت تبت إلى الله تعالى، وأخذ العهد علي، وأنا في بركة سيدي مدين رضي الله عنه إلى الآن، وكنت أسمع هذه الحكاية من سيدي علي المرصفي يرويها عن شيخه سيدي محمد بن أخت سيدي مدين عن سيدي محمد الحريفيش هذا فلما اجتمعت بسيدي محمد الحريفيش سنة خمس عشرة، وتسعمائة بدنوشر حكاها لي على جهة المباسطة فلما رجعت إلى القاهرة أخبرت بها سيدي علياً رضي الله عنه، وأنا فرحان بذلك، فقال لي: على وجه المباسطة كنت بلا سند فصرت بسند، وضاقت النفقة على السلطان جقمق فأرسل يأخذ خاطر سيدي مدين رضي الله عنه بالمساعدة على نفقة العسكر، فأرسل للسلطان قاعدة عمود حجر فحملها العتالون إلى القلعة، فوجدها السلطان معدنا فباعها، وجعلها في بيت المال، واتسع الحال على السلطان، فقال: السلطان هؤلاء هم السلاطين.

وجاءه شخص قد طعن في السن، وقال: يا سيدي مقصودي أحفظ القرآن في مدة يسيرة فقال: ادخل هذه الخلوة فأصبح يحفظ القرآن كله، وكان الشيخ رضي الله عنه إذا سأله أحد عن مسألة في الفقه لا يجيبه، ويقول: اذهب إلى عيسى الضرير يجيبك عنها وكان عيسى هذا أمياً مقيماً عنده في الزاوية فجاءه جماعة متعنتون على وجه الامتحان، فقال: اذهبوا إلى عيسى الضرير يجيب عنها فقالوا: لا نطلب الجواب إلا منك فقال: الجواب في الكتاب الفلاني الذي عندكم على الرف في سابع سطر من عاشر ورقة، فوجدوا الأمر كما قال: فاستغفروا، وتابوا، ووقائع سيدي مدين رضي الله عنه كثيرة مشهورة بين مريديه، وغيرهم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!