موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الثالث والعشرون في القول في السماع ردا وإنكار

الباب الثالث والعشرون في القول في السماع ردا وإنكار

قد ذكرنا وجه صحة السماع وما يليق منه بأهل الصدق، وحيث كثرت الفتنة بطريقة، وزالت العصمة فيه، وتصدي للحرص عليه أقوام قلت أعمالهم، وفسدت أحوالهم، وأكثروا الاجتماع للسماع، وربما يتخذ للاجتماع طعام تطلب النفوس الاجتماع لذلك، لا رغبة للقلوب في السماع، كما كان من سير الصادقين، فيصير السماع معلولا تركن إليه النفوس طلبا للشهوات، واستحلاء لمواطن اللهو والغفلات، ويقطع ذلك على المريد طلب المزيد، ويكون بطريقة تضييع الأوقات، وقلة الحظ من العبادات، وتكون الرغبة في الاجتماع طلبا لتناول الشهوة واسترواحا لأولى الطرب واللهو والعشرة. ولا يخفي أن هذا الاجتماع مردود عند أهل الصدق.

وكان يقال: لا يصح السماع إلا لعارف مكين، ولا يباح لمريد مبتدي، وقال الجنيد رحمه الله تعالى: إذا رأيت المريد يطلب السماع فاعلم أن فيه بقية البطالة.

وقيل: إن الجنيد ترك السماع، فقيل له كنت تستمع، فقال مع من؟ قيل له تسمع لنفسك، فقال ممن، لأنهم كانوا لا يسمعون إلا من أهل مع أهل، فلما ففد الإخوان ترك. فما اختاروا السماع حيث اختاروه إلا بشروط وقيود وآداب يذكرون به الآخرة، ويرغبون في الجنة، ويحذرون من النار، ويزداد به طلبهم، وتحسن به أحوالهم، ويتفق لهم ذلك اتفاقا في بعض الأحايين، لا أن يجعلوه دأبا وديدنا حتى يتركوا لأجله الأوراد.

وقد نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال في كتاب القضاء: الغناء لهو مكروه يشبه الباطل. وقال: من استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته.

واتفق أصحاب الشافعي أن المرأة غير المحرم لا يجوز الاستماع إليها، سواء أكانت حرة أو مملوكة أو مكشوفة الوجه أو من وراء حجاب.

ونقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه كان يكره الطقطقة بالقضيب ويقول:

وضعه الزنادقة ليشغلوا به عن القرآن. وقال: لا بأس بالقراءة بالألحان وتحسين الصوت بها بأي وجه كان.

وعند مالك رضي الله عنه إذا اشتري جارية فوجدها مغنية فله أن يردها بهذا العيب، وهو مذهب سائر أهل المدينة.

وهكذا مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه.

و سماع الغناء من الذنوب وما أباحه إلا نفر قليل من الفقهاء، ومن أباحه من الفقهاء أيضا لم ير إعلانه في المساجد والبقاع الشريفة.

وقيل في تفسير قوله تعالى: {ومِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} (١) قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هو الغناء والاستماع إليه.

وقيل في قوله تعالى {وأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١)} (٢) أي مغنون. رواه عكرمة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو الغناء بلغة حمير، يقول أهل اليمن:

سمد فلان إذا غني.

و قوله تعالى {واِسْتَفْزِزْ مَنِ اِسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} (٣) قال مجاهد:

الغناء والمزامير.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «كان إبليس أول من ناح وأول من تغني».

__________

١) سورة لقمان: آية ٦.

٢) سورة النجم: آية ٦١.

٣) سورة الإسراء: آية ٦٤.

وروي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نهيت عن صوتين فاجرين: صوت عند نعمة، وصوت عند مصيبة».

وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: ما غنيت ولا تمنيت، ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: الغناء ينبت النفاق في القلب.

وروي أن ابن عمر رضي الله عنه مر عليه قوم وهم محرمون وفيهم رجل يتغني، فقال: ألا لا سمع الله لكم، ألا لا سمع الله لكم.

وروي أن إنسانا سأل القاسم بن محمد عن الغناء فقال: أنهاك عنه وأكرهه لك، قال: أ حرام هو؟ قال: انظر يا ابن أخي إذا ميز الله الحق من الباطل في أيهما يجعل الغناء.

وقال الفضيل بن عياض: الغناء رقية الزنا.

وعن الضحاك: الغناء مفسدة للقلب، مسخطة للرب.

وقال بعضهم: إياك والغناء فإنه يزيد الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر.

وهذا الذي ذكره هذا القائل صحيح، لأن الطبع الموزون يفيق بالغناء والأوزان، ويستحسن صاحب الطبع عند السماع ما لم يكن يستحسنه من الفرقعة بالأصابع والتصفيق والرقص، وتصدر منه أفعال تدل على سخافة العقل.

وروي عن الحسن أنه قال: ليس الدف من سنة المسلمين.

والذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع الشعر لا يدل على إباحة الغناء، فإن الشعر كلام منظوم وغيره كلام منثور، فحسنه حسن وقبيحه قبيح، وإنما يصير غناء بالألحان.

وأن أنصف المنصف وتفكر في اجتماع أهل الزمان، وقعود المغني بدفه والمشبب بشبابته، وتصور في نفسه هل وقع مثل هذا الجلوس والهيئة بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل استحضروا قوالا وقعدوا مجتمعين لاستماعه، لا شك بأنه ينكر ذلك من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

ولو كان في ذلك فضيلة تطلب ما أهملوها. فمن يشير بأنه فضيلة تطلب ويجتمع لها لم يحظ بذوق معرفة أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، واستروح إلى استحسان بعض المتأخرين ذلك، وكثيرا ما يغلط الناس في هذا. وكلما احتج عليهم بالسلف الماضين يحتجون بالمتأخرين، وكان السلف أقرب إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهديهم أشبه بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثير من الفقراء يستمع عند قراءة القرآن بأشياء من غير غلبة.

قال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما وصفهم الله تعالى تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم. قال قلت: إن ناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشيا عليه، قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

وروي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مر برجل من أهل العراق يتساقط، قال: ما لهذا؟ قالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله تعالى سقط، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: إنا لنخشي الله وما نسقط، إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم، ما هكذا كان يصنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ القرآن، فقال: بيننا وبينهم أن يقعد واحد منهم على ظهر بيت باسطا رجليه ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فإن رمي بنفسه فهو صادق.

وليس هذا القول منهم إنكارا على الإطلاق، إذ يتفق ذلك لبعض الصادقين، ولكن للتصنع المتوهم في حق الأكثرين، وقد يكون ذلك من البعض تصنعا ورياء، ويكون من البعض لقصور علم ومخامرة جهل ممزوج بهوي، يلم بأحدهم يسير من الوجد فيتبعه بزيادات يجهل أن ذلك يضر بدينه، وقد لا يجهل أن ذلك من النفس، ولكن النفس تسترق السمع استراقا خفيا، تخرج الوجد عن الحد الذي ينبغي أن يقف عليه، وهذا يباين الصدق.

نقل أن موسي عليه السلام وعظ قومه، فشق منهم رجل قميصه، فقيل لموسي عليه السلام: قل لصاحب القميص لا يشق قميصه ويشرح قلبه.

وأما إذا انضاف إلى السماع أن يسمع من أمرد، فقد توجهت الفتنة، وتعين على أهل الديانات إنكار ذلك.

قال بقية بن الوليد: كانوا يكرهون النظر إلى الغلام الأمرد الجميل.

وقال عطاء: كل نظرة يهواها القلب فلا خير فيها.

وقال بعض التابعين: ما أنا أخوف على الشاب التائب من السبع الضاري خوفي عليه من الغلام الأمرد يقعد إليه.

وقال بعض التابعين أيضا: اللوطية على ثلاثة أصناف: صنف ينظرون، وصنف يصافحون، وصنف يعملون ذلك العمل.

فقد تعين على طائفة الصوفية اجتناب مثل هذه الجماعات واتقاء مواضع التهم، فإن التصوف صدق كله، وجد كله.

يقول بعضهم: التصوف كله جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل.

فهذه الآثار دلت على اجتناب السماع وأخذ الحذر منه. والباب الأول بما فيه دل على جوازه بشروطه، وتنزيهه عن المكاره التي ذكرناها.

وقد فصلنا القول وفرقنا بين القصائد والغناء وغير ذلك.

وكان جماعة من الصالحين لا يسمعون، ومع ذلك لا ينكرون على من يسمع بنية حسنة ويراعي الأدب فيه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!