موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الثالث عشر في فضيلة سكان الرباط

الباب الثالث عشر في فضيلة سكان الرباط

قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ والْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وإِقامِ الصَّلاةِ وإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ والْأَبْصارُ}. (١)

قيل: إن هذه البيوت هي المساجد، وقيل: بيوت المدينة، وقيل: بيوت النبي عليه الصلاة والسلام.

وقيل: لما نزلت هذه الآية قام أبو بكر رضي الله عنه وقال يا رسول الله: هذه البيوت منها بيت على وفاطمة؟ قال: نعم أفضلها.

وقال الحسن: بقاع الأرض كلها جعلت مسجدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فعلى هذا الاعتبار بالرجال الذاكرين لا بصور البقاع. وأي بقعة حوت رجالا بهذا الوصف هي البيوت التي أذن الله أن ترفع.

روي أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضا: هل مر بك اليوم أحد صلي علىك أو ذكر الله علىك؟ فمن قائلة نعم، ومن قائلة لا، فإذا قالت نعم علمت أن لها عليها بذلك فضلا. وما من عبد ذكر الله تعالى على بقعة من الأرض، أو صلي الله عليها، إلا شهدت له بذلك عند ربه وبكت عليه يوم يموت.

وقيل في قوله تعالى: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والْأَرْضُ. . .} (٢) تنبيه على فضيلة أهل الله تعالى من أهل طاعته، لأن الأرض تبكي عليهم ولا تبكي على من ركن إلى الدنيا واتبع الهوي. فسكان الرباط هم الرجال، لأنهم

__________

١) سورة النور: الآية ٣٦ - ٣٧.

٢) سورة الدخان: الآية ٢٩.

ربطوا نفوسهم على طاعة الله تعالى، وانقطعوا إلى الله، فأقام لهم الدنيا خادمة.

روي عمران بن الحصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم“من انقطع إلى الله كفاه الله مؤنته ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها”.

وأصل الرباط ما يربط فيه الخيول، ثم قيل لكل ثغر يدفع أهله عمن وراءهم رباط، فالمجاهد المرابط يدفع عمن وراءه، والمقيم في الرباط على طاعة الله يدفع به وبدعائه البلاء عن العباد والبلاد.

أخبرنا الشيخ العالم رضي الدين أبو الخير أحمد بن إسماعيل القزويني إجازة قال: أنا أبو سعيد محمد بن أبي العباس الخليلي قال: أخبرنا القاضي محمد بن سعيد الفراخزاذي قال: أنا أبو اسحاق أحمد بن محمد قال: أنا الحسين بن محمد قال: حدثنا أبو بكر بن خرجة قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبو حميد الحمصي قال: حدثنا يحيي بن سعيد القطار قال: حدثنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقه عن وبرة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة من أهل بيته ومن جيرانه البلاء».

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو لا عباد لله ركع، وصبية رضع، وبهائم رتع، لصب علىكم العذاب صبا، ثم يرض رضا».

وروي جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى ليصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم».

وروي داود بن صالح قال: قال لي ابو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُو

وصابِرُوا ورابِطُوا. . .} (١) قلت لا، قال: يا ابن أخي لم يكن يسكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يربط فيه الخيل، ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة. فالرباط لجهاد النفس، والمقيم في الرباط مرابط مجاهد نفسه. قال الله تعالى: {وَجاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهادِهِ. . . .} (٢)

قال عبد الله بن المبارك: هو مجاهدة النفس والهوي، وذلك حق الجهاد، وهو الجهاد الأكبر على ما روي في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رجع من بعض غزواته «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».

وقيل إن بعض الصالحين كتب إلى أخ له يستدعيه إلى الغزو، فكتب إليه: يا أخي كل الثغور مجتمعة لي في بيت واحد، والباب علىّ مردود.

فكتب إليه أخوه: لو كان الناس كلهم لزموا ما لزمته اختلت أمور المسلمين وغلب الكفار، فلا بد من الغزو والجهاد. فكتب إليه: يا أخي لو لزم الناس ما أنا عليه وقالوا في زواياهم على سجادتهم: الله أكبر انهدم سور قسطنطينية. (٣)

وقال بعض الحكماء: ارتفاع الأصوات في بيوت العبادات بحسن النيات على الوجه الموضوع له الربط، وتحقق أهل الربط بحسن المعاملة ورعاية الأوقات، وتوقي ما يفسد الأعمال، واعتماد ما يصحح الأحوال، عادت البركة على البلاد والعباد.

قال سري السقطي في قوله تعالى: {اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا.}:اصبروا عن الدنيا رجاء السلامة، وصابروا عند القتال بالثبات والاستقامة،

__________

١) سورة آل عمران: الآية ٢٠٠.

٢) سورة الحج: الآية ٧٨.

٣) لا بد من الأخذ بالأسباب، والانضمام إلى جند المسلمين والجهاد في سبيل الله سبب في النصر على الأعداء لقوله تعالى: {وأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ومِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وعَدُوَّكُمْ} [سورة الأنفال آية:٦٠]

ورابطوا أهواء النفس اللوامة، واتقوا ما يعقب لكم الندامة، لعلكم تفلحون غدا على بساط الكرامة.

وقيل: اصبروا على بلائي، وصابروا على نعمائي، رابطوا في دار أعدائي، واتقوا محبة من سوائي، لعلكم تفلحون غدا بلقائي.

وهذه شرائط ساكن الرباط، قطع المعاملة مع الخلق، وفتح المعاملة مع الحق، وترك الاكتساب (١) اكتفاء بكفالة مسبب الأسباب، وحبس النفس عن المخالطات واجتناب التبعات، وعانق ليله ونهاره العبادة، متعوضا بها عن كل عادة، شغله حفظ الأوقات، وملازمة الأوراد، وانتظار الصلوات، واجتناب الغفلات، ليكون بذلك مرابطا مجاهدا.

حدثنا شيخنا أبو النجيب السهروردي قال أنا ابن نبهان محمد الكاتب قال: أنا الحسن بن شاذان قال: أنا دعلج قال: أنا البغوي، عن أبي عبيد القاسم ابن سلام قال: حدثنا صفوان عن الحارث عن سعيد بن المسيب، عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إسباغ الوضوء في المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، يغسل الخطايا غسلا».

وفي رواية: «ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا وترفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء في المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط».

__________

١) من السنة أن يأكل الرجل من عمل يده لأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده كما جاء في الحديث الشريف.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!