إيجازُ البَيَانِ عَنْ سِيرَةِ فَضِيلةِ الشَّيْخِ رَمَضَانْ
حَيَاةٌ لا مَوْتَ فِيهَا وَمَوْتٌ لا حَيَاةَ فِيه
2- مكانة دمشق في الإسلام:
![]() |
![]() |
2- مكانة دمشق في الإسلام:
وإلى جانب كلِّ هذه التقلبات والدول، كانت دمشق، وبلاد الشام عموماً، معقل العلماء والأولياء من أهل الله عزَّ وجلَّ، من المسلمين الذين وردوها وهاجروا إليها من المغرب والمشرق خلال مراحل التاريخ الإسلامي، أو من الذين وُلدوا فيها وترعرعوا في رحابها وقرؤوا في مدارسها وتحت رعاية شيوخها وعلمائها.
يقول التابعيُّ عطاء الخُراساني[44] إنّه لما همَّ أن يترك خراسان شاور من بها من أهل العلم فأشاروا عليه أن عليك بالشام! ثم أتى البصرة والكوفة ومكة المكرمة والمدينة المنوَّرة وكان دائماً يشاور العلماء فكلهم يقول: عليك بالشام![45] وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قال: «الخير عشرة أعشار: تسعة بالشام، وواحد في سائر البلدان، والشرُّ عشرة أعشار: واحد بالشام، وتسعة في سائر البلدان، وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم.»[46] وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه،[47] عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «الشام صفوة الله من بلاده، يجتبي إليها صفوتَه من عباده. فمن خرج من الشام إلى غيره فبسخطة، ومن دخلها من غيرها فبرحمة.»[48] وذلك لأنها موطن العلماء ومقصد الصالحين والأولياء.
وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة بحفظ الله للشام وتفضيلها على غيرها من البقاع؛ فأهل الشام سوط الله عزَّ وجلَّ في الأرض،[49] والأبدال في أهل الشام وبهم يُنصرون وبهم يُرزقون،[50] وهي أرض المحشر والمنشر،[51] وإليها ينتقل عمود الكتاب،[52] وإذا وقعت الفتن فالأمن بالشام،[53] ويأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحِق بالشام.[54]
ولذلك نجد أنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حثَّ أصحابه على سُكنى الشام وأخبرهم بتكفُّل الله سبحانه وتعالى لمن سكنها من أهل الإسلام، فعن عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله خِر لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر عن قربك شيئاً. قال: «عليك بالشام!» فلما رأى كراهيتي للشام قال: «أتدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله سبحانه وتعالى يقول: "يا شام أنت صفوتي من بلادي، أُدخل فيك خيرتي من عبادي." إنَّ الله قد تكفَّل لي بالشام وأهله.»[55]
وحتى قبل الإسلام كانت الشام مهبط الأنبياء وقِبلة الأولياء، وقد ورد أنّ إبراهيم الخليل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر إلى الشام، فيقول قتادة في قوله تعالى في سورة العنكبوت: ﴿... إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ... [26]﴾، أن هجرته كانت إلى الشام. وفي جبل قاسيون مرقد نبي الله ذي الكفل u، وفيه كذلك مرقد الأربعين الصالحين، وهو مسجد صغير قرب قمة الجبل يعتكف فيه الناس، وعند سفحه الغربي ربوة صغيرة تطل على وادٍ يقال له النيرب، وهي التي أوت إليها مريم العذراء مع ابنها عيسى عليهما السلام. فعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه تلا هذه الآية من سورة المؤمنون: ﴿... وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [50]﴾، قال: «هل تدرون أين هي؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «هي بالشام، بأرض يقال لها الغوطة، يقال لها دمشق، هي خير مدائن الشام.»[56]
ودمشق هي أيضاً مهبط عيسى u في آخر الزمان، كما ورد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «ينزل عيسى بن مريم على المنارة البيضاء شرقي دمشق.»[57] وهذه هي المنارة الشرقية في الجامع الأموي،[58] والمنارة الغربية في هذا الجامع هي التي تعبَّد فيها أبو حامد محمَّد الغزالي (توفي 505هـ/1111م) وابن تُومرت (توفي 524هـ/1130م) ملك المغرب الذي أسس دولة الموحدين في الأندلس.[59]
فمن أجل ذلك ل تزال الشام وجهة المسلمين ومنبت الصالحين، يسعى إليها العلماء ويستقر فيه الأولياء. قال الوليد بن مسلم: «دخلتِ الشامَ عشرةُ آلاف عينٍ رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.» وذكر ابن سعد في الطبقات[60] ما يزيد على مئة رجل من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخلوا الشام، منهم: أمين الأمّة أبو عبيدة عامر بن الجراح، وهو الذي فتحها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسيف الله المسلول خالد بن الوليد، وسعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنّة، وبلال بن رباح مؤذِّن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وعبادة بن الصامت، والفضل بن عباس ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، وأبو أمامة الباهليّ صُديّ بن عجلان، وغيرهم الكثير من الصحابة الكرام الذين يصعب حصرهم وإحصاؤهم. ومن التابعين: يزيد بن الأسد الجُرَشي، وكعب الأحبار، وأبو مسلم الخولاني، وعبد الرحمن الأوزاعي. ومن مشاهير العلماء: قارئ دمشق عبد الله بن عامر اليحصبي، والإمام الطبراني، والحافظ ابن عساكر، وإمام مصطلح الحديث أبو عمرو ابن الصلاح، ومحي الدين النووي، ومحي الدين ابن العربي الحاتمي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ الذهبي، والحافظ ابن كثير، وابن قيم الجوزية، وابن رجب الحنبلي، وغيرهم الكثير.
ولا تزال قبور الكثير من هؤلاء الأعلام قائمة حتى الآن في الجوامع التي تنتشر في نواحي دمشق، ففي قبلي الباب الصغير قبر بلال بن رباح، مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،[61] وكعب الأحبار، وقبر فضة جارية فاطمة رضي الله عنها، وأبي الدرداءِ وأم الدرداءِ، وفُضالة بن عبيد، وسهل بن الحنظلية، وواثلة بن الأسقَع، وأوس بن أوس الثقفي، وأمّ الحسن بنت جعفر الصادق، وعلي بن عبد الله بن العباس، وسلمان بن علي بن عبد الله بن العباس وزوجته أم الحسن بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وخديجة بنت زين العابدين، وأبو موسى الأشعري، ومحمود بن زنكي ملك الشام، وكذلك صلاح الدين يوسف بن أيوب، بالإضافة إلى الكثير من مشاهير علماء المسلمين كالشيخ ابن قدامة المقدسي، والشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي، والشيخ عبد الغني النابلسي، والشيخ خالد البغدادي الذي يعود الفضل إليه في نشر الطريقة النقشبندية في دمشق والعراق والأناضول، وسنتكلم عنه بعد قليل. وسمي جبل قاسيون بجبل الصالحين لكثرة ما نزل فيه من الأولياء والعلماء، وكذلك فإنَّ سفح هذا الجبل لا يزال يسمى بالصالحية وهي المنطقة الوسطى منه. والكثير من مناطق الشام لا تزال تسمى على أسماء من سكنها من الأولياء مثل منطقة محي الدين التي فيها جامع الشيخ محي الدين ومقامه، ومنطقة مولانا خالد التي تحوي مقام الشيخ خالد النقشبندي.
![]() |
![]() |






