موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب السادس والثلاثون في فضيلة الصلاة وكبر شأنه

الباب السادس والثلاثون في فضيلة الصلاة وكبر شأنه

روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله تعالى جنة عدن، وخلق فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال لها تكلمي، فقالت: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) ثلاثا».

وشهد القرآن المجيد بالفلاح للمصلين.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتاني جبريل لدلوك الشمس حي زالت وصلي بي الظهر».

واشتقاق الصلاة قيل في الصلي وهو النار، والخشبة المعوجة إذا أرادوا تقوىمها تعرض على النار ثم تقوم. وفي العبد اعوجاج لوجود نفسه الأمارة بالسوء، وسبحات وجه الله الكريم التي لو كشف حجابها أحرقت من أدركته يصيب بها المصلي من وهج السطوة الإلهية والعظمة الربانية ما يزول به اعوجاجه.

بل يتحقق به معراجه. فالمصلي كالمصطلي بالنار، ومن اصطلي بنار الصلاة وزال بها اعوجاجه لا يعرض على نار جهنم إلا تحلة القسم.

أخبرنا الشيخ العالم رضي الدين أحمد بن إسماعيل القزويني إجازة قال أنا ابو سعيد محمد بن أبي العباس بن محمد بن أبي العباس الخليلي قال أنا أبو سعيد الفرخزاذي قال أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد قال أنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن.

قال أنا أبو زكريا يحيي بن محمد بن العنبري قال حدثنا جعفر بن أحمد بن الحافظ قال أنا أحمد بن نصير قال حدثنا آدم بن أبي إياس عن ابن

سمعان عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم.

قال الله عز وجل: مجدني عبدي.

فإذا قال الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثني على عبدي، فإذا قال مالك يم الدين، قال فوض إلى عبدي.

فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال هذا بيني وبين عبدي.

فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».

فالصلاة صلة بين الرب والعبد، وما كان صلة بينه وبين الله فحق العبد أن يكون خاشعا لصولة الربوبية على العبودية.

وقد ورد أن الله تعالى إذا تجلي لشيء خضع له، ومن يتحقق بالصلة في الصلاة تلمح له طوالع التجلي فيخشع. والفلاح للذين هم في صلاتهم خاشعون، وبانتفاء الخشوع ينتقي الفلاح.

وقال الله تعالى: {وأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤)} (١). وإذا كانت الصلاة للذكر، كيف يقع فيها النسيان. قال الله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنْتُمْ سُكاري حَتّي تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ} (٢).

فمن قال ولا يعلم ما يقول، كيف يصلي وقد نهاه الله عن ذلك، فالسكران يقول الشيء لا بحضور عقل، والغافل يصلي لا بحضور عقل، فهو كالسكران.

__________

١) سورة طه: الآية ١٤.

٢) سورة النساء: الآية ٤٣.

وقيل في غرائب التفسير في قوله تعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُويً (١٢)} (١) قيل: نعلىك همك بامرأتك وغنمك، فالاهتمام بغير الله تعالى سكر في الصلاة.

وقيل: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، وينظرون يمينا وشمالا، فلما نزلت {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢)} (٢).

جعلوا وجوههم حيث يسجدن، وما رؤي بعد ذلك أحد منهم ينظر إلا إلى الأرض.

وروي أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه بين يدي الرحمن، فإذا التفت قال له الرب: إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير لك متي؟ ابن آدم أقبل إلى فأنا خير لك ممن تلتفت إليه».

وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال «لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه».

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا صليت فصل صلاة مودع».

فالمصلي سائر إلى الله تعالى بقلبه، يودع هواه ودنياه وكل شيء سواه.

والصلاة في اللغة هي الدعاء.

فكأن المصلي يدعو الله تعالى بجميع جوارحه، فصارت أعضاؤه كلها ألسنة يدعو بها ظاهرا وباطنا، ويشارك الظاهر الباطن بالتضرع والتقلب والهيئات في تملقات متضرع سائل محتاج.

فإذا دعا بكليته أجابه مولاه لأنه وعده فقال: {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.

__________

١) سورة طه: الآية ١٢.

٢) سورة المؤمنون: الآية ٢.

كان خالد الربعي يقول: عجبت لهذه الآية: {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (١) أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة ليس بينهما شرط.

والاستجابة والإجابة هي نفوذ دعاء العبد، فإن الداعي الصادق العالم بمن يدعوه بنور يقينه، فتخرق الحجب، وتقف الدعوة بين يدي الله تعالى متقاضية للحاجة.

و خص الله تعالى هذه الأمة بإنزال فاتحة الكتاب، وفيها تقديم الثناء على الدعاء، ليكون أسرع إلى الإجابة، وهي تعلىم الله تعالى عباده كيفية الدعاء.

وفاتحة الكتاب هي السبع المثاني والقرآن العظيم. قيل: سميت مثاني لأنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، مرة بمكة، ومرة بالمدينة، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكل مرة نزلة منها فهم آخر، بل كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكل مرة يقرؤها على الترداد مع طول الزمان فهم آخر.

وهكذا المصلون المحققون من أمته ينكشف لهم عجائب أسرارها، وتقذف لهم كل مرة درر بحارهاز

وقيل: سمت مثاني لأنها استثنيت من الرسل وهي سبع آيات.

وروت أم رومان قالت: رآني أبو بكر وأنا أتميل في الصلاة فزجرني زجرا كدت أن أنصرف عن صلاتي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليسكن أطرافه لا يتميل تميل اليهود، فإن سكوت الأطراف من تمام الصلاة».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعوذوا بالله من خشوع النفاق. قيل: وما خشوع النفاق؟ قال: خشوع البدن ونفاق القلب».

__________

١) سورة الغافر: الآية ٦٠.

فأما تميل اليهود، قيل كان موسي يعامل بني إسرائيل على ظاهر الأمور لقلة ما في باطنهم، فكان يهيئ الأمور ويعظمها.

ولهذا المعني أوحي الله تعالى إليه أن يحلي التوراة بالذهب، ووقع لي والله أعلم أن موسي كان يرد عليه الوارد في صلاته ومحال مناجاته، فيموج به باطنه كبحر ساكن، تهب عليه الريح فتتلاطم الأمواج، فكان تمايل موسي عليه السلام تلاطم أمواج بحر القلب إذا هب عليه نسمات القلب.

وربما كانت الروح تتطلع إلى الحضرة الإلهية فتهم الاستعلاء وللقالب بها تشبك وامتزاج، فيضطرب القلب ويتمايل، فرأي اليهود ظاهرة فتمايلوا من غير حظ لبواطنهم من ذلك.

ولهذا المعني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكارا على أهل الوسوسة: «هكذا خرجت عظمة الله من قلوب بني إسرائيل حتى شهدت أبدانهم وغابت قلوبهم، لا يقبل الله صلاة امرئ لا يشهد فيها قلبه كما يشهد بدنه، وإن الرجل على صلاته دائم، ولا يكتب له عشرها إذا كان قلبه ساهيا لاهيا».

واعلم أن الله تعالى أوجب الصلوات الخمس، وقد قال رسول صلى الله عليه وسلم:

«الصلاة عماد الدين، فمن ترك الصلاة فقد كفر».

فبالصلاة تحقيق العبودية، وأداء حق الربوبية، وسائر العبادات وسائل إلى تحقيق سر الصلاة.

قال سهل بن عبد الله: يحتاج العبد إلى السنن الرواتب لتكميل الفرائض، ويحتاج إلى النوافل لتكميل السنن، ويحتاج إلى الآداب النوافل، ومن الأدب ترك الدنيا.

والذي ذكره سهل هو معني ما قال عمر على المنبر: إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله صلاة، قيل: وكيف ذاك؟ قال: لا يتم خشوعها وتواضعها وإقبالها على الله فيها.

وقد ورد في الأخبار: أن العبد إذا قام إلى الصلاة رفع الله الحجاب بينه وبينه، وواجه بوجهه الكريم، وقامت الملائكة من لدن منكبيه إلى الهواء يصلون بصلاته، ويؤمنون على دعائه.

وإن المصلي لينشر عليه البر من عنان السماء إلى مفرق رأسه، ويناديه مناد: لو علم المصلي من يناجي ما التفت أو ما انفتل.

وقد جمع الله تعالى للمصلين في كل ركعة ما فرق على أهل السموات، فلله ملائكة في الركوع منذ خلقهم الله لا يرفعون من الركوع إلى يوم القيامة.

وهكذا في السجود والقيام والقعود، والعبد المتيقظ يتصف في ركوعه بصفة الراكعين منهم، وفي السجود بصفة الساجدين، وفي كل هيئة هكذا يكون كالواحد منهم وبينهم.

وفي غير الفريضة ينبغي للمصلي أن يمكث في ركوعه متلذذا بالركوع، غير مهتم بالرفع منه.

فإن طرقته سآمة بحكم الجبلة استغفر منها، ويستديم تلك الهيئة، ويتطلع أن يذوق الخشوع اللائق بهذه الهيئة، ليصير قلبه بلون الهيئة.

و ربما يتراءي للراكع المحقق أنه إن سبق همه في حال الركوع أو السجود إلى الرفع منه ما وفي الهيئة حقها، فيكون همه الهيئة، مستغرقا فيها، مشغولا بها عن غيرها من الهيئات، فبذلك يتوفر حظه من بركة كل هيئة.

فإن السرعة التي يتقاضي بها الطبع تسد باب الفتوح، ويقف في هاب النفحات الإلهية، حتى يتكامل حظ العبد، فتنمحي آثاره بحسن الاسترسال، ويستقر في مقعد الوصال.

وقيل: في الصلاة أربع هيئات، وستة أذكار. فالهيئات الأربع: القيام، والقعود، والركوع، والسجود.

والأذكار الستة: التلاوة، والتسبيح، والحمد، والاستغفار، والدعاء، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام.

فصارت عشرة كاملة، تفرق هذه العشرة على صفوف من الملائكة كل صف عشرة آلاف، فيجتمع في الركعتين ما يفرق على ما ألف من الملائكة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!