موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

وهو كتاب الطبقات الكبرى

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومنهم سيدنا، ومولانا شمس الدين الحنفي رضي الله عنه ورحمه

كان رضي الله عنه من أجلاء مشايخ مصر، وسادات العارفين صاحب الكرامات الظاهرة، والأفعال الفاخرة، والأحوال الخارقة، والمقامات السنية، والهمم العلية صاحت الفتح المؤنق، والكشف المخرق، والتصدر في مواطن القدس، والرقي في معارج المعارف، والتعالي في مراقي الحقائق، كان له الباع الطويل في التصريف النافذ واليد البيضاء في أحكام الولاية، والقدم الراسخ في درجات النهاية، والطود السامي في الثبات، والتمكين وهو أحد من ملك أسراره، وقهر أحواله، وغلب على أمره، وهو أحد أركان هذه الطريق، وصدور أوتادها، وأكابر أئمتها، وأعيان علمائها علماً، وعملا، وحالا، وقالا: وزهداً وتحقيقاً، ومهابة، وهو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود وصرفه في الكون، ومكنه في الأحوال، وأنطقه بالمغيبات، وخرق له العوائد وقلب له الأعيان، وأظهر على يديه العجائب، وأجرى على لسانه الفوائد، ونصبه قدوة للطالبين حتى تلمذ له جماعة من أهل الطريق، وانتمى إليه خلق من الصلحاء والأولياء، واعترفوا بفضله، وأقروا بمكانته وقصد بالزيارات من سائر الأقطار، وحل مشكلات أحوال القوم، وكان رضي الله عنه ظريفاً جميلا في بدنه، وثيابه، وكان الغالب عليه شهود الجمال رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه من ذرية أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. توفي رضي الله عنه سنة سبع وأربعين، وثمانمائة رضي الله عنه، وقد أفرد الناس ترجمته بالتأليف منهم الشيخ نور الدين علي بن عمر البتنوني رضي الله عنه، وهو مجلدان، والحق أنه لم يحط علماً بمقام الشيخ رضي الله عنه حتى يتكلم عليه إنما ذكر بعض أمور على طريقة أرباب التواريخ وأهل الطبقات بل لو رام الولي نفسه أن يتكلم على مقام نفسه لا يقدر كما هو مقرر في كلام أصحاب الدوائر الكبرى، والله أعلم، ولكن نذكر لك طرفاً صالحاً مما ذكره الإمام البتنوني لتحيط به علما فنقول: وبالله التوفيق: اعلم أنه رضي الله عنه ربي يتيماً من أمه وأبيه فربته خالته فكان زوجها يريد أن يعلمه الصنعة فمضى به إلى الغرابلي فهرب إلى الكتاب ثم مضى به إلى المناخلي، فهرب إلى الكتاب فكف عنه، فحفظ القرآن، وكان ابن حجر رفيقه في الكتاب قال: الشيخ أبو العباس السرسي، ولما خرج الشيخ محمد الحنفي من الكتاب جلس يبيع الكتب في سوقها، فمر عليه بعض الرجال، فقال: يا محمد ما للدنيا خلقت، فنزل من الدكان، وترك جميع ما فيه من الغلة والكتب، ولم يسأل عن ذلك بعد ثم حبب إليه الخلوة ثم اختلى سبع سنين لم يخرج في خلوة تحت الأرض ودخلها، وهو ابن أربع عشرة سنة وكان رضي الله عنه، يقول: إياكم، وكرامات الأولياء أن تنكروها، فإنها ثابتة بالكتاب، والسنة، ونقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة، والجماعة، وقد دعا الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يوماً فنزلت عليه مائدة من السماء من حيث لا يعلم، قال: الشيخ أبو العباس، وكنت إذا جئته وهو في الخلوة أقف على بابها فإن قال لي: ادخل دخلت، وإن سكت رجعت فدخلت عليه يوماً بلا استئذان فوقع بصري على أسد عظيم، فغشي علي فلما أفقت خرجت، واستغفرت الله تعالى من الدخول عيه بلا إذن قال: الشيخ أبو العباس رضي الله عنه، ولم يخرج الشيخ رضي الله عنه من تلك الخلوة حتى سمع هاتفاً يقول: يا محمد أخرج أنفع الناس ثلاث مرات، وقال له: في الثالثة إن لم تخرج، وإلا هيه، فقال: الشيخ فما بعد هيه إلا القطيعة قال: الشيخ فقمت، وخرجت إلى الزاوية فرأيت على الفسقية جماعة يتوضئون فمنهم من على رأسه عمامة صفراء ومنهم زرقاء، ومنهم من وجهه وجه قرد ومنهم من وجهه وجه خنزير، ومنهم من وجهه كالقمر فعلمت أن الله أطلعني على عواقب أمور هؤلاء الناس، فرجعت إلى خلفي، وتوجهت إلى الله تعالى فستر عني ما كشف لي من أحوال الناس، وصرت كآحاد الناس، وكان في خلوة الشيخ توتة مزروعة قال: الشيخ رضي الله عنه فخطر لي أن أباسطها فقلت: يا توتة حدثيني حدوثة فقالت بصوت جهوري نعم إنهم لما زرعوني سقوني فلما سقوني أسست فرعت فلما فرعت أورقت، فلما أورقت أثمرت فلما أثمرت أطعمت قال: الشيخ رضي الله عنه فكان كلامها سلوكاً لي، وقد حصل لي بحمد الله ما قالت: التوتة وكان رضي الله عنه يجلس يعظ الناس على غير موعد فيجيء الناس حتى يملئوا زاويته بقدرة الله عز وجل، وكان الشيخ حسن الخباز المدفون بتربة

الشاذلية بالقرافة رضي الله عنه إذا رأى سيدي محمداً وهو صغير يقول: سيكون لهذا الولد شأن عظيم في مصر ثم يقول، وأخبرني بذلك أيضاً ابن اللبان عن ابن عطاء الله عن ياقوت العرشي عن أبي العباس المرسي عن أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أنه كان يقول: سيظهر بمصر رجل يعرف بمحمد الحنفي يكون فاتحاً لهذا البيت، ويشتهر في زمانه ويكون له شأن عظيم، وفي رواية أخرى عن الشاذلي رضي الله عنه يظهر بمصر شاب يعرف بالشاب التائب حنفي المذهب اسمه محمد بن حسن، وعلى خده الأيمن خال، وهو أبيض اللون مشرب بحمرة وفي عينيه حور ويربي يتيماً فقيراً، أخذ رضي الله عنه الطريق بعد أن خرج من الخلوة عن الشيخ ناصر الدين بن الميلق عن جده الشيخ شهاب الدين بن الميلق عن الشيخ ياقوت العرشي عن المرسي عن الشاذلي، فلذلك كان سيدي أبو الحسن يقول: الحنفي خامس خليفة من بعدي قال: أبو العباس رضي الله عنه، وكان سيدي محمد رضي الله عنه يأمر من يراه من أصحابه عنده شهامة نفس بالشحاتة من الأسواق وغيرها حتى تنكسر النفس، ويقول: رحم الله من ساعد شيخه على نفسه، وكان رضي الله عنه يقول: ظفرت في زماني كله بصاحبين، ونصف صاحب، فأما الصاحبان فهما أبو العباس السرسي، والشيخ شمس الدين ابن كتيلة المحلى، أما الأول فإنه أنفق على جميع ماله، وأما الثاني فإنه تمسك بطريقتي، واتبع سنتي، وأما نصف الصاحب فهو صهري سيدي عمر قال: أبو العباس رضي الله عنه قال لي: سيدي محمد يوماً أما ترضى أن تكون بدايتي نهايتك فقلت: نعم.ذلية بالقرافة رضي الله عنه إذا رأى سيدي محمداً وهو صغير يقول: سيكون لهذا الولد شأن عظيم في مصر ثم يقول، وأخبرني بذلك أيضاً ابن اللبان عن ابن عطاء الله عن ياقوت العرشي عن أبي العباس المرسي عن أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أنه كان يقول: سيظهر بمصر رجل يعرف بمحمد الحنفي يكون فاتحاً لهذا البيت، ويشتهر في زمانه ويكون له شأن عظيم، وفي رواية أخرى عن الشاذلي رضي الله عنه يظهر بمصر شاب يعرف بالشاب التائب حنفي المذهب اسمه محمد بن حسن، وعلى خده الأيمن خال، وهو أبيض اللون مشرب بحمرة وفي عينيه حور ويربي يتيماً فقيراً، أخذ رضي الله عنه الطريق بعد أن خرج من الخلوة عن الشيخ ناصر الدين بن الميلق عن جده الشيخ شهاب الدين بن الميلق عن الشيخ ياقوت العرشي عن المرسي عن الشاذلي، فلذلك كان سيدي أبو الحسن يقول: الحنفي خامس خليفة من بعدي قال: أبو العباس رضي الله عنه، وكان سيدي محمد رضي الله عنه يأمر من يراه من أصحابه عنده شهامة نفس بالشحاتة من الأسواق وغيرها حتى تنكسر النفس، ويقول: رحم الله من ساعد شيخه على نفسه، وكان رضي الله عنه يقول: ظفرت في زماني كله بصاحبين، ونصف صاحب، فأما الصاحبان فهما أبو العباس السرسي، والشيخ شمس الدين ابن كتيلة المحلى، أما الأول فإنه أنفق على جميع ماله، وأما الثاني فإنه تمسك بطريقتي، واتبع سنتي، وأما نصف الصاحب فهو صهري سيدي عمر قال: أبو العباس رضي الله عنه قال لي: سيدي محمد يوماً أما ترضى أن تكون بدايتي نهايتك فقلت: نعم.

وكان سيدي علي بن وفا رضي الله عنه يوماً في وليمة فقال الناس ما تتم الوليمة إلا بحضور سيدي محمد الحنفي، فجاء إليه صاحب الوليمة فدعاه فأتى فقال: من هنا من المشايخ. فقال سيدي علي بن وفا، وجماعته، فقال: ادخل، واستأذنه لي فإن من أدب الفقراء إذا كان هناك رجل كبير لا يدخل عليه حتى يستأذن له فإن أذن، وإلا رجعنا خوف السلب، فدخل صاحب الوليمة فاستأذن له فأذن له سيدي علي، وقام له، وأجلسه إلى جانبه فدار الكلام بينما، فقال: سيدي على ما تقول: في رجل رحى الوجود بيده يدورها كيف شاء فقال له: سيدي محمد رضي الله عنه فما تقول: فيمن يضع يده عليها فيمنعها أن تدور فقال له: سيدي علي والله كنا نتركها لك ونذهب عنها، فقال: سيدي محمد رضي الله عنه لجماعة سيدي علي، ودعوا صاحبكم فإنه ينتقل قريباً إلى الله تعالى فكان الأمر كما قال، وسمع سيدي محمد رضي الله عنه هاتفاً يقول: بالليل يا محمد، وليناك ما كان بيد علي بن وفا زيادة على ما بيدك فعلمت أن ذلك لا يكون إلا بعد موته، فأرسلت شخصاً من الفقراء يسأل عن بيت سيدي علي بحارة عبد الباسط فوجد الصائح أنه قد مات، ودخل فقير إلى القاهرة فأشكل حاله على الناس، وكان يمد يده في الهواء فيقبض من الدنانير، والمراهم فبلغ سيدي محمداً فأحضره بين يديه، وقال: أكرمنا بما فتح الله به عليك فقبض قبضة من الهواء وأعطاها لسيدي محمد رضي الله عنه فوجدوها ثمانين ديناراً.

فطلب منه كذلك ثانياً، وثالثاً، وهو يعطيه لكن دون الأول فقال: زدني فقبض فلم يقع شيء بيده فقال: الشيخ إن خزائن الله لا تنفد ثم ضرب وأخرج وسلب حاله من ذلك اليوم، وكان الشريف النعماني رضي الله عنه أحد أصحاب سيدي محمد رضي الله عنه يقول: رأيت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة عظيمة، والأولياء يجيئون فيسلمون عليه واحداً بعد واحد، وقائل يقول: هذا فلان هذا فلان، فيجلسون إلى جانبه صلى الله عليه وسلم حتى جاءت كبكبة عظيمة، وخلق كثير وقائل يقول هذا محمد الحنفي فلما وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أجلسه بجانبه ثم التفت صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وعمر، وقال لهما: إني أحب هذا الرجل إلا عمامته الصماء أو قال الزعراء، وأشار إلى سيدي محمد، فقال له: أبو بكر رضي الله عنه أتأذن لي يا رسول الله أن أعممه فقال: نعم فأخذ أبو بكر رضي الله عنه عمامة نفسه، وجعلها على رأس سيدي محمد، وأرخى لعمامة سيدي محمد عذبة عن يساره وألبسها لسيدي محمد انتهى فلما قصها على سيدي محمد رضي الله عنه بكى، وبكى الناس، وقال: للشريف محمد إذا رأيت جدك صلى الله عليه وسلم فاسأله لي في أمارة يعلمها من أعمالي، فرآه صلى الله عليه وسلم بعد أيام، وسأله الأمارة فقال له: بأمارة الصلاة التي يصليها علي في الخلوة قبل غروب الشمس كل يوم وهي: اللهم صل على محمد النبي الأمي، وعلى آله، وصحبه وسلم عدد ما علمت وزنة ما علمت، وملء ما علمت فقال: سيدي محمد رضي الله عنه صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عمامته، وأرخى لها عذبة ونزع كل من في المجلس عمامته، وأرخى لها عذبة، وصار سيدي محمد رضي الله عنه إذا ركب يرخي العذبة، وترك الطيلسان الذي كان يركب به إلى أن مات رضي الله عنه ثم إن الشريف رضي الله عنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أيضاً، وقال له: إني أرسلت إلى محمد الحنفي أمارة مع رجل من رجال الصعيد، وأن يعمل لعمامته عذبة فوصل الرجل الصعيدي بعد مدة، وأخبر سيدي محمداً بالرؤيا رضي الله عنه، قال: الشيخ شمس الدين بن كتيلة رضي عنه، وأول شهرة اشتهر بها الشيخ محمد الحنفي رضي الله عنه أن السلطان، فرج بن برقوق كان يرمي الرمايا على الناس، وكان الشيخ يعارضه فأرسل وراء الشيخ وأغلظ عليه القول، وقال: المملكة لي أو لك فقال له: الشيخ رضي الله عنه لا لي، ولا لك المملكة لله الواحد القهار ثم قام الشيخ متغير الخاطر، فحصل للسلطان عقب ذلك، ورم في محاشمه كاد يهلك منه، فأرسل خلف الأطباء، فعجزوا فقال له بعض خواصه العقلاء هذا من تغير خاطر الشيخ محمد الحنفي، فقال: أرسلوا خلفه لأطيب خاطره، فنزل الأمراء إليه، فوجدوه خارج مصر نواحي المطرية فأخبروه بطلب السلطان له فلم يجب إلى الاجتماع به فلم يزالوا يترددون بينه، وبين السلطان حتى رق له وأرسل له رغيفاً مبسوساً بزيت طيب.

وقال لهم: قولوا له: كل هذا تبرأ، ولا تعد إلى قلة الأدب نملخ آذانك فمن ذلك اليوم اشتهر أمر الشيخ رضي الله عنه للناس، وصار الناس إذا لام بعضهم بعضاً على أمر لم يفعله يقول له: يعني ينغاظ الحنفي، وشاعت هذه الكلمة بين الناس إلى الآن، وكان الاستادار لما جاء إلى الشيخ يدعوه للسلطان أغلظ على الشيخ القول فدعا عليه الشيخ، فأعلموا السلطان بذلك فسجنه ثم ضرب عنقه، وأرسل رأسه للشيخ في طبق فولى بوجهه عنه، وقال: ارفعوها، وادفنوها مع جثته، وكان سيدي الشيخ إسماعيل نجل سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه يقول: إن الشيخ رضي الله عنه أقام في درجة القطبانية ستة وأربعين سنة، وثلاثة أشهر، وأياماً، وهو القطب الغوث الفرد الجامع هذه المدة، وكان رضي الله عنه يقول: من الفقراء من يسلك على يد رجل، وينفطم على يد غيره لموت الشيخ الأول أو غير ذلك، وكان شيخ شيخه الشيخ شهاب الدين بن الميلق رحمه الله تعالى يكتب بكل مدة قلم كراساً كاملا، فسمع بذلك الناس، فتعجبوا من ذلك، واستبعدوا، وقوعه فأمر الشيخ محمد الحنفي رضي الله عنه بعض مريديه أن يكتب بكل مدة كراسين فكتب، والناس ينظرون، وكان رضي الله عنه يقول: كان الشيخ ياقوت رضي الله عنه يقول: يا دهشتي يا حيرتي يا حرف لا يقرأ، وكان يقول وجدت مقام سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أعلى من مقام سيدي عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه ثم قال: وسبب ذلك أن سيدي عبد القادر سئل يوماً عن شيخه، فقال: أما فيما مضى فكان شيخي حماداً الدباس.

وأما الآن، فإني أسقي من بين بحرين بحر النبوة، وبحر الفتوة يعني ببحر الفتوة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأما سيدي أبو الحسن رضي الله عنه فقيل له من شيخك؟ فقال أما فيما مضى فكان شيخي سيدي عبد السلام بن مشيش، وأما الآن فإني أسقي من عشرة أبحر خمس سماوية، وخمسة أرضية كما تقدم في ترجمته، وكان رضي الله عنه إذا وعظ الناس في ترك الزنا يقول: إن الذي يشبك الكلب مع الكلبة قادر أن يشبك الزاني مع الزانية في حال زناه ثم يقول: هاه هاه فيصرخ الناس، ويكثر ضجيجهم، وكان رضي الله عنه يتكلم على خواطر القوم، ويخاطب كل واحد من الناس بشرح حاله، وقال له: رجل بلغنا عن الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه أنه عمل يوماً ميعاداً سكوتياً لأصحابه، ومرادنا أن تعملوا لنا ذلك، فقال: نفعل ذلك غداً إن شاء الله تعالى فجلس على الكرسي، وتكلم بغير صوت، ولا حرف سراً فأخذ كل من الحاضرين مشروبة وصار كل واحد يقول ألقي إلي في قلبي كذا، وكذا فيقول له: الشيخ صدقت، فحصل الاتعاظ لكل واحد، وكان ذلك من الكرامات، وكان إذ حضر أحد من المنكرين ميعاده يصير المنكر يضطرب، وينتفض، ويتقلب في الأرض، ويقول: والله ما هذا سدى ثم يصحبه، وجاءه شخص فقال: يا سيدي ادع الله أن يرزقني شيئاً من محبته فقال: رضي الله عنه لا أقول لك مثل ما قال: بعض العارفين رضي الله عنه لما سأله ذلك عني كتفك، ولكن أقول لك احضر الميعاد، فحضر يوماً فألقي الشيخ عليه بعض مسائل من دلائل محبة الله تعالى فغشي على الرجل، وحمل مغشياً عليه فمكث ثمانية أيام لا يعي شيئاً ثم مات فصلى عليه الشيخ رضي الله عنه، وقال: صلوا على شهيد المحبة، ودفنه في القرافة، وكان رضي الله عنه يلبس الملابس المثمنة الفاخرة فأنكر عليه بعض من لا معرفة عنده بأحوال الأولياء، وقال: بعيد أن يكون الأولياء يلبسون هذه الملابس التي لا تليق إلا بالملوك ثم قال: إن كان الشيخ، ولياً يعطيني هذا السلاوي أبيعه وأنفقه على عيالي فلما فرغ الشيخ رضي الله عنه من الميعاد نزعه ثم قال: أعطوه لفلان يبيعه، وينفق ثمنه على عياله فأخذه الرجل، وصار يقول: شيء لله المدد ثم جاء الميعاد الثاني فوجده على الشيخ اشتراه بعض المحبين، وقال: هذا لا يصلح إلا للشيخ محمد الحنفي فأهداه له، وكان رضي الله عنه لا ترد له شفاعة وكان يشفع عند من يعرفه، وعند من لا يعرف، وقد ذكر شيخ الإسلام العيني في تاريخه الكبير والله ما سمعنا، ولا رأينا فيما حويناه من كتبنا، وكتب غيرنا، ولا فيما اطلعنا عليه من أخبار الشيوخ، والعباد والأستاذين بعد الصحابة إلى يومنا هذا أن أحداً أعطى من العز والرفعة، والكلمة النافذة، والشفاعة المقبولة عند الملوك، والأمراء، وأرباب الدول، والوزراء عند من يعرفه، وعند من لا يعرفه مثل ما أعطى الشيخ سيدي شمس الدين الحنفي ثم قال: وأبلغ من ذلك أنه لو طلب السلطان أن ينزل إليه خاضعاً حتى يجلس بين يديه ويقبل يديه لكان ذلك اليوم أحب الأيام إليه، وفي مناقب الشيخ عبد القادر الجيلي رضي الله عنه أن الخليفة قصد يوماً زيارته فلما قرب من زاويته قام سيدي عبد القادر من مجلسه ودخل خلوته، ووقف خلف الباب، فلما دخل الخليفة خرج إليه فسلم عليه، وجلس، وكان ذلك من سيدي عبد القادر رضي الله عنه تعظيماً للخرقة والطريق حتى أنه لا يقوم للخليفة، وكان سيدي الشيخ شمس الدين الحنفي لم يقم قط لأحد من الملوك، ولا من الأمراء، ولا من القضاة الأربع، ولا غيرهم، ولم يغير قط قعدته لدخول أحد منهم، وكان هؤلاء إذا دخل أحد منهم لا يستطيع أن يجلس إلى جانبه، ولا يتربع بين يديه بل يجلس جاثياً على ركبتيه متأدباً خاضعاً، ولا يلتفت يميناً، ولا شمالا وكان الملك الظاهر جقمق سيء الاعتقاد في طائفة الفقراء، وكان يكره سيدي محمداً، ومع ذلك كان يرسل له في الشفاعات فيقضيها، ويقول: لمن حوله كلما أقول: إني لا أقبل لهذا الرجل شفاعة لا أستطيع بل أقبل شفاعته، وأتعجب في نفسي من ذلك، ونزل إليه الملك المؤيد، فجاء إلى الزاوية فوجد الشيخ فوق سطح البيت، فطلع إليه سيدي أبو العباس، وأخبره فقال: قل له: قال: إنه ما يجتمع بأحد في هذا الوقت فوضع السلطان يده على رأسه، ورجع إلى القلعة، ولم يتغير من الشيخ إجلالا له رضي الله عنه. وأرسل إليه الأمير بيسق بشكارة فضة فوجده على

الكرسي فصار يقبض منها، ويرمي للناس حتى أفناها كلها بحضرة القاصد كأنه يريه أن الفقراء في غنية عن ذلك، وأنهم لو أحبوا الدنيا ما كان لهم هذا المقام بين الناس ثم إن الأمير بلغه ما وقع فجاء إلى الشيخ، فقبل يديه فقال له: الشيخ قم إلى هذا البئر فاملأ منه هذه الفسقية للوضوء فيصير ثواب ذلك في صحيفتك إلى يوم القيامة، فخلع الأمير ثيابه وملأ دلواً فوجده ثقيلا فعالجه حتى طلع به فوجده ذهباً، فقال: ذلك للشيخ فقال: صبه في البئر واملأ فملأه كذلك ثانياً وثالثاً فقال قل للبئر مالنا حاجة إلا بالماء، فاستحقر الأمير ما كان أرسله للشيخ، وطلب الفقراء بالوعة للميضأة فغرز الشيخ عكازه، وقال: هذه بالوعة فهي إلى الآن ينزل فيها ماء الوضوء: ولا يعرفون إلى أين يذهب، وكان أمير كبير يسمى بططر عند الملك المؤيد كلما يجيء يزور الشيخ يقوم يخلع ثيابه، ويملأ الفسقية للناس بنفسه، ويعود، ويلبس ثيابه، وتخفيفته، ولما تسلطن بعد الملك أحمد بن المؤيد كان ينزل إلى زيارة الشيخ كل يوم أو ثلاثة لا يستطيع أن يتخلف عنه فيقول له: الشيخ إنك صرت سلطاناً، فالزم القلعة، فيقول: لا أستطيع، وكان يقول: للشيخ لا تقطع شفاعتك عنا، ولو كان كل يوم ألف شفاعة قبلناها، ولما عزل شيخ الإسلام ابن حجر أرسل الشيخ جاريته بركة إلى السلطان ططر، وقال لها: قولي له: رد الشيخ شهاب الدين إلى ولايته فطلعت إليه بركة، وقالت له: ذلك فكتب لها في الحال مرسوماً بولاية شيخ الإسلام ابن حجر، وأرسل له خلعة فكان ابن حجر رحمه الله لا ينسى ذلك للشيخ، وطلع الشيخ رضي الله عنه مرة للسلطان ططر يعوده من مرض، فتسامع الناس أن الشيخ رضي الله عنه طلع للسلطان، فترادف عليه أصحاب الحوائج فأمر السلطان أن لا يرد ذلك اليوم قضية، وسأل الشيخ أن يعلم الناس على قضاياهم، فعلم على خمسة وثلاثين قضية فلما أراد الشيخ النزول أخرج السلطان له فرساً بسرج مغرق، وكنبوشاً، وأمر بالقبة والطير أن يكونوا على رأس الشيخ، وأمر الأمراء أن يركبوا معه إلى الزاوية، ففعلوا ذلك، وكانت القبة والطير مع أمير كبير يقال له: برسباي الدقماقي ثم تولى بعد ذلك المملكة فكان هو الملك الأشرف برسباي، وكان يراعي خاطر الشيخ، ويخاف منه مدة مملكته إلى أن توفي رحمه الله تعالى، وجاء مرة قاض من المالكية يريد امتحان الشيخ.سي فصار يقبض منها، ويرمي للناس حتى أفناها كلها بحضرة القاصد كأنه يريه أن الفقراء في غنية عن ذلك، وأنهم لو أحبوا الدنيا ما كان لهم هذا المقام بين الناس ثم إن الأمير بلغه ما وقع فجاء إلى الشيخ، فقبل يديه فقال له: الشيخ قم إلى هذا البئر فاملأ منه هذه الفسقية للوضوء فيصير ثواب ذلك في صحيفتك إلى يوم القيامة، فخلع الأمير ثيابه وملأ دلواً فوجده ثقيلا فعالجه حتى طلع به فوجده ذهباً، فقال: ذلك للشيخ فقال: صبه في البئر واملأ فملأه كذلك ثانياً وثالثاً فقال قل للبئر مالنا حاجة إلا بالماء، فاستحقر الأمير ما كان أرسله للشيخ، وطلب الفقراء بالوعة للميضأة فغرز الشيخ عكازه، وقال: هذه بالوعة فهي إلى الآن ينزل فيها ماء الوضوء: ولا يعرفون إلى أين يذهب، وكان أمير كبير يسمى بططر عند الملك المؤيد كلما يجيء يزور الشيخ يقوم يخلع ثيابه، ويملأ الفسقية للناس بنفسه، ويعود، ويلبس ثيابه، وتخفيفته، ولما تسلطن بعد الملك أحمد بن المؤيد كان ينزل إلى زيارة الشيخ كل يوم أو ثلاثة لا يستطيع أن يتخلف عنه فيقول له: الشيخ إنك صرت سلطاناً، فالزم القلعة، فيقول: لا أستطيع، وكان يقول: للشيخ لا تقطع شفاعتك عنا، ولو كان كل يوم ألف شفاعة قبلناها، ولما عزل شيخ الإسلام ابن حجر أرسل الشيخ جاريته بركة إلى السلطان ططر، وقال لها: قولي له: رد الشيخ شهاب الدين إلى ولايته فطلعت إليه بركة، وقالت له: ذلك فكتب لها في الحال مرسوماً بولاية شيخ الإسلام ابن حجر، وأرسل له خلعة فكان ابن حجر رحمه الله لا ينسى ذلك للشيخ، وطلع الشيخ رضي الله عنه مرة للسلطان ططر يعوده من مرض، فتسامع الناس أن الشيخ رضي الله عنه طلع للسلطان، فترادف عليه أصحاب الحوائج فأمر السلطان أن لا يرد ذلك اليوم قضية، وسأل الشيخ أن يعلم الناس على قضاياهم، فعلم على خمسة وثلاثين قضية فلما أراد الشيخ النزول أخرج السلطان له فرساً بسرج مغرق، وكنبوشاً، وأمر بالقبة والطير أن يكونوا على رأس الشيخ، وأمر الأمراء أن يركبوا معه إلى الزاوية، ففعلوا ذلك، وكانت القبة والطير مع أمير كبير يقال له: برسباي الدقماقي ثم تولى بعد ذلك المملكة فكان هو الملك الأشرف برسباي، وكان يراعي خاطر الشيخ، ويخاف منه مدة مملكته إلى أن توفي رحمه الله تعالى، وجاء مرة قاض من المالكية يريد امتحان الشيخ.

فأعلموا الشيخ أنه جاء ممتحناً، فقال: الشيخ رضي الله عنه إن استطاع يسألني ما عدت أقعد على سجادة الفقراء فلما جاء القاضي يسأل قال: ما تقول: في وتوقف فقال له: الشيخ رضي الله عنه نعم فقال: ما تقول: في، وتوقف فقال له الشيخ رضي الله عنه نعم فقال ما تقول في وتوقف فقا لله الشيخ نعم حتى قال ذلك مراراً عديدة فلم يفتح عليه بشيء فقال القاضي كنت أريد أن أسأل عن سؤال وقد نسيته ثم كشف رأسه واستغفر وأخذ عليه العهد بعدم الإنكار على الفقراء والاعتراض عليهم وتكلم على الكرسي في جامع الطريني بالمحلة الكبرى يوماً في معنى قولهم يا فقيه فق فاقه يا صريم الناقة قلت له: قم صل قام جرى في الطاقة حتى أبكى الناس، وزعق بعضهم، وتخبط عقل بعضهم، وكان من جملة ما قال: معنى فق أي على أبناء جنسك فاقة أي ولو مرة، وقولهم يا صريم الناقة أي يا زمام الناقة التي هي مطية المؤمن التي بها يبلغ الخير وينجو من الشر، وقولهم قم صل قام جرى في الطاقة فمعناه أنه أمر بالصلاة فقط فزاد على ذلك طاقته من الأذكار، والصيام، والقيام وجد في الاجتهاد، والطاعات، ومعنى جرى في الطاقة أي أسرع وبادر، وفعل ما أمر به وزاد في الطاعة جهد الاستطاعة التي هي الطاقة، وليس المراد بها الكوة المثقوبة في الحائط، وكان سيدي أبو بكر الطريني رحمه الله أول ما يدخل القاهرة يبدأ بزيارة سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه لا يقدم عليه أحداً، وقدم سيدي أبو بكر طعاماً خبيزة للشيخ حين قدم المحلة فقال له: الشيخ يا أبا بكر هل أذن لك أصحاب الغيط أن تأخذ من خبيزتهم قال: لا فلم يأكلها الشيخ، وكذلك أبو بكر إلى أن مات، وكان رضي الله عنه إذا نادى مريداً له في أقصى بلاد الريف من القاهرة يجيبه فإن قال: مسرعاً تعال سافر إليه أو افعل كذا فعله، ونادى يوماً أبا طاقية من بلد قطور بالغربية فسمع نداء الشيخ، فجاء إلى القاهرة وكان هذا الشيخ من أرباب الإشارات فسمع بياع الحمص الأخضر يقول: يا ملانة بفليس يا ملانة بفليس فمضى خلفه، وصار يقول: في نفسه ملانة، وهي بفليس ثم صار يقول: للبياع يا ملانة بقلبين يا ملانة بقلبين، فقال: ما صيرها رخيصة إلا كونها بقلبين ثم رجع، وكان سبب تسميته أبا طاقية أن سيدي محمداً رضي الله عنه قال له: اخلع عمامتك، وخمر هذا الطين ففعل فقيل له لما فرغ لم لا تلبس عمامتك، فقال: لم يقل لي الشيخ فإذا فرغت فالبسها فلا ألبسها إلا إن قال لي: فلم يقل له: الشيخ فأقام بقية عمره بطاقية حتى مات. وركب مرة إلى الروضة على حمار مكار فأعطاه إنسان عشرين ديناراً فقال أعطها للمكاري، فأعطاها له، وكان إذا دخل الحمام، وحلق رأسه تقاتل الناس على شعره يتبركون به، ويجعلونه ذخيرة عندهم.

وكان رضي الله عنه يجمع الفقراء ويدخل بهم الحمام جبراً لخاطرهم، وإشارة لتنظيفهم الباطن، وكان للشيخ بلان فسافر إلى بلاد المغرب فعرف أنه كان بلاناً لسيدي محمد الحنفي، فصار الناس يأخذون يده يقبلونها، ويقولون: هذه يد مست جسد الشيخ فبلغ ذلك مولاي أبا فارس سلطان تونس، فأرسل وراءه وقبل يده، ووضعها على مواضع من جسده يتبرك بها ثم أرسل، وكيله إلى مصر ليأخذ له العهد بطريق الوكالة، فأخذ عليه العهد وأمره أن يأخذ العهد على السلطان إذا رجع، وكان أهل المغرب يرسلون يأخذون من تراب زاويته ويجعلونه في ورق المصاحف، وكان أهل الروم يكتبون اسمه على أبواب دورهم يتبركون به، وكانت رجال الطيران في الهواء تأتي إليه فيعلمهم الأدب ثم يطيرون في الهواء والناس ينظرون إليهم حتى يغيبوا، وكان رضي الله عنه يزور سكان البحر.

فكان يدخل البحر بثيابه فيمكث ساعة طويلة ثم يخرج ولم تبتل ثيابه، ووقع لإمام زاويته أنه خرج للصلاة فرأى في طريقه امرأة جميلة، فنطر إليها فلما دخل الزاوية أمر الشيخ غيره أن يصلي، فلما جاء الوقت الثاني فعل كذلك إلى خمسة أوقات فلما وقع في قلبه أن الشيخ أطلعه الله على تلك النظرة استغفر، وتاب فقال: الشيخ ما كل مرة تسلم الجرة، ودخل مصر رجل من أولياء الله تعالى من غير استئذان سيدي محمد فسلب حاله، فاستغفر الله ثم جاء إلى الشيخ فرد عليه حاله، وذلك أنه كان معه قفة يضع يده فيها، فيخرج كل ما احتاج إليه فصار يضع يده فلا يجد شيئاً.

وكان رضي الله عنه يقول: والله لقد مرت بنا القطبية، ونحن شباب فلم نلتفت إليها دون الله عز وجل وكان يقول: إن القطب إذا تقطب يحمل هموم أهل الدنيا كلها كالسلطان الأعظم بل أعظم، وكان يتطور في بعض الأوقات حتى يملأ الخلوة بجميع أركانها ثم يصغر قليلا قليلا حتى يعود إلى حالته المعهودة، ولما علم الناس بذلك سد الطاق التي كانت تشرف على الخلوة رضي الله عنه، وكان إذا تغيظ من شخص يتمزق كل ممزق، ولو كان مستنداً لأكبر الأولياء لا يقدر يدفع عنه شيئاً من البلاء النازل به كما وقع لابن التمار، وغيره فإنه أغلظ على الشيخ في شفاعة وكان مستند الشيخ اسمه البسطامي من أكابر الأولياء، فقال سيدي محمد مزقنا ابن التمار كل ممزق، ولو كان معه ألف بسطامي ثم أرسل السلطان فهدم دار ابن التمار وهي خراب إلى الآن، وعزم بعض الأمراء على سيدي محمد، ووضع له طعاماً في إناء مسموم وقدمه للشيخ، وكان لا يتجرأ أحد يأكل معه في إناء فأكل منه الشيخ شيئاً ثم شعر بأنه مسموم فقام وركب إلى زاويته، فاختلطت الأواني، فجاء ولد الأمير الاثنان فلعقا من إناء الشيخ، فماتا، ولم يضر الشيخ شيء من السم، وكان يتوضأ يوماً فورد عليه وارد فأخذ فردة قبقابه فرمى بها، وهو داخل الخلوة فذهبت في الهواء، وليس في الخلوة طاق تخرج منها، وقال: لخادمه خذ هذه الفردة عندك حتى تأتيها أختها فبعد زمان جاء بها رجل من الشام مع جملة هدية، وقال: جزاك الله عني خيراً عني إن اللص لما جلس على صدري ليذبحني قلت: في نفسي يا سيدي محمد يا حنفي فجاءته في صدره، فانقلب مغمى عليه ونجاني الله عز وجل ببركتك، وشفع رضي الله عنه عند أمير يسمى المناطح كان كل من نطحه كسر رأسه، وكان ينطح المماليك بين يدي السلطان الملك الأشرف برسباي، فقال: للقاصد قل: لشيخك اقعد في زاويتك، وإلا جاء لك ينطحك، ويكسر رأسك فذكر القاصد ذلك للشيخ، فلم يرد عليه جواباً فلما دخل الليل كشف ذلك الأمير رأسه، وصار ينطح الحيطان إلى أن مات فبلغ الخبر السلطان، فقال: قتله الحنفي رضي الله عنه. وكان له جارية مباركة اسمها بركة أعتقها، وكتب لها، وقال: لها لا تخبري بذلك أحداً فلما أخبرت أهل البيت بذلك قال لها: روحي اقعدي في المكان الفلاني، ولم تعلم ما أراد الشيخ فجلست فيه ثم أرادت أن تقوم فما استطاعت، فسألت الشيخ أن يأذن لها في القيام فقامت لكن لم تستطع المشي، فقالت استأذنوا سيدي في المشي فقال: إنها لم تسأل إلا القيام، والسهم إذا خرج من القوس لا يرد فلم تزل مقعدة إلى أن ماتت، وكان رضي الله تعالى عنه يقرئ الجان على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فاشتغل عنهم يوماً بأمر فأرسل صهره سيدي عمر، فأقرأهم في بيت الشيخ ذلك اليوم، وكان سيدي عمر هذا يقول طلبت مني جنية أن أتزوجها، فشاورت سيدي محمداً رضي الله عنه فقال هذا لا يجوز في مذهبنا فعرضت ذلك على ملكهم حين نزلت معها تحت الأرض فقال: الملك لا أعترض على سيدي محمد فيما قال: ثم قال: الملك للوزير صافح صهر الشيخ باليد التي صافحت بها النبي صلى الله عليه وسلم ليصافح بها سيدي محمداً رضي الله عنه فيكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في المصافحة رجلان فصافحني، وأخبرني أن بينه، وبين وقت مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم ثمانمائة سنة ثم قال: للجنية رديه إلى الموضع الذي جئت به منه ورآه كاتب السر ابن البارزي يوماً، وهو راكب ومعه جماعة من الأمراء فأنكر عليه، وقال: ما هذه طريقة الأولياء، فقال له: ناظر الخاص لا تعترض فإن للأولياء أحوالا فقال: لا بد أن أرسل أقول له: ذلك فلما دخل القاصد، وأخبر سيدي محمداً قال له قل لأستاذك أنت معزول عزلا مؤبداً، فأرسل له السلطان المؤيد، وقال له: الزم بيتك فما زال معزولا حتى قتله الملك المؤيد نعوذ بالله من النكران. وكانت أم سيدي محمود زوجة الشيخ رضي الله عنه تقول أهدت لنا امرأة أترجة صفراء، فوضعناها عندنا في طبق فانقطع الجان الذين كانوا يقرؤون على الشيخ فلما أكلناها جاءوا، فقال لهم: سيدي ما قطعكم عن المجيء إلينا، فقالوا: لا نقدر على رائحة الأترج ولا نقدر ندخل بيتاً هو فيه فكان سيدي محمد رضي الله عنه يأمر من نزل عنده الجان أن يضع في بيته الأترج، ويعمل من حبه سبحاً، ويحفظها عنده لمن عرض له عارض في غير أوان الأترج. ودخلت على الشيخ

يوماً امرأة أمير، فوجدت حوله نساء الخاص تكبسه، فأنكرت بقلبها عليه فلحظها الشيخ بعينه، وقال لها: انظري فنظرت فوجدت، وجوههن عظاماً تلوح، والصديد خارج من أفواههن ومناخرهن كأنهن خرجن من القبور فقال لها: والله ما أنظر دائماً إلى الأجانب إلا على هذه الحالة ثم قال للمنكرة إن فيك ثلاث علامات علامة تحت إبطك، وعلامة في فخذك، وعلامة في صدرك فقالت: صدقت والله إن زوجي لم يعرف هذه العلامات إلى الآن، واستغفرت، وتابت.يوماً امرأة أمير، فوجدت حوله نساء الخاص تكبسه، فأنكرت بقلبها عليه فلحظها الشيخ بعينه، وقال لها: انظري فنظرت فوجدت، وجوههن عظاماً تلوح، والصديد خارج من أفواههن ومناخرهن كأنهن خرجن من القبور فقال لها: والله ما أنظر دائماً إلى الأجانب إلا على هذه الحالة ثم قال للمنكرة إن فيك ثلاث علامات علامة تحت إبطك، وعلامة في فخذك، وعلامة في صدرك فقالت: صدقت والله إن زوجي لم يعرف هذه العلامات إلى الآن، واستغفرت، وتابت.

وأرسل ابن كتيلة مرة يشفع عند إنسان من كبراء المحلة فقال: إن كان ابن كتيلة فقيراً لا يعارض الولاة، وإن لم يسكت ابن كتيلة قطعت مصارينه في بطنه فتكدر ابن كتيلة من ذلك، وأرسل أعلم سيدي الشيخ محمداً الحنفي فقال: هو الذي تتقطع مصارينه في بطنه فأرسل له سيدي محمد جماعة من الفقراء، وأمرهم إذا طلعوا المحلة أن يمروا على بيت ذلك الظالم، ويرفعوا أصواتهم بالذكر ففعلوا فصار يتقايأ، ومصارينه تطلع قطعاً قطعاً إلى أن مات، وكان رضي الله عنه يأخذ القطعة من البطيخة، ويشق منها حتى يملأ كذا كذا طبقاً كل طبق له لب خلاف الآخر حتى إنه يشق من البطيخ الأخضر بطيخاً أصفر حتى يبهر عقول الحاضرين رضي الله عنه، وسرقت له نعجة من الحوش فمكثت ستة أشهر غائبة فقال: الشيخ رضي الله عنه يوماً لغلامه اذهب إلى الروضة فدق الباب الفلاني فإذا خرج لك صاحب الدار قل له هات النعجة التي لها عندك ستة أشهر فأخرجها له، فقال: الشيخ رضي الله عنه هذه بضاعتنا ردت إلينا. وجاءه مرة قاض فقال: يا سيدي أهل بلدي رفعوا في قضية إلى أستاذهم بأنني فلاح فقال قضيت حاجتك فركب الأمير ذلك اليوم فرساً حرناً فجرى به في خوخة ضيقة، فانكسر ظهر الأمير، ووقع على ظهر الأرض ميتاً، وتولى ذلك الإقطاع رجل من أصحاب سيدي محمد فجاء إلى الشيخ يزوره ثاني يوم فكلمه على ذلك القاضي فكتب له عتاقة هو وذريته.

وكان الشيخ إذا لم يجد شيئاً ينفقه يقترض من أصحابه ثم يوفيهم إذا فتح الله تعالى عليه بشيء، فاجتمع عليه ستون ألفاً فشق ذلك على الشيخ، فدخل رجل بكيس عظيم، وقال: من له على الشيخ دين فليحضر، فأوفي عن الشيخ رضي الله عنه جميع ما كان عليه ولم يعرف ذلك الرجل أحد من الحاضرين، فقالوا: للشيخ عنه فقال: هذا صيرفي القدرة أرسله الله تعالى يوفي عنا ديننا، وأنشدوا بين يديه شيئاً من كلام ابن الفارض رضي الله عنه فتمايل الشيخ العارف بالله تعالى سيدي الشيخ شمس الدين بن كتيلة المحلى فلحظه الشيخ فغاب عن إحساسه فرأى في منامه سيدي عمر بن الفارض رضي الله عنه واقفاً على باب الزاوية، وفي فمه قصبة غاب كأنه يشرب بها ماء من تحت عتبة باب الزاوية ثم أفاق، فقال له: الشيخ الذي رأيته صحيح رأيت بعينك يا شمس الدين، وكان يقول: كثيراً لو كان عمر بن الفارض في زماننا ما وسعه إلا الوقوف ببابنا. ومرضت زوجته فأشرفت على الموت، فكانت تقول: يا سيدي أحمد يا بدوي خاطرك معي فرأت سيدي أحمد رضي الله عنه في المنام، وهو ضارب لثامين، وعليه جبة واسعة الأكمام عريض الصدر أحمر الوجه، والعينين وقال لها كم تناديني، وتستغيثي، وأنت لا تعلمي أنك في حماية رجل من الكبار المتمكنين، ونحن لا نجيب من دعانا، وهو في موضع أحد من الرجال قولي يا سيدي محمد يا حنفي يعافيك الله تعالى فقالت ذلك فأصبحت كأن لم يكن بها مرض، وكان الشيخ طلحة رضي الله عنه المدفون بالمنشية الكبرى يقول قال لي: سيدي محمد الحنفي يا طلحة خرج من زاويتي هذه أربعمائة ولي، وفي رواية ثلاثمائة وستون على قدمي كلهم داعون إلى الله تعالى، وأصحابنا بالمغرب كثير، وبالروم، والشام أكثر، وأكثر أصحابنا باليمن، وسكان البراري، والكهوف، والمغارات قال: الشيخ طلحة رضي الله عنه وكان ذلك آخر اجتماعي بالشيخ رحمه الله تعالى.

وقال: سيدي محمد رضي الله عنه في مرض موته من كانت له حاجة فليأت إلى قبري، ويطلب حاجته أقضها له فإن ما بيني، وبينكم غير ذراع من تراب، وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب، فليس برجل، وكان رضي الله عنه يلقن الخائف من ظالم، ويقول: إذا دخلت عليه فقل بسم الله الخالق الأكبر حرز لكل خائف لا طاقة لمخلوق مع الله عز وجل فيرجع إليه المظلوم وعليه الخلعة، والوصول بالتعليق، وأنكرت عليه امرأة ما يقدمه للفقراء من الطعام القليل في الصحون الرملي فقالت: قلة هذا الطعام، ولا هو ثم ذهبت وعملت طعاماً بكثرة فيه فراخ وأوز، وحملته إلى الزاوية، فقال: سيدي محمد رضي الله عنه لسيدي يوسف القطوري رحمه الله كل طعامها كله وحدك فكل طعامها كله وحده، وشكا من الجوع، فأخذته إلى بيتها، وقدموا له نحو ذلك الطعام، وكثر، وهو يشكو الجوع لها فقال: الشيخ البركة في طعام الفقراء لا في أوانيهم فاستغفرت، وتابت، وكان إذا تذكر أحداً من أصحابه الغائبين عن السماط يأكل الشيخ عنه لقمة أو لقمتين فتنزل في بطونهم في أي مكان كانوا ثم يجيئون، ويعترفون بذلك وكان إذا سأله أحد من المبكرين عن مسألة أجابه، فإن سأله عن أخرى أجابه حتى يكون المنكر هو التارك للسؤال فيقول: الشيخ رضي الله عنه لذلك الشخص أما تسأل، فلو سألتني شيئاً لم يكن عندي أجبتك من اللوح المحفوظ وحضره الشيخ جلال الدين البلقيني رضي الله عنه يوماً في الميعاد، فسمع تفسير الشيخ رضي الله عنه للقرآن، فقال: والله لقد طالعت أربعين تفسيراً للقرآن ما رأيت فيها شيئاً من هذه الفوائد التي ذكرها سيدي الشيخ محمد، وكذلك كان يحضره شيخ الإسلام البلقيني، وشيخ الإسلام العيني الحنفي، وشيخ الإسلام البساطي المالكي، وغيرهم وقبله الشيخ سراج الدين البلقيني رحمه الله بين عينيه، وقال له: أنت تعيش زماناً طويلا لأن الله تعالى يقول: " وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " " الرعد: 17 " وكان إذا استغرق في الكلام، وخرج عن أفهام الناس يقول: وهاهنا كلام لو أبديناه لكم لخرجتم مجانين لكن نطويه عمن ليس من أهله، وكان له صاحب في مكة المشرفة فلما بلغه، وفاة الشيخ رضي الله عنه سافر إلى مصر لزيارة قبر الشيخ، ولم يكن له في مصر حاجة غير ذلك، وجاءه رجل، فقال: يا سيدي أنا ذو عيال فقير الحال فعلمني الكيمياء، فقال: الشيخ رضي الله عنه أقم عندنا سنة كاملة بشرط أنك كلما أحدثت توضأت وصليت ركعتين فأقام على ذلك فلما بقي من المدة يوم جاء إلى الشيخ فقال له غداً تقضي حاجتك فلما جاءه قال له: قم فاملأ من البئر ماء للوضوء فملأ دلواً من البئر فإذا هو مملوء ذهباً، فقال: يا سيدي ما بقي في الآن شعرة واحدة تشتهيه، فقال له: الشيخ صبه مكانه، واذهب إلى بلدك فإنك قد صرت كلك كيمياء.

فرجع إلى بلاده ودعا الناس إلى الله تعالى، وحصل به نفع كبير قال: الشيخ شمس الدين بن كتيلة رضي الله عنه، وكان سيدي محمد رضي الله عنه إذا صلى يصلي عن يمينه دائماً أربعة روحانية، وأربعة جسمانية لا يراهم إلا سيدي محمد أو خواص أصحابه، ووقعت له ابنة صغيرة من موضع عال فظهر شخص، وتلقاها عن الأرض فقلنا له من تكون؟ فقال من الجن من أصحاب الشيخ، وقد أخذ علينا العهد أفلا نضر أحداً من أولاده إلى سابع بطن فنحن لا نخالف عهده، وكان سكان بحر النيل يطلعون إلى زيارته، وهو في داره بالروضة، والحاضرون ينظرون، قالت: ابنته أم المحاسن رضي الله عنها، وزاروه مرة، وعليهم الطيالسة، والثياب النظيفة، وصلوا معه صلاة المغرب ثم نزلوا في البحر بثيابهم، فقلت: يا سيدي أما تبتل ثيابهم من الماء فتبسم رضي الله عنه، وقال: هؤلاء مسكنهم في البحر، وجاءه مرة رجل في جوف الليل فوقف على دور القاعة فقال له: الشيخ من فقال: حرامي فقال له: الشيخ ما تسرق، وتعمل شغلك فقال: يا سيدي تبت إلى الله، فإني سمرت فقال له الشيخ إنزل ما عليك بأس فتاب، وحسنت توبته، واستمر في زاوية الشيخ إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى، وأمر شخصاً من أصحابه يوماً ينادي في شوارع القاهرة، وأسواقها بأعلى صوته يا معشر المسلمين يقول لكم سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه حافظوا على الصلوات الخمس، والصلوات الوسطى حتى شاع ذلك في جميع البلاد أن الشيخ أمر بذلك، فاعترض بعض الشهود على منادي الشيخ، وقال: هذا ما هو للحنفي هذا لله عز وجل فرجع الفقير، وأخبر الشيخ رضي الله عنه بما وقع فسكت، فخرج يوم الثالث ينادي فمر على دكان الشهود فقال له: شاهد منهم شيء لله يا سيدي محمد يا حنفي مات البارحة الرجل الذي قال: لك ما قال: فرجع إلى الشيخ رضي الله عنه فأخبره فقال: لا تعد تقول: لأحد ما قلت لك، وكان رضي الله عنه يقول: كنا نقرأ حزب سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه فكان بعض الناس يستطيله فألفت الحزب الذي بين أصحابي الآن، وأخفيته، ولم أظهره حتى جاء الإذن من سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أدباً معه، ولعن شخص إبليس في حضرته، فقال له: لا تعود لسانك إلا خيراً، ولو كان ذلك جائزاً، ولما تزوج الشيخ شمس الدين بن كتيلة رضي الله عنه بنت سيدي محمد رضي الله عنه جلسا يأكلان، فجاءت هرة فخطفت قطعة لحم فقال: الشيخ رضي الله عنه لعنك الله فقالت بنت الشيخ رحمه الله تذكر اللعنة على لسانك، وأنت رجل يقتدي بك، وتفتي المسلمين فقال: الشيخ رضي الله عنه لا أعود لمثلها، وتاب من كل لفظ قبيح، وظهر شخص بشعره، وفي وسطه مئزر يذكر الله في زاوية في حارة قناطر السباع فهرع الناس إليه من الأمراء، والتجار، وغيرهم فأرسل الشيخ رضي الله عنه وراءه، فحضر فاصفر لونه، وتغير، وقال: للقاصد خذ هذه الفضة، وأعتقني من مقابلته فقال له: القاصد لا بد فلم يزل به حتى جاء به إلى الشيخ فلما نظر إليه الشيخ قال له: يا ولدي قلة الأدب ما يثبت معها شيء، ونهره وقال: اخرج فخرج لا يدري أين يذهب، وانطفأ اسمه من ذلك اليوم فقال: الشيخ رضي الله عنه ما هي مائدة يقعد عليها طفيلي.

وكان رضي الله عنه يقول: أول ما تنزل لرحمة على حلق الذكر ثم تنشر على الجماعة فكان الفقراء يمدون أيديهم في الحلقة لعل أن يصيبهم شيء من الرحمة، وسمع رضي الله عنه يوماً امرأة تقول: ما أحسن السجود في السماء بين الملائكة فقال لها محبة الله خير من ذلك، وكان رضي الله عنه يأمر أصحابه برف الصوت بالذكر في الأسواق والشوارع، والمواضع الخربة المهجورة، ويقول: اذكروا الله تعالى في هذه الأماكن حتى تصير تشهد لكم يوم القيامة، ويحرقوا ناموس طبع النفس فإنكم في حجاب ما لم تحرقوه، وكان أصحابه إذا سألوه أن يمضي بهم إلى موضع التنزهات في حين يقول: حتى تحضر لنا نية صالحة، ودعاه ابن البارزي كاتب السر على أيام الملك المؤيد إلى وليمة، وقال إن الأئمة الأربعة قد طلبوكم فلان، وفلان فقال: الشيخ رضي الله عنه للقاصد قل له: حرر النية في حضور الفقراء، وهم يحضرون، ولا تطلب حضورهم لأجل أن تقول: حضر عندنا في الوليمة فلان، وفلان، وتجعلوا الفقراء حكاية ثم قال: رضي الله عنه ما وطئ حافر فرسي باب أحد على هذا الوجه إلا وخربت دياره فرجع القاصد، وأخبر بذلك، فسكت، ولم يزل ممقوتاً عند المؤيد حتى قتله كما تقدم، وسأله شخص يوماً عن الحلاج، فقال الحلاج تكلم في حال غلبة هذا فولى أنا لكن ثم من يقول: فيه خلاف قولنا كسراج الدين البلقيني، وغيره، وكان رضي الله عنه إذا عطش، وطلب كوز الماء للشرب يقوم كل من في المجلس من كبير أو أمير أو قاض فلم يزالوا واقفين حتى يفرغ فيستأذنوه في الجلوس فيأذن لهم، وكانت ملوك أقاليم الأرض ترسل له الهدايا فيقبلها فأرسل إليه ملك الروم دابة تمشي على ثلاث قوائم مؤخرها على رجلين، وصدرها على واحدة وكانت قدر الجدي الصغير فأقامت عنده ستة أشهر، وماتت، وأهدى له سلطان تونس الخضراء مشطاً لتسريح اللحية فإذا فردوه صار كرسياً لمصحف فأهداه الشيخ رضي الله عنه إلى الملك الأشرف برسباي ففرح به وأعجبه، وأهدى له ملك الهند ثوباً بعلبكياً في قصبة وشاشا في جوزة هند.

ودخل عليه مرة فقير فرأى عليه ثياباً لا تليق إلا بالملوك، فقال: سيدي طريقتكم هذه أخذتموها عمن فإن من شأن الأولياء التقشف، ولبس الخشن فقال ما مقصودك؟ قال: تنزع يا سيدي هذه الثياب التي عليك وتلبس هذه الجبة، ونذهب ماشيين إلى القرافة فأجابه الشيخ رضي الله عنه، وخرجا ماشيين فرأى بعض الأمراء الشيخ رضي الله عنه فعرفه، فنزل من على فرسه، وخلع على الشيخ السلار الذي كان عليه، وأقسم عليه بالله تعالى أن يقبله، ورجع هو ومماليكه مع الشيخ رضي الله عنه حتى شيعوه للزاوية فقال: الشيخ لذلك الفقير رأيت يا ولدي أيش كنا نحن والله لولا أنت من أولاد الفقراء ما حصل لك خير فتاب ذلك الفقير واستغفر، وكشف رأسه، ولم يزل يخدم الشيخ إلى أن مات رحمه الله تعالى، وكان رضي الله عنه لا يشتري قط ملبوساً إنما هو هدايا المحبين، وكان رضي الله عنه إذا ركب يذكر الله تعالى بين يديه جماعة كطريقة مشايخ العجم، ويقول هو شعارنا في الدنيا، ويوم القيامة، وكان يجعل من خلفه جماعة كذلك يذكرون الله تعالى بالتوبة فكان الناس إذا سمعوا حسهم من المساجد أو الدور يخرجون ينظرون إليه فيدعو، لهم، وكان إذا كتم أحد شيئاً عنه من ماله يذهب ذلك المال الذي كتمه كله، ولا يبقى معه إلا المال الذي يعترف به.

ودخل الحمام يوماً مع الفقراء أخذ ماء من الحوض ورشه على أصحابه، وقال: النار التي يعذب الله بها العصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم مثل هذا الماء في سخونته ففرح الفقراء بذلك، وكان رضي الله تعالى عنه إذا زار القرافة سلم على أصحاب القبور، فيردون السلام عليه بصوت يسمعه من معه، ولما طلع فقراء الصعيد، ومعهم الفرغل بن أحمد رضي الله عنه في شفاعة ابن عمر أمير الصعيد قال: سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه لا تقضي لهؤلاء حاجة لأنهم جاءوا بغير أدب، ولم يستأذنوا صاحب هذا البلد فكان الأمر كما قال: ولما دخلوا بالفرغل على السلطان أحمد جقمق قال له: أنت مشد هذا البلد فلم يجبه السلطان لكونه مجذوباً، وسمع رضي الله عنه بعض الفقراء في الزاوية يقول: لبعض قم يا فلان اكنس الزاوية قال له: قم أنت فما زالا يقولان ذلك ساعة فخرج الشيخ رضي الله عنه، وهو يقول: أنت وأنت اخرجا، واجلسا على باب الزاوية وامنعا الناس من الدخول، وأنا أكنسها ففعلا فخلع الشيخ ثيابه، وشد وسطه وطوى الحصر، ونفضها، وكنسها وافتتح القرآن يتلوه من الفاتحة إلى آخر سورة الأنعام حتى فرغ من الكنس رضي الله عنه.

وكان أميراً كبيراً، والمقدمون الألوف هم الذين يمدون سماطه في المولد الكبير، ودخل يوماً فرأى الأمراء يبنون في الكوانين فقال: لا إله إلا الله لو أمرنا الملوك أن يبنوا الكوانين لفعلوا، وكان شخص من التجار شديد الإنكار على سيدي محمد رضي الله عنه حتى كان يجيء إلى باب الزاوية أحياناً، ويرفع صوته بالألفاظ القبيحة في حق الشيخ فدار عليه الزمان، وانكسر، وركبته الديون، فجاء إلى الشيخ رضي الله عنه فتلقاه بالترحيب، وجمع له من أصحابه مالاً جزيلاً، ولم يزل يعتقد الشيخ إلى أن مات، ولم يعاتبه رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه يتنزه عن سماع المعازف، وجميع آلات اللهو، فدخل يوماً يزور سيدي عمر بن الفارض رضي الله عنه فرأى المازروني عمالاً، والآلات تضرب فأمره بالسكوت حتى يزور فزار الشيخ رضي الله عنه، وعمل مجلس الذكر.

فلما خرج عاد المازررني إلى حاله، ولم يتعرض الشيخ لكسر آلاته، وسمع مرة مدرساً من الحنفية يقول: في درسه الحكم كذا خلافاً للشافعي رضي الله عنه فزجره، وقال: تقول خلافاً للشافعي بقلة أدب لم لا تقول: رضي الله عنه، وإلا رحمه الله فقال: المدرس تبت إلى الله تعالى يا سيدي، وكان إذا رأى رضي الله عنه في جبهة فقير أثر سجود يقول: يا ولدي أخاف عليك أن يكون هذا من الرياء، وذكروا يوماً عنده سيدي عبد القادر الجبلي رضي الله عنه فقال: لو حضر عندنا عبد القادر هنا لكان تأدب معنا، وكان رضي الله عنه يقول: نحن أسرار الوجود، وكان إذا وضع يده على الفرس الحرون لم يعد إلى حرونته، وكان رضي الله عنه يكره مشايخ القرى، والمدركين للبلاد، ويقول: أبا لا أقول بإسلامهم، وكان يقول: من اعتقد شيخاً، ولم يره كسيدي أحمد البدوي، وغيره لا يصير بذلك مريداً له إننا هو محب له فإن شيخ الإنسان هو الذي يأخذ عنه، ويقتدي به، وكان يكره للفقير لبس الطليحية، ويقول: الفقر في الباطن لا في الظاهر وكان رضي الله عنه إذا رأى من الفقراء، والمجاورين عورة سترها عليهم، ويصير يسارقهم بحيث لا يشعرون، ويرغبهم في ذلك الأمر الذي فيه صلاحهم، وكان رضي الله عنه يكره للفقير أن يكون عند شيخه، ولا يشاوره في أموره كلها، ويقول: والله ما عرف الكيلاني، وابن الرفاعي، وغيرهما الطريق إلى الله تعالى إلا على يد شيخ، وكم لعب الشيطان بعابد، وقطعه عن الله عز رجل، وكان إذا تشوش من فقير ظهر عليه المقت، وكان يقول: الفقراء ما عندهم عصا يضربون بها من أساء الأدب في حقهم، وما عندهم إلا تغير خواطرهم، وسألوه مرة ما تقول: الساقية في غنائها؟ قال: تقول لا يرى ملان إلا طالعاً ولا فارغ إلا نازلاً. ورأى مرة شابين أمردين ينامان في خلوة فلم يفش عليهما أمراً، وصار يحكي الحكايات المناسبة للتنفير عن مثل ذلك حتى قال: بلغنا عن الشبلي رحمه الله تعالى أنه دخل يوماً خربة يقضي فيها حاجته فوجد فيها حمارة فراوده الشيطان عليها فلما أحس الشبلي رضي الله عنه بذلك رفع صوته، وصاح يا مسلمون يا مسلمون الحقوني، وأخرجوا عني هذه الحمارة فإني أعرف ضعف نفسي عن سلوك طريق الصيانة ثم قال: سيدي محمد رضي الله عنه فإذا كان هذا حال مثل الشبلي رضي الله عنه في حمارة، فكيف بالصور الجميلة ففطن لذلك الشابان فتفرقا عن الاجتماع حتى كأنهما لم يكونا عرفا بعضهما، وكانت الفضة لا تنقطع من جيبه لأجل الفقراء فكان لا يقدم عليه فقير إلا وضع يده في جيبه، وأعطاء من غير عدد، وكان الذي يلاحظه يقول: والله عطايا الشيخ أكثر من عطايا السلطان كل يوم، وكان رضي الله تعالى عنه إذا ركب في شوارع مصر لا يلقاه أمير أو كاتب سر أو ناظر خاص إلا ورجع معه إلى أي مكان أراد وتلقاه رجل أعجمي فأنشده:

نهاري نسيم كله إن تبسمت ... أوائله منها برد تحيتي

فقال: الشيخ رضي الله عنه هذا الرجل كلما صلى الصبح وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم سمع رد السلام من النبي صلى الله عليه وسلم، فيستنير النور، ويقوى حتى يصير كأصيل النهار فكأنه يقول: حصيل لي اليوم الفتح، وكان الخضر عليه السلام يحضر مجلسه مراراً فيجلس على يمينه فإن قام الشيخ قام معه، وإن دخل الخلوة شيعه إلى باب الخلوة، وسئل يوماً عن الصالح فقال هو من صلح لحضرة الله عز وجل، ولا يصلح لحضرة الله عز وجل إلا من تخلى عن الكونين، وسئل عن الولي فقال هو من قال لا إله إلا الله، وقام بشروطها، وشروطها أن يوالي الله، ورسوله بمعنى أنه يواد الله بشهادته له بالوحدانية، ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وكان رضي الله عنه يقول: إذا مات الولي انقطع تصرفه في الكون من الإمداد، وإن حصل مدد للزائر بعد الموت أو قضاء حاجة فهو من الله تعالى على يد القطب صاحب الوقت يعطي الزائر من المحد على قدر مقام المزور قال: بعضهم المزور في الحقيقة هو الصفات لا الذوات فإنها تبلى، وتفنى، والصفات باقية، وكان الشيخ رضي الله عنه يخرج إلى قبر رجل كان أباراً فقيل له: في ذلك فقال: إنه كان يخبر عن رأس ماله في كل إبرة يبيعها، وكان يقول: قوموا لأهل العلوم الربانية فإن قيامكم في الحقيقة إنما هو لصفة الله تعالى التي أنار بها قلوب أوليائه، وكان بالشيخ رضي الله عنه عدة أمراض كل مرض منها يهذ الجبال منها البلغم الحار، والبلغم البارد فاجتمع عنده الأطباء، وقالوا إن النصف الأعلى قد تحكم منه البلغم الحار، والنصف الأسفل قد تحكم منه البلغم البارد فإن داوينا الأعلى غلب عليه الأسفل، وإن داوينا الأسفل غلب عليه الأعلى فقال: لهم خلوا بيني وبين الله تعالى يفعل بي ما يريد، وأقام رضي الله عنه بذلك المرض سبع سنين ملاماً فرشه ما سمعه أحد يقول: آه إلى أن توفي رحمه الله تعالى سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وكان مع وجود هذا البلاء العظيم يتوضأ للصلاة قبل دخول الوقت بخمس درج، والأذكار، والأحزاب تتلى حوله في كل صلاة، ولا يصلي إلا مع جماعة، ولما دنت وفاته بأيام كان لا يغفل عن البكاء ليلا، ولا نهاراً، وغلب عليه الذلة، والمسكنة، والخضوع حتى سأل الله تعالى قبل موته أن يبتليه بالقمل، والنوم مع الكلاب، والموت على قارعة الطريق، وحصل له ذلك قبل موته فتزايد عليه القمل حتى صار يمشي على فراشه، ودخل له كلب فنام معه على الفراش ليلتين وشيئاً، ومات على طرف حوشه، والناس يمرون عليه في الشوارع، وإنما تمنى ذلك ليكون له أسوة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين ماتوا بالجوع، والقمل، وكان السيد عيسى عليه الصلاة والسلام يقول والله إن النوم مع الكلاب لكثير على من يموت، ولما دنت وفاته قال لزوجته: لا تتزوجي بعدي فمن تزوج بك خربت دياره، وأنا لا أحب أن تكوني سبباً لخراب دار أحد رضي الله عنه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!