
لواقح الأنوار القدسية في مناقب الأخيار والصوفية
وهو كتاب الطبقات الكبرى
تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني
![]() |
![]() |
ومنهم الشيخ تاج الدين الذاكر (رضي الله عنه)
كان رضي الله عنه وجهه يضيء من نور قلبه ذا سمت حسن، وتجمل بالأخلاق الجميلة تكاد كل شعرة منه تنطق، وتقول: هذا ولي الله، وكان رضي الله عنه يفرش زاويته باللباد الأسود لئلا يسمع وقع أقدامهم إذا مشوا، ويقول: حضرة الفقراء من حضرة الحق لا ينبغي أن يكون فيها علو صوت، ولا حس قوي، وكان أصحابه في غاية الجمال، والكمال، وكان رضي الله عنه له التلامذة الكثيرة، والاعتقاد التام في قلوب الخاص، والعام وكان رضي الله عنه كثير الشفاعات عند السلطان، والأمراء.
وكان رضي الله عنه يمكث السبعة أيام بوضوء واحد كما أخبرني بذلك خادمه الشيخ عبد الباسط الطحاوي. قال: وانتهى أمره أنه كان في آخر عمره يتوضأ كل أحد عشر يوماً وضوءاً واحداً قال: وعزم عليه جماعة في جامع طولون ليمتحنوه في ذلك فدعوه إلى ناحية الجيزة في الربيع، وصاروا يعملون له الخراف، والدجاج، واللبن بالرز، وغير ذلك وهو يأكل معهم من ذلك جمله ثم لا يرونه يتوضأ لا ليلا، ولا نهاراً مدة تسعة أيام فقيل للشيخ في ذلك يا سيدي إنك في امتحان مع هؤلاء فتشوش منهم، وجاء إلى البحر يعدى، فعدى في مركب، والجماعة الممتحنون في مركب فغرقت بهم فأخبروا الشيخ، فقال: لله الحمد ثم تدارك ذلك، وقال: ما وقعت مني قبل ذلك قط قال: الشيخ عبد الباسط خادمه رحمه الله تعالى فمرض الشيخ بسبب هذه الكلمة نحو سبعة وأربعين يوماً، وأخبرني أخي الشيخ الصالح شمس الدين المرصفي رضي الله عنه أنه قال لي: أربعون سنة أصلي الصبح بوضوء العشاء، وقد طويت سجادتي بعدي، ومكث رضي الله عنه خمساً وعشرين سنة لم يضع جنبه على الأرض، وكان رضي الله عنه يقول: ليس القناعة أن يأكل الفقير كل ما وجد من يسير الخبز والأدم إنما القناعة أن لا يأكل إلا بعد ثلاثة أيام لقيمات يقمن صلبه، وأكثرها خمس ولما حضرته الوفاة قالوا له: يا سيدي من هو الخليفة بعدكم لنعرفه، ونلزم والأدب معه، فقال قد أذنا لفلان، وفلان وعد عشرة من أصحابه أن كل من حضر منهم يفتتح الذكر بالجماعة، والطريق تعرف أهلها، ولو هربوا منها تبعتهم، وكان من العشرة سيدي شهاب الدين الوفائي، وسيدي الشيخ إبراهيم، وسيدي الشيخ عبد الباسط، وهم أجل من أخذ عنه، فنسأل الله أن يفسح في أجلهم للمسلمين، وكان رضي الله عنه يقول: لا تصح الصحبة لشخص مع شيخه إلا إن شرب من مشروبه، واتحد به اتحاد الدم في العروق مات رحمه الله تعالى سنة نيف وعشرين وتسعمائة، ودفن بزاويته بجوار حمام الدود خارج باب زويلة وكانت جنازته مشهورة رضي الله عنه آمين.
![]() |
![]() |