موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الرابع عشر في مشابهة أهل الرباط بأهل الصفة

الباب الرابع عشر في مشابهة أهل الرباط بأهل الصفة

قال الله تعالى: {. . . لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَي التَّقْوي مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا والله يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (١).

هذا وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لهم: ما ذا كنتم تصنعون حتى أثني الله علىكم بهذا الثناء؟ قالوا: كنا نتبع الماء الحجر.

وهذا وأشباه هذا من آداب وظيفة صوفية الربط، يلازمونه ويتأهدونه. والرباط بيتهم ومضربهم، ولكل قوم دار، والرباط دارهم.

وقد شابهوا أهل الصفة في ذلك على ما أخبرنا أبو زرعة عن أبيه الحافظ المقدسي قال: أنا أحمد بن محمد البزازي قال: أنا عيسي بن على الوزير قال: حدثنا عبد الله البغوي قال: حدثنا وهبان بن بقية قال: حدثنا خالد بن عبد الله عن داود ابن أبي هند عن أبي الحارث حرب بن أبي الاسود، عن طلحة رضي الله عنه قال: كان الرجل إذا قدم المدينة وكان له بها عريف ينزل على عريفه، فإن لم يكن له بها عريف نزل الصفة، وكنت فيمن نزل الصفة. فالقوم في الرباط مرابطون، متفقون على قصد واحد، وعزم واحد، وأحوال متناسبة.

ووضع الربط لهذا المعني أن يكون سكانها بوصف ما قال الله تعالى: {ونَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوانًا عَلي سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ} (٢) والمقابلة باستواء السر والعلانية، ومن أضمر لأخيه غلا فليس بمقابله وإن كان وجهه إليه.

__________

١) سورة التوبة: الآية ١٠٨.

٢) سورة الحجر: الآية ٤٧.

فأهل الصفة هكذا كانوا، لأن مثار الغل والحقد وجود الدنيا، وحب الدنيا راس كل خطيئة.

فأهل الصفة رفضوا الدنيا، وكانوا لا يرجعون إلى زرع ولا إلى ضرع، فزالت الأحقاد والغل عن بواطنهم، وهكذا أهل الربط، متقابلون بظواهرهم وبواطنهم، مجتمعون على الألفة والمودة، يجتمعون للكلام، ويجتمعون للطعام، ويتعرفون بركة الاجتماع.

روي وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أنهم قالوا يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: «لعلكم تفترقون على طعامكم، اجتمعوا واذكروا الله تعالى يبارك لكم فيه».

وروي أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق، فقيل: فعلى أي شيء كانوا يأكلون؟ قال: على السفر.

فالعباد والزهاد طلبوا الانفراد لدخول الآفات عليهم بالاجتماع، وكون نفوسهم تفتلق للأهوية والخوض بما لا يعني، فرأوا السلامة في الوحدة.

والصوفية لقوة عملهم، وصحة حالهم، نزع عنهم ذلك، فرأوا الاجتماع في بيوت الجماعة على السجادة. فسجادة كل واحد زاويته، وهم كل واحد مهمة، ولعل الواحد منهم لا يتخطي همه سجادته، ولهم في اتخاذ السجادة وجه من السنة.

روي أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا من الليف يصلي عليه من الليل.

وروت ميمونة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسط له الخمرة في المسجد حتى يصلي عليها.

والرباط يحتوي على شبان وشيوخ وأصحاب خدمة وأرباب خلوة.

فالمشايخ بالزوايا أليق نظرا إلى ما تدعو إليه النفس من النوم والراحة، والاستبداد بالحركات والسكنات، فللنفس شوق إلى التفرد والاسترسال في وجوه الرفق، والشاب يضيق عليه مجال النفس بالقعود في بيت الجماعة، والانكشاف لنظر الأغيار، لتكثر العيون عليه، فيتقيد ويتأدب، ولا يكون هذا إلا إذا كان جمع الرباط في بيت الجماعة مهتمين بحفظ الأوقات، وضبط الأنفاس، وحراسة الحواس، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. كان عندهم من هم الآخرة ما يشغلهم عن اشتغال البعض بالبعض، وهكذا ينبغي لأهل الصدق والصوفية أن يكون اجتماعهم غير مضر بوقتهم، فإذا تخلل أوقات الشبان اللغو واللغط، فالأولى أن يلزم الشاب الطالب الوحدة والعزلة، ويؤثر الشيخ الشاب بزاويته وموضع خلوته، ليحبس الشاب نفسه عن دواعي الهوي والخوض فيما لا يعني، ويكون الشيخ في بيت الجماعة لقوة حاله وصبره على مداراة الناس، وتخلصه من تبعات المخالطة وحضور وقاره بين الجمع، فينضبط به الغير، ولا يتكدر هو.

وأما الخدمة فشأن من دخل الرباط مبتدئا، ولم يذق طعم العاملة، ولم يتنبه لنفائس الأحوال أن يؤمر بالخدمة، لتكون عبادته خدمته، ويجذب بحسن الخدمة قلوب أهل الله إليه، فتشمله بركة ذلك ويعين الإخوان المشتغلين بالعبادة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون أخوة، يطلب بعضهم إلى بعض الحوائج، فيقضي بعضهم إلى بعض الحوائج، يقضي الله لهم حاجاتهم يوم القيامة».

فيحتفظ بالخدمة عن البطالة التي تميت القلب. والخدمة عند القوم من جملة العمل الصالح، وهي طريق من طرق المواجيد، تكسبهم الأوصاف الجميلة، والأحوال الحسنة، ولا يرون استخدام من ليس من جنسهم، ولا متطلعا إلى الاهتداء بهديهم.

أخبرنا الشيخ الثقة أبو الفتح قال: أنا أبو الفضل حميد بن أحمد قال: أنا الحافظ أبو نعيم قال: حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا على بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شريك، عن أبي هلال الطائي، عن وثيق بن الروهي قال: كنت مملوكا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان يقول لي: اسلم فإنك إن أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين، فإنه لا ينبغي أن أستعين على أماناتهم بمن ليس منهم. قال فأبيت. قال عمر: لا إكراه في الدين. فلما حضرته الوفاة أعتقني فقال: اذهب حيث شئت.

فالقوم يكرهون خدمة الأغيار، ويأبون مخالطتهم، فإن من لا يحب طريقهم ربما استضر بالنظر إليهم أكثر مما ينتفع، فإنهم بشر وتبدو منهم أمور بمقتضي طبع البشر وينكرها الغير لقلة علمه بمقاصدهم، فيكون إباؤهم لموضع الشفقة على الخلق لا من طريق التعزز والترفع على أحد من المسلمين.

والشاب الطالب إذا خدم أهل الله المشغولين بطاعته، يشاركهم في الثواب، وحيث لم يؤهل لأحوالهم السنية، يخدم من أهل لها، فخدمته لأهل القرب علامة حب الله تعالى.

أخبرنا الثقة أبو الفتح محمد بن سليمان قال: أنا أبو الفضل حميد بن أحمد قال: أنا الحافظ أبو نعيم قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد قال: حدثنا الحارث ابن أبي أسامة قال: حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا أبو اسحاق عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: - لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك قال حين دنا من المدينة: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم، قالوا: وهم في المدينة؟ قال: نعم حبسهم العذر».

فالقائم بخدمة القوم، تعوق عن بلوغ درجتهم بعذر القصور وعدم الأهلية، فحام حو الحمي باذلا مجهوده في الخدمة، يتعلل بالأثر حيث منع النظر، فجزاء الله على ذلك أحسن الجزاء، وأنا له من جزيل العطاء، وهكذا كان أهل الصفة يتعاونون على البر والتقوى، ويجتمعون على المصالح الدينية ومواساة الإخوان بالمال والبدن.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!