[الأحداث الرئيسية في سيرة الشيخ محي الدين ابن العربي.]
بعض شيوخ الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
من خلال إجازته التي كتبها للملك المظفر الأيوبي
انظر تحقيق هذه الإجازة في النسخة الجديدة من كتاب شمس المغرب
نسبه
يؤكد الشيخ عبد الغني النابلسي بأن نسبه يرتفع إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.
وقد حاول سبطه محمد كمال الدين الغزي التحقق من ذلك بالرجوع إلى كتب التراجم
المتوفرة لديه. والواقع فإن ثمة قائمتين بينهما حلقة مفقودة، وقد يكون الاتصال
يبنهما ممكناً عن طريق النساء ولكن المعلومات المتوفرة لدينا لا تسمح بمثل هذا
الربط. تنتهي القائمة الأولى إلى بني جَمَاعة الذين قطنوا جَمّاعيل في ضواحي
القدس[1]، وهم من أوائل اللاجئين الفلسطينيين إلى دمشق إبان الحروب الصليبية. أما
القائمة الثانية فتعود إلى بني قُدامة الذين يتسلسل نسبهم إلى الخليفة عمر[2].
ويمكننا القول بأن أجداده تميزوا في دمشق واشتهروا بالعلم والصلاح إبان العهد
العثماني وخصوصاً مع والي دمشق درويش باشا الذي بنى الجامع الذي يحمل اسمه حتى
اليوم. وكان قد عيَّن إسماعيل بن أحمد النابلسي (993هـ/1585م) مدرساً وناظراً على
وقف هذا الجامع. كذلك كان جد مؤلفنا عبد الغني بن إسماعيل مدرساً في نفس الجامع
وناظراً على وقفه (1032هـ) وقد ورث والده إسماعيل بن عبد الغني (1062هـ/1652م) نفس
المهام. وهو أول من انتقل من المذهب الشافعي إلى المذهب الحنفي بعد أن زار استنبول
مراراً وحضر فيها دروس شيخ الإسلام يحيى بن زكريا (1053 هـ)، وظل يترقى في الوظائف
حتى وصل إلى درجة «مدرس الصحن».
مولده وطفولته وتعليمه
ولد مؤلفنا عبد الغني بن إسماعيل أثناء غياب أبيه في القاهرة للتجارة وذلك في يوم
الأحد الرابع من ذي الحجة سنة 1050 هـ/17 آذار 1641م (نابلسي، الحوض المورود، خ.
دمشق مكتبة الأسد الوطنية (الظاهرية سابقاً) رقم 4008/ق 47 أ). بخط النابلسي
المؤلف.
كان والده أول أستاذ له، ويقال إنه ختم القرآن وعمره خمس سنوات. وفي التاسعة من
عمره حضر مع والده المذكور سماعاً عند المولوية مع كثير من علماء دمشق والمفتين في
المذاهب الحنفية والشافعية وغيرهم كشيخ الإسلام عبد الرحمن العمادي[3]. وحين بلغ
العاشرة كان قد حفظ كثيراً من المقدمات ومن المنظومات مثل ألفية بن مالك في النحو،
والكنز في الفقه، والشاطبية في القراءات، والرحبانية في الفرائض والجزرية في
التجويد[4]. وفي نفس الفترة كان يتابع دروس نجم الدين الغزي (1061هـ/1651م) في
الحديث (تحت القبة) في الجامع الأموي، وحصل على أول إجازة عامة في علم الحديث.
توفي أبوه حين بلغ الثانية عشرة من العمر، وكتب أول أشعاره في رثاء والده. وقد تابع
دراسته بإشراف والدته[5].
بعد أن بيعت مكتبة أبيه الضخمة وأشياؤه الشخصية بالمزاد العلني لاقتسام ثمنها بين
زوجتي المرحوم. قام النابلسي في وقت لاحق بشراء قسم من هذه الكتب ولكنه لم يستطع أن
يستردها كاملة.
عمله
في العشرين من عمره مارس التدريس في الجامع الأموي في دمشق بالقرب من منزله الواقع
في حي العنبرانيين. وحين بلغ الخامسة والعشرين ارتحل إلى أدرنة التي كانت مقر دار
الخلافة، ثم زار استنبول وحصل على وظيفة قاضٍ في حي الميدان جنوب دمشق. غير أنه
استقال من هذا المنصب وتفرغ للتدريس والتأليف، حيث ألَّفَ حتى عام 1090هـ حوالي
الخمسين مؤلفاً بين رسالة صغيرة وشرح مُطَوَّل أو كتاب أصيل.
أزمته
ولما بلغ الأربعين من عمره مر بأزمة نفسية حادة اضطر على إثرها إلى الاعتزال في
بيته خلال سبع سنوات لا يخرج من بيته إلا للضرورة القصوى. وقد أَسْدَل شَعْرَهُ
وأرخى لحيته، إلا أنه لم ينقطع عن استقبال طلابه لتدريسهم ولا عن التأليف، وفي هذه
الفترة ازدادت علاقته بالعالم الخارجي عن طريق المراسلات (التي كان قد بدأها منذ
عام 1085هـ/1675م). وبلغت المكتوبات التي تلقاها وأجاب عليها عشرين رسالة تبادلها
مع أنحاء متفرقة في الدولة العثمانية. وحين انتهت هذه الفترة التي أُصيب فيها
بالسوداء أو الماليخوليا (mélancholie)، وكان قد طَلَّق زوجته أثناءها، وذلك بعد
سبع سنوات، خرج إلى الناس الذين ازداد احترامهم له بعد أن كانوا قد رموه بالحجارة
قبل خلوته، وذلك لتبنيه آراء ابن عربي الصوفية ودخوله في خصومات مع بعض فقهاء عصره.
رحلاته ووفاته
وإثر ذلك قام بعِدَّةِ رحلات إلى لبنان ثم إلى الشام ومصر والحجاز، وفي عام 1119م
انتقل من بيته في دمشق قرب الجامع الأموي ليسكن في الصالحية حيث توفي سنة
1143هـ/1731م، ودُفِنَ في القبة التي كان بناها في بيته، ثم أقيم على قبره جامع في
بدايات القرن الثالث عشر للهجرة. وفي الصالحية لم يتوقف عن إلقاء الدروس في تسهيل
تفسير القرآن للبيضاوي وفي تدريس الفتوحات المكية لابن عربي.
وفي تلك الفترة وبعد وفاة محمد العمادي (1135هـ/1723م) مفتي دمشق، عيّن والي دمشق
عثمان باشا أبو طوق شيخنا النابلسي مفتياً. غير أن أحد تلاميذ النابلسي وهو خليل بن
أسعد البكري ذهب إلى استنبول وعاد بمرسوم سلطاني ليتولى منصب الإفتاء رسمياً بدلاً
من أستاذه الذي قضى في منصبه ستة أشهر أَعَدَّ خلالها سجلاً لفتاواه ما يزال
مخطوطاً في المكتبة الوطنية بدمشق. (راجع أطروحتي بالفرنسية ج 2).
ويخبرنا خليل المرادي في ترجمته للنابلسي أنه «أغلقت البلد يوم موته وانتشر الناس
في الصالحية لحضور جنازته».
2 - مؤلفاته:
تجاوز عدد مؤلفاته الثلاثمائة كتاب ورسالة وشروح ودواوين شعر ورحلات. وقد كتب خاصة
في التصوف والفقه والحديث والتفسير، ولكنه تناول كذلك موضوعات مختلفة مثل تفسير
الأحلام والفِلاحة، ودافع في كثير منها عن رقص المولوية وسماع الموسيقى وخالف
الفقهاء الذين أصدروا فتاوى في تحريم الحب والنظر الحلال وشرب القهوة والدخان
وتكفير الناس بدون حجة واضحة. كما دافع عن الطرق الصوفية والتصوف بكل جرأة بعد أن
بلغ مرتبة العارف التي يطمح إليها كل من سلك طريق التصوف. وأهم ما في ذلك هو
الشعبية والشهرة التي اكتسبتها هذه المؤلفات، فإن كثيراً من مؤلفاته مُوَزَّعٌ في
مكتبات العالم من برنستون في أمريكا إلى باريس وبرلين وسراييفو إلى استنبول ودمشق،
وإن بعضها له أكثر من عشرة إلى عشرين نسخة مخطوطة، مما يدل على رواجها على مدى
ثلاثة قرون.
3 - بين التصوف والفقه:
يمكن القول بأن المعركة قديمة بين الصوفية والفقهاء. فقد حكم الفقهاء على الحلاج
بالموت، وصلبوه وأحرقوا جثته ونثروا رماده من أعلى المئذنة في نهر دجلة ببغداد سنة
309هـ/922م كذلك أعدموا عين القضاة الهمذاني سنة 525هـ/1130م، والسهروردي المقتول
587هـ/1191م بحلب. ومن هنا نفهم معنى قول ابن عربي بأن الفقهاء هم «فراعنة
الصوفية».
يميز النابلسي بين الفقهاء العلماء، وما يسميه «فقهاء العوام»، وهو يرى بأن فقهاء
العوام هؤلاء أغلبهم من أهل القرى[6] والحرف يفتون بدون علم حقيقي فيضلون الناس (
إيضاح الدلالات ص 20). أو أنهم يسيئون الظن بالناس «فيخافون من ذنوب الناس لا من
ذنوب أنفسهم» (جمع الأسرار في رَدِّ الطعن، دمشق، ص 121).
إن الاطلاع الواسع للنابلسي على العلوم الدينية جعله مؤهلاً ليبحث عن التسهيل في
الفتاوى دون التنقيب عن عيوب الناس، وحاول الرجوع إلى الأصول الأولى للإسلام بحثاً
عن التسامح والمحبة. وكتب «غاية المطلوب في محبة المحبوب» في «مرافعة» ضد من جعلوا
من الحب عاراً وجريمة في مدينة دمشق أواخر القرن السابع عشر (1097هـ/1686م).