موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الثامن والأربعون في تقسيم قيام الليل

الباب الثامن والأربعون في تقسيم قيام الليل

قال تعالى: {والَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقِيامًا (٦٤)} (١).

وقيل في تفسير قوله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} (٢). كان عملهم قيام الليل.

وقيل في تفسير قوله تعالى: {واِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ (٣).

استعينوا بصلاة الليل على مجاهدة النفس ومصابرة العدو. وفي الخير: «علىكم بقيام الليل فإنه مرضاة لربكم، وهو دأب الصالحين قبلكم، ومنهاة عن الإثم، وملغاة للوزر، ومذهب كيد الشيطان، ومطردة للداء عن الجسد».

وقد جمع من الصالحين يقومون الليل كله، حتى نقل ذلك عن أربعين من التابعين كانوا يصلون الغداة بوضوء العشاء، منهم سعيد بن المسيب، وفضيل بن عياض، ووهيب بن الورد، وأبو سليمان الداراني وعلى بن بكار، وحبيب العجمي، وكهمس بن المنهال وأبو حازم، ومحمد بن المنكدر، وأبو حنيفة رحمه الله، وغيرهم.

عدهم وسماهم بأنسابهم الشيخ أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب.

فمن عجز عن ذلك يستحب له قيام ثلثيه أو ثلثه، وأقل الاستحباب سدس الليل.

فإما أن ينام ثلث الليل الأول ويقوم نصفه وينام سدسه الآخر، أو ينام النصف الأول ويقوم ثلثه وينام السدس.

روي أن داود عليه السلام قال يا رب إني أحب أن أتعبد لك، فأي وقت أقوم؟ فأوحي الله تعالى إليه يا داود لا تقم أول الليل ولا آخره، فإنه من قام أوله نام

__________

١) سورة الفرقان: آية ٦٤.

٢) سورة السجدة: آية ١٧.

٣) سورة البقرة: آية ٤٥.

آخره، ومن قام آخره نام أوله، ولكن قم وسط الليل، حتى تخلو بي وأخلو بك، وارفع إلى حوائجك.

ويكون القيام بين نومتين وإلا فيغالب النفس من أول الليل ويتنفل، فإذا غلبه النوم ينام، فإذا انتبه يتوضأ، فيكون له قومتان ونومتان، ويكون ذلك من أفضل ما يفعله، ولا يصلي وعنده نوم يشغله عن الصلاة والتلاوة حتى يعقل ما يقول.

وقد ورد: لا تكابدوا الليل.

وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فلانة تصلي من الليل فإذا غلبها النوم تعلقت بحبل، فنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال «ليصل أحدكم من الليل ما تيسر، فإذا غلبه النوم فلينم».

وقال عليه السلام «لا تشادوا هذا الدين فإنه متين، فمن تشاد يغلبه».

ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، ولا يليق بالطالب ولا ينبغي له أن يطلع الفجر وهو نائم إلا أن يكون قد سبق له في الليل قيام طويل فيعذر في ذلك على أنه إذا استيقظ قبل الفجر بساعة مع قيام قليل سبق في الليل يكون أفضل من قيام طويل.

ثم النوم إلى بعد طلوع الفجر، فإذا استيقظ قبل الفجر يكثر الاستغفار والتسبيح ويغتنم تلك الساعة، وكلما يصلي بالليل يجلس قليلا بعد كل ركعتين، ويسبح ويستغفر ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجد بذلك ترويحا وقوة على القيام.

وقد كان بعض الصالحين يقول: هي أول نومة فإن انتبهت ثم عدت إلى نومة أخري فلا أنام الله عيني.

وحكى لي بعض الفقراء عن شيخ له أنه كان يأمر الأصحاب بنومة واحدة بالليل، وأكلة واحدة لليوم والليلة.

وقد جاء في الخبر: قم من الليل ولو قدر حلب شاة. وقيل: يكون ذلك قدر أربع ركعات وقدر ركعتين.

وقيل في تفسير قوله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ} (١). هو قيام الليل. ومن حرم قيام الليل كسلا وفتورا في العزيمة أو تهاونا به لقلة الاعتداد بذلك، أو اغترارا بحاله، فليبك عليه فقد قطع عليه طريق كبير من الخير.

وقد يكون من أرباب الأحوال من يكون له إيواء إلى القرب، ويجد من دعة القرب، ما يفتر عليه داعية الشوق، ويري أن القيام وقوف في مقام الشوق، وهذا يغلط فيه ويهلك به خلق من المدعين.

والذي له ذلك ينبغي أن يعلم أن استمرار هذه الحالة متعذر، والإنسان متعرض للقصور والتخلف والشبهة. ولا حالة أجل من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما استغني عن قيام الليل وقام حتى تورمت قدماه.

وقد يقول بعض من يحاج في ذلك: إن رسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تشريعا، فنقول: ما بالنا نتبع تشريعه وهذه دقيقة فتعلم أن رؤية الفضيلة في ترك القيام وادعاء الإيواء إلى جناب القرب، واستواء النوم واليقظة امتلاء وابتلاء حالي، وهو تقيد بالحال وتحكم للحال وتحكم من الحال في العبد.

والأقوياء لا يتحكم فيهم الحال، ويصرفون الحال في صور الأعمال، فهم متصرفون في الحال لا الحال متصرف فيهم، فليعلم ذلك فإنا رأينا من الأصحاب من كان في ذلك ثم انكشف لنا بتأييد الله تعالى أن ذلك وقوف وقصور.

__________

١) سورة آل عمران: آية ٢٦.

قيل للمحسن: يا أبا سعيد إني أبيت معافي، وأحب قيام الليل، وأعد طهوري فما بالي لا قوم؟ قال: ذنوبك قيدتك. فليحذر العبد في نهاره ذنوبا تقيده في ليله.

وقال النوري رحمه الله: حرمت قيام الليل سبعة أشهر بذنب أذنبته، فقيل له: ما كان الذنب؟ قال: رأيت رجلا بكاء فقلت في نفسي هذا مراء.

وقال بعضهم: دخلت على كرز بن وبرة وهو يبكي فقلت: ما بالك أتاك نعي بعض أهلك؟ فقال: أشد، فقلت: وجع يؤلمك؟ قال: أشد، فقلت: وما ذاك:؟ قال: بابي مغلق، وستري مسبل، ولم أقرأ حزبي البارحة، وما ذاك إلا بذنب أحدثته.

وقال بعضهم: الاحتلام عقوبة. وهذا صحيح، لأن المراعي المتحفظ بنية تحفظه علمه بحاله يقدر ويتمكن من سد باب الاحتلام، ولا يتطرق الاحتلام إلا على جاهل بحاله أو مهمل حكم وقته وأدب حاله، ومن كمل تحفظه ورعايته، وقيامه بأدب حاله.

قد يكون من ذنبه الموجب للاحتلام، ووضع الرأس على الوسادة، إذا كان ذا عزيمة في ترك الوسادة، وقد يتهمد للنوم ووضع الرأس على الوسادة بحسن النية من لا يكون ذلك ذنبه، وله فيه نية للعون على القيام، وقد يكون ذلك ذنبا بالنسبة إلى بعض الناس.

فإذا كان هذا القدر يصلح أن يكون ذنبا جالبا للاحتلام، فقس على هذا ذنوب الأحوال، فإنها تختص بأربابها، ويعرفها أصحابها. وقد يرتفق بأنواع الرفق من الفراش الوطئ والوسادة ولا يعاقب بالاحتلام إذا كان عالما ذا نية يعرف مداخل الأمور ومخارجها، وكم من نائم يسبق القائم لوفر علمه وحسن نيته.

وفي الخبر: «إذا نام العبد عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد، فإن قعد وذكر الله تعالى انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت أخري، وإن صلي ركعتين انحلت العقد كلما فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح كسلان خبيث النفس».

وفي خبر آخر «إن من نام حتى يصبح بال الشيطان في أذنه».

والذي يخل بقيام الليل كثرة الاهتمام بأمور الدنيا وكثرة أشغال الدنيا، وإتعاب الجوارح، والامتلاء من الطعام، وكثرة الحديث، واللغو واللغط وإهمال القيلولة. والموفق من يغتنم وقته، ويعرف داءه ودواءه، ولا يهمل فيهمل.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!