موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية

وهو كتاب الطبقات الكبرى

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومنهم الشيخ علي نور الدين المرصفي رحمه الله تعالى، ورضي عنه آمين

كان من الأئمة الراسخين في العلم، وله المؤلفات النافعة في الطريق، واختصر رسالة القشيري رضي الله عنه، وتكلم على مشكلاتها، وقرأتها عليه بعد قراءتها على الشيخ زكريا رحمه الله تعالى، فكنت أعرض عليه ما سمعته من شرح الشيخ لها فيقره، ويمدحه، ويقول: كان الشيخ زكريا من العارفين، ولكنه تستر بالفقه، وتلقنت عليه الذكر ثلاث مرات متفرقات أول مرة، وأنا شاب أمرد دخلت عليه بعد العصر، فقلت له: يا سيدي لقني الذكر بحال قوي فقال: بسم الله الرحمن الرحيم يا ولدي، وأطرق ساعة، وقال: قال: لا إله إلا الله فما استتمها الشيخ إلا وقد غبت عن إحساسي فما استفقت إلا المغرب، فلم أجد عندي أحداً، فمكثت خمسة عشر يوماً مطروداً لا أستطيع الاجتماع به لسوء أدبي معه في قولي لقني بحال قوي الثانية لقنني فسمعت منه لا إله إلا الله ثلاث مرات فعبت كذلك، فرأيت في تلك الليلة كأن الشيخ بيده ثلاث مآثر فغرزها في جلدي إلى آخرها، فلما أفقت ذكرت له ذلك فقال: الحمد لله الذي أظهر أثرها الثالثة لقنني حين لقن الشيخ أبا العباس الحريثي رضي الله عنه لكونه كان أصفى قلباً مني، وأكبر سناً وأعرف بمقام الرجال ثم لا زلت أتردد بصحبته مدة حياة الشيخ رضي الله عنه، وذكر لي سيدي أبو العباس رحمه الله أنه قرأ بين المغرب والعشاء خمس ختمات، فقال: الشيخ الفقير، ووقع له أنه قرأ في يوم، وليلة ثلاثمائة وستين ألف ختمة كل درجة ألف ختمة، وكان رضي الله عنه يقول: إذا وقع من المريد شيء مذموم عند شيخه، وهو محمود عند غيره، فالواجب عليه عند أهل الطريق رجوعه إلى كلام شيخه دون كلام غيره، وإن قال: للمريد إن كلام شيخه معارض لكلام العلماء أو دليلهم فعليه بالرجوع إلى كلام شيخه، وأولى إذا كان من الراسخين في العلم، وكان رضي الله عنه يقول: إذا خرج المريد عن حكم شيخه، وقدح فيه فلا يجوز لأحد تصديقه لأنه في حالة تهمة لارتداده عن طريق شيخه وهذا الأمر قال: أن يسلم منه مريد طرده شيخه لأنه لضعفه يخاف من تجريحه فيه، وتنقضه عند الناس حين يرون أن شيخه طرده، وتضيق عليه الدنيا، فلا يجد منفساً إلا الحط في شيخه، والرد عن نفسه بنحو قوله لو رأينا فيه يعني الشيخ خيراً ما فارقناه، فيزكي نفسه، ويخرج في شيخه، وبذلك يستحكم المقت فيه لا سيما إن اجتمع بعد شيخه على من ينقص شيخه، ويزدريه ويظهر فيه المعايب فإنه يهلك مع الهالكين، ولكن إذا أراد الله بمريد خيراً جمعه عند غضب شيخه على من يحب شيخه، ويعظمه فإن المريد يندم على شيخه ضرورة، ويرجع إليه، وكان رضي الله عنه يقول: إذا خرج المريد عن حكم شيخه وانقطع عن مجلسه فإن كان سبب ذلك الحياء من الشيخ أو من جماعته لزلة وقع فيها أو فترة حصلت منه فهو كالطلاق الرجعي، فللشيخ أن يقبله إذا رجع لأن حرمة الشيخ في نفس هذا المريد لم تزل لا سيما، والمريد أحوج ما يكون إلى الشيخ حال اعوجاجه فينبغي للشيخ التلطف بهذا المريد، وعدم الغلظة عليه، والهجر له إلا أن يكون وثق به لقوة العهد الذي بينه، وبينه.

وكان رضي الله عنه يقول: ليس للمريد أن يسأل شيخه عن سبب غيظه، وهجره له بل ذلك من سوء الأدب، وكان رضي الله عنه يقول: لا يجوز للمريد عند أهل الطريق أن يجيب عن نفسه أبداً إذا لطخه شيخه بذنب لأنه يرى ما لا يرى المريد فإنه طبيب، وكان يقول: ليس للشيخ أن يبين للمريد صورة الفتح الذي علم من طريق الكشف أنه يئول إليه أمر المريد بعد مجاهداته، وكمال سلوكه لأن المريد إذا حصل معنى صورة ذلك في نفسه، وتكرر شهوده له ربما ادعى الفتح، وباطنه معرى عن ذلك إذ النفس معرضة للخيالة، وعدم الصدق، وكثرة الدعوى، وربما فارق هذا شيخه، وادعى الكمال لعلمه بصورة النتج علماً لا حذقاً، ولا ذوقاً كما يظهر المنافق صورة المؤمن في العمل الظاهر، وباطنه معرى عن الموجب لذلك العمل، وكلامه رضي الله عنه غالبه سطرته في كتابة رسالة الأنوار القدسية، وغيرها من مؤلفاتي.

وكان رضي الله عنه في بداية أمره أمياً، واجتمع بسيدي مدين رضي الله عنه وهو ابن ثمان سنين، ولم يأخذ عنه كما سمعته منه فلما كبر اجتمع بابن أخته سيدي محمد رضي الله عنه، وأخذ عنه الطريق، واجتمعت عليه الفقراء في مصر، وصار هو المشار إليه فيها لانقراض جميع أقرانه، وكان رضي الله عنه من شأنه إذا كان يتكلم في دقائق الطريق، وحضر أحد من القضاء ينفل الكلام إلى مسائل الفقه إلى أن يقوم من كان حاضره ويقول: ذكر الكلام بين غير أهله عورة، ومن وصيته لي إياك أن تسكن في جامع أو زاوية لها وقف، ومستحقون، ولا تسكن إلا في المواضع المهجورة التي لا وقف لها لأن الفقراء لا ينبغي لهم أن يعاشروا إلا من كان من حرفتهم، وعشرة الضد تكدر نفوسهم.

مات رضي الله عنه، ورحمة سنة نيف وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاويته بقنطرة الأمير حسين بمصر، وقبره بها ظاهر يزار رضي الله عنه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!