موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الحادي عشر في شرح حال الخادم ومن يتشبه به

الباب الحادي عشر في شرح حال الخادم ومن يتشبه به

أوحي الله تعالى إلى داود عليه السلام قال: «يا داود إذا رأيت لي طالبا فكن له خادما»

الخادم يدخل في الخدمة راغبا في الثواب، وفيما أعد الله تعالى للعباد، ويتصدي لإيصال الراحة وفرغ خاطر المقبلين على الله تعالى عن مهام معاشهم ويفعل ما يفعله الله تعالى بنية صالحة.

فالشيخ واقف مع مراد الله تعالى، والخادم واقف مع نيته.

فالخادم يفعل الشيء لله تعالى، والشيخ يفعل الشيء لله. فالشيخ في مقام المقربين، والخادم في مقام الأبرار. فيختار الخادم البذل والإيثار، والارتفاق من الأغيار للأغيار، ووظيفة وقته تصديه لخدمة عباد الله، وفيه يعرف الفضل ورجحه على نوافله وأعماله.

وقد يقيم من لا يعرف الخادم من الشيخ الخادم مقام الشيخ، وربما جهل الخادم أيضا حال نفسه، فيحسب نفسه شيخا لقلة العلم، واندراس علوم القوم في هذا الزمان، وقناعة كثير من الفقراء من المشايخ باللقمة دون العلم والحال. فكل من كان أكثر إطعاما هو عندهم أحق بالمشيخة، ولا يعلمون أنه خادم وليس بشيخ. والخادم في مقام حسن وحظ صالح من الله تعالى.

وقد ورد ما يدل على فضل الخادم فيما أخبرنا الشيخ أبو زرعة ابن الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه قال: أنا أبو الفضل محمد بن عبد الله المقري قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي قال: حدثنا أبو حامد الحافظ قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري

وأبو الأزهر قالا: حدثنا أبو داود قال: حدثنا سفيان، عن الأوزاعي، عن يحيي بن أبي كثر عن أبي سلمة، عن ابي هريرة" «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بطعام وهو بمر الطهران، فقال لأبي بكر وعمر: كلا، فقالا: إنا صائمان، فقال: ارحلا لصاحبيكما، اعملا لصاحبيكما، ادنوا فكلا، يعني أنكما ضعفتما بالصوم عن الخدمة، فاحتجتما إلى من يخدمكما، فكلا واخدما أنفسكما».

فالخادم يحض على حيازة الفضل، فيتوصل بالكسب تارة، وبالاسترقاق والدروزة تارة أخري، وباستجلاب الوقف إلى نفسه تارة، لعلمه أنه قيم بذلك، صالح لإيصاله إلى الموقوف عليهم، ولا يبالي أن يدخل في كل مدخل لا يذمه الشرع لحيازة الفضل بالخدمة. ويري الشيخ بنفوذ البصيرة وقوة العلم أن الإنفاق يحتاج إلى علم تام، ومعاناة في ذلك لوجود مرده فيه وحاله ترك المراد وإقامة مراد الحق.

أخبرنا أبو زرعة إجازة قال: أبو بكر أحمد بن على بن خلف إجازة قال: أنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت محمد بن الحسين بن الخشاب يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد يقول سمعت السري يقول: أعرف طريقا مختصرا قصدا إلى الجنة، فقلت له ما هو؟ قال: لا تسأل من أحد شيئا، ولا تأخذ من أحد شيئا، ولا يكن معك شيء تعطي منه أحدا شيئا.

والخادم يري أن من طريق الجنة الخدمة والبذل والإيثار، فيقدم الخدمة على النوفل، ويري فضلها، وللخدمة فضل على النافلة التي يأتي بها العبد طالبا بها الثواب غير النافلة التي يتوخي بها صحة حاله مع الله تعالى لوجود نقد قبل وعد.

ومما يدل على فضل الخدمة على النافلة ما أخبرنا أبو زرعة قال: أخبرني والدي الحافظ المقدسي قال: أنا أبو بكر محمد بن أحمد السمسار بإصفهان قال: أنا إبراهيم بين عبد الله بن خرشيد قال: حدثنا الحسين بن

إسماعيل المحاملي قال: حدثنا أبو السائب قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا عاصم عن مورق عن أنس قال:

كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا منزلا في يوم حار شديد الحر، فمنا من يتقي الشمس بيده، وأكثرنا ظلا صاحب الكساء يستظل به، فنام الصائمون وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذهب المفطرون اليوم بالأجر».

وهذا حديث يدل على فضل الخدمة على النافلة. والخادم له مقام عزيز يرغب فيه، فأما من لم يعرف تخليص النية من شوائب النفس، ويتشبه بالخادم، وتصدي لخدمة الفقراء، ويدخل في مداخل الخدام بحسن الإرادة بطلب التأسي بالخدام، فتكون خدمته مشوبة، منها ما يصيب فيها لموضع إيمانه، وحسن إرادته في خدمة القوم، ومنها ما لا يصيب فيه لما فيه من مزج الهوي، فيضع الشيء في غير موضعه.

وقد يخدم بهواه في بعض تصاريفه، ويخدم من لا يستحق الخدمة في بعض أوقاته، ويحب المحمدة والثناء من الخلق، مع ما يحب من الثواب ورضا الله تعالى، وربما خدم للثناء، وربما امتنع من الخدمة في طرفي الرضا والغضب، لانحراف مزاج قلبه بوجود الهوي يخامره في حق من يلقاه بمكروه، ولا يراعي واجب الخدمة في طرفي الرضا والغضب، لانحراف مزاج قلبه بوجود الهوي. والخادم لا يتبع الهوي في الخدمة في الرضا والغضب، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ويضع الشيء موضعه.

فإذن الشخص الذي وصفناه آنفا متخادم وليس بخادم، ولا يميز بين الخادم والمتخادم النجيب يبلغ ثواب الخادم في كثير من تصاريفه، ولا يبلغ رتبته لتخلفه عن حاله بوجود مزاج هواه، وأما من أقيم لخدمة الفقراء بتسليم وقف إليه، أو توفير رفق عليه، وهو يخدم لمنال يصيبه، أو حظ عاجل يدركه، فهو في الخدمة لنفسه لا لغيره، فلو انقطع رفقه ما خدم،

وربما استخدم من يخدم، فهو مع حظ نفسه يخدم من يخدمه، ويحتاج إليه في المحافل، يتكثر به، ويقيم به جاه نفسه بكثرة الاتباع والإشباع.

فهو خادم هواه، وطالب دنياه، يحرص نهاره وليله في تحصيل ما يقيم به جاهه، ويرضي نفسه وأهله وولده، فيتسع في الدنيا ويتزيا بغير زي الخدام والفقراء، وتنتشر نفسه بطلب الحظوظ، ويستولي عليه حب الرياسة.

وكلما كثر رفقه كثرت مواد هواه، واستطال على الفقراء، ويحوج الفقراء إلى النملق المفرط له تطلبا لرضاه، وتوقيا لضيمه وميله عليهم بقطع ما ينوبهم من الوقف. فهذا أحسن حاله أن يسمي مستخدما، فليس بخادم ولا متخادم، ومع ذلك كله ربما نال بركتهم باختياره خدمتهم على خدمة غيرهم، وبانتمائه إليهم. وقد أوردنا الخبر المسند الذي في سياقه: «هم القوم الذين لا يشقي بهم جليسهم».

والله الموفق والمعين.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!