موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الخمسون في ذكر العمل في جميع النهار وتوزيع الأوقات

الباب الخمسون في ذكر العمل في جميع النهار وتوزيع الأوقات

فمن ذلك أن يلازم موضعه الذي صلي هو فيه مستقبل القبلة، إلا أن يري انتقاله إلى زاويته أسلم لدينه، لئلا يحتاج إلى حديث أو التفات إلى شيء، فإن السكوت في هذا الوقت وترك الكلام له أثر ظاهر بين يجده أهل المعاملة وأرباب القلوب.

وقد ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك. ثم يقرأ الفاتحة وأول سورة البقرة إلى المفلحون، والآيتين وإلهكم إله واحد، وآية الكرسي، والآيتين بعدها، وآمن الرسول، والآية قبلها، وشهد الله، وقل اللهم مالك الملك، وإن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض إلى المحسنين، ولقد جاءكم رسول إلى الآخر.

وقل ادعوا الله الآيتين، وآخر الكهف من إن الذين آمنوا، وذا النون إذ ذهب مغاضبا إلى خير الوارثين، فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، سبحان ربك إلى آخر السورة.

ولقد صدق الله، وأول سورة الحديد إلى بذات الصدور، وآخر سورة الحشر من لو أنزلنا، ثم يسبح ثلاثا وثلاثين، وهكذا يحمد مثله، ويكبر مثله، ويتمها مائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له.

فإذا فرغ من ذلك يشتغل بتلاوة القرآن حفظا أو من المصحف، أو يشتغل بأنواع الأذكار، ولا يزال كذلك من غير فتور وقصور ونعاس، فإن النوم في هذا الوقت مكروه جدا، فإن غلبه النوم فليقم في مصلاه قائما مستقبل القبلة.

فإن لم يذهب النوم بالقيام يخط خطوات نحو القبلة، يتأخر بالخطوات كذلك ولا يستدبر القبلة، ففي إدامة استقبال القبلة وترك الكلام والنوم ودوام الذكر في هذا الوقت أثر كبير وبركة غير قليلة.

وجدنا ذلك بحمد الله، ونوصي به الطالبين، وأثر ذلك في حق من يجمع في الأذكار بين القلب واللسان أكثر وأظهر.

وهذا الوقت أول النهار، والنهار مظنة الآفات، فإذا أحكم أوله بهذه الرعاية فقد أحكم بنيانه، وتبني أوقات النهار جميعا على هذا البناء.

فإذا قارب طلوع الشمس يبتدئ بقراءة المسبعات العشر، وهي من تعلىم الخضر عليه السلام، علمها إبراهيم التيمي، وذكر أنه تعلمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينال بالمداومة عليها جميع المتفرق في الأذكار والدعوات وهي عشرة أشياء، سبعة الفاتحة، والمعوذتان، وقل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، وآية الكرسي، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، والصلاة سبعا.

اللهم افعل بي وبهم عاجلا وآجلا في الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهل، ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهل إنك غفور حليم، جواد كريم، رءوف رحيم.

وروي أن إبراهيم التيمي لما قرأ هذه بعد أن تعلمها من الخضر رأي في المنام أنه دخل الجنة ورأي الملائكة والأنبياء عليهم السلام وأكل من طعام الجنة.

وقيل إنه مكث أربعة أشهر لم يطعم، وقيل لعله كان ذلك لكونه أكل من طعام الجنة.

فإذا فرغ من المسبعات أقبل على التسبيح والاستغفار والتلاوة إلى أن تطلع الشمس قدر رمح.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «لأن أقعد في مجلس أذكر الله فيه من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إلى من أن أعتق أربع رقاب».

ثم يصلي ركعتين قبل أن ينصرف من مجلسه، فقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي الركعتين، وبهاتين الركعتين تتبين فائدة رعاية هذا الوقت.

وإذا صلي الركعتين بجمع هم وحضور فهم وحسن تدبر لما يقرأ يجد في باطنه أثرا ونورا وروحا وأنسا إذا كان صادقا، والذي يجده من البركة ثواب معجل له على عمله هذا.

وأحب أن يقرأ في هاتين الركعتين في الأولى آية الكرسي وفي الأخري آمن الرسول، والله نور السموات والأرض إلى آخر الآية، وتكون نيته فيهما الشكر لله على نعمه في يومه وليلته.

ثم يصلي ركعتين أخريين يقرأ المعوذتين فيها في كل ركعة سورة، وتكون صلاته هذه ليستعذ بالله تعالى من شر يومه وليلته، ويذكر بعد هاتين الركعتين كلمات الاستعاذة فيقول: أعوذ باسمك وكلمتك التامة من شر السامة والهامة، وأعوذ باسمك وكلمتك التامة من شر عذابك وشر عبادك.

وأعوذ باسمك وكلمتك التامة من شر ما يجري به الليل والنهار، إن ربي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.

ويقول بعد الركعتين الأوليين: اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره، ولا أملك نفع ما أرجو، وأصبحت مرتهنا بعملي، وأصبح أمري بيد غيري، فلا فقير أفقر مني، اللهم لا تشمت بي عدوي، ولا تسئ بي صديقي، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، ولا مبلغ علمي، ولا تسلط على من لا يرحمني.

اللهم إني أعوذ بك من الذنوب التي تويل النعم، وأعوذ بك من الذنوب التي توجب النقم.

ثم يصلي ركعتين أخريين بنية الاستخارة لكل عمل يعمله في يومه وليلته، وهذه الاستخارة تكون بمعني الدعاء على الإطلاق، وإلا فالاستخارة التي وردت بها الأخبار هي التي يصليها أما كل أمر يريده.

ويقرأ في هاتين الركعتين: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، ويقرأ دعاء الاستخارة كما سبق ذكره في غير هذا الباب، ويقول فيه كل قول وعمل أريده في هذا اليوم اجعل فيه الخيرة.

ثم يصلي ركعتين أخريين يقرأ في الأولى سورة الواقعة، وفي الأخري سورة الأعلى، ويقول بعدها: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واجعل حبك أحب الأشياء إلي، وخشيتك أخوف الأشياء عندي، واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك.

وإذا أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر عيني بعبادتك، واجعل طاعتك في كل شيء مني يا أرحم الراحمين.

ثم يصلي بعد ذلك ركعتين، يقرأ فيهما شيئا من حزبه من القرآن.

ثم بعد ذلك إن كان متفرعا ليس له شغل في الدنيا يتنقل في أنواع العمل في الصلاة والتلاوة والذكر إلى وقت الضحي، وإن كان ممن له في الدنيا شغل إما لنفسه أو لعياله فليمض لحاجته ومهامه بعد أن يصلي ركعتين لخروجه من المنزل، وهكذا ينبغي أن يفعل أبدا، لا يخرج من البيت إلى جهة إلا بعد أن يصلي ركعتين لقيه الله سوء المخرج.

ولا يدخل البيت إلا ويصلي ركعتين ليقيه الله سوء المدخل، بعد أن يسلم على من في المنزل من الزوجة وغيرها، وإن لم يكن في البيت أحد يسلم أيضا ويقول السلام على عباد الله الصالحين المؤمنين.

وإن كان متفرغا فأحسن أشغاله في هذا الوقت إلى الصلاة صلاة الضحي، فإن كان عليه قضاء صلي صلاته يوم أو يومين أو أكثر، وإلا يصلي ركعات يطولها ويقرأ فيها القرآن.

فقد كان من الصالحين من يختم القرآن في الصلاة بين اليوم والليلة، وإلا فليصل أعداد من الركعات خفيفة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، وبالآيات التي في القرآن وفيها الدعاء مثل قوله تعالى: {رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وإِلَيْكَ أَنَبْنا وإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (١) و أمثال هذه الاية يقرأ في كل ركعة آية منها، إما مرة أو يكررها مهما شاء.

ويقدر للطالب أن يصلي بين الصلاة التي ذكرناها بعد طلوع الشمس وبين صلاة الضحي مائة ركعة خفيفة، وقد كان في الصالحين من ورده بين اليوم والليلة مائة ركعة إلى مائتين إلى خمسمائة ركعة.

ومن ليس له في الدنيا شغل وقد ترك الدنيا على أهلها فما باله يبطل ولا يتنعم بخدمة الله تعالى.

قال سهل بن عبد الله التستري: لا يكمل شغل قلب عبد الله الكريم وله في الدنيا حاجة.

فإذا ارتفعت الشمس، وتنصف الوقت من صلاة الصبح إلى الظهر كما يتنصف العصر بين الظهر والمغرب يصل الضحي، فهذا الوقت أفضل الأوقات لصلاة الضحي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلاة الضحي إذا رمضت الفصال، وهو أن ينام الفصيل في ظل أمه عند حر الشمس.

وقيل الضحي إذا ضحيت الأقدام بح الشمس. وأقل صلاة الضحي ركعتان وأكثرها اثنتا عشرة ركعة، ويجعل لنفسه دعاء بعد كل ركعتين ويسبح ويستغفر.

__________

١) سورة الممتحنة: آية رقم:٤.

ثم بعد ذلك إن كان هناك حق يقضي مما ندب إليه من زيارة أو عيادة يمضي فيه، وإلا فيديم العمل لله تعالى من غير فتور ظاهرا وباطنا، وقلبا وقالبا، وإلا فباطنا. وترتيب ذلك أنه يصلي ما دام منشرحا ونفسه مجيبة.

فإن سئم ينزل من الصلاة إلى التلاوة، فإن مجرد التلاوة أخف على النفس من الصلاة.

فإن سئم التلاوة أيضا يذكر الله بالقلب واللسان، فهو أخف من القراءة.

فإن سئم الذكر يدع ذكر اللسان ويلازم بقلبه المراقبة، والمراقبة علم القلب ينظر الله تعالى إليه، فما دام هذا العلم ملازما لقلبه فهو مراقب، والمراقبة عين الذكر وأفضله.

فإن عجز عن ذلك أيضا وتملكه الوساوس وتزاحم في باطنه حديث النفس فلينم ففي النوم السلام، وإلا فكثرة حديث النفس تقسي القلب ككثرة الكلام، لأنه كلام من غير لسان فيحترز عن ذلك.

قال سهل بن عبد الله: أسوأ المعاصي حديث النفس.

والطالب يريد أن يعتبر باطنه كما يعتبر ظاهره، فإنه بحديث النفس وما يتخايل له من ذكر ما مضي ورأي وسمع كشخص آخر في باطنه، فيقيد الباطن بالمراقبة والرعاية، كما يقيد الظاهر بالعمل وأنواع الذكر.

ويمكن للطالب المجد أن يصلي من صلاة الضحي إلى الاستواء مائة ركعة أخري، وأقل من ذلك عشرون ركعة بصليها خفيفة، أو يقرأ في كل ركعتين جزءا من القرآن أو أقل أو أكثر.

والنوم بعد الفراغ من صلاة الضحي وبعد الفراغ من أعداد أخر من الركعات حسن.

قال سفيان: كان يعجبهم إذا فرغوا أن يناموا طلبا للسلامة.

وهذا النوم فيه فوائد، منها أنه يعين على قيام الليل.

ومنها أن النفس تستريح ويصفو النهار لبقية النهار والعمل فيه، والنفس إذا استراحت عادت جديدة. فبعد الانتباه من نوم النهار تجد في الباطن نشاطا آخر وشغفا آخر كما كان في أول النهار.

فيكون للصادق في النهار نهاران يغتنمهما بخدمة الله تعالى والدؤب في العمل.

وينبغي أن يكون انتباهه من نوم النهار قبل الزوال بساعة حتى يتمكن من الوضوء والطهارة قبل الاستواء، بحيث يكون وقت الاستواء مستقبل القبلة ذاكرا أو مسبحا أو تاليا.

قال الله تعالى {وأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ} (١) وقال {وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِها} (٢)

قيل: قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل غروبها صلاة العصر {ومِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} (٣) أراد العشاء الأخير

«وأطراف النهار» أراد الظهر والمغرب، لأن الظهر صلاة في آخر الطرف الأول من النهار، وآخر الطرف الآخر غروب الشمس وفيها صلاة المغرب، فصار الظهر آخر الطرف الأول، والمغرب آخر الطرف الآخر،

__________

١) سورة هود: آية رقم:١١٤.

٢) سورة طه: آية رقم:١٣٠.

٣) سورة الأعراف: آية رقم:١٥٥.

فيستقبل الطرف الآخر باليقظة والذكر كما استقل الطرف الأول، وقد عاد بنوم النهار جديدا كما كان بنوم الليل.

ويصلي في أول الزوال قبل السنة والفرض أربع ركعات بتسليمه واحدة كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذه صلاة الزوال قبل الظهر في أول أوقاتها، ويحتاج أن يراعي لهذه الصلاة أول الوقت بحيث يفطن للوقت قبل المؤذنين حين يذهب وقت الكراهية بالاستواء، فيشرع في صلاة الزوال ويسمع الأذان وقد توسط هذه الصلاة.

ثم يستعد لصلاة الظهر، فإن وجد في باطنه كدرا من مخالطة أو مجالسة اتفقت يستغفر الله تعالى ويتضرع إليه، ولا يشرع في صلاة الظهر إلا بعد أن يجد الباطن عائدا إلى حالة من الصفاء. والذائقون حلاوة المناجاة لابد أن يجدوا صفو الأنس في الصلاة، يتكدرون بيسير من الاسترسال في المباح، ويصير على بواطنهم من ذلك عقد وكدر.

وقد يكون ذلك بمجرد المخالطة والمجالس مع الأهل والولد مع كون ذلك عبادة، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، فلا يدخل الصلاة إلا بعد حل العقد وإذهاب الكدر، وحل العقد بصدق الإنابة والاستغفار والتضرع إلى الله تعالى.

ودواء ما يحدث من الكدر بمجالسة الأهل والولدان أن يكون في مجالسته غير راكن إليهم كل الركون، بل يسترق القلب في ذلك نظرات إلى الله تعالى، فتكون تلك النظرات كفارة لتلك المجالسة إلا أن يكون قوي الحال لا يحجبه الخلق عن الحق، فلا ينعقد على باطنه عقدة، فهو كما يدخل في الصلاة لا يجدها ويجد باطنه وقلبه، لأنه حيث استروحت نفس هذا إلى المجالسة كان استرواح نفسه منغمرا بروح قلبه، لأنه يجالس

ويخالط، وعين ظاهرة ناظرة إلى الخلق، وعين قلبه مطالعة للحضرة الإلهية، فلا ينعقد على باطنه عقدة.

وصلاة الزوال التي ذكرناها تحل العقد، وتهيئ الباطن لصلاة الظهر، فيقرأ في صلاة الزوال بمقدار سورة البقرة في النهار الطويل، وفي القصير ما يتيسر من ذلك. قال الله تعالى: {وعَشِيًّا وحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨)} (١).

وهذا هو الإظهار، فإن انتظر بعد السنة حضور الجماعة للفرض وقرأ الدعاء الذي بين الفريضة والسنة من صلاة الفجر فحسن، وكذلك ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا به إلى صلاة الفجر.

ثم إذا فرغ من صلاة الظهر يقرأ الفاتحة وآية الكرسي، ويسبح ويحمد ويكبر ثلاثا وثلاثين كما وصفنا، ولو قدر على الآيات كلها التي ذكرناها بعد صلاة الصبح وعلى الأدعية أيضا كان ذلك خيرا كثيرا وفضلا عظيما. ومن له همة ناهضة وعزيمة صادقة لا يستكثر شيئا لله تعالى.

ثم يحيي بين الظهر والعصر كما يحيي بين العشائين على الترتيب الذي ذكرناه من الصلاة والتلاوة والذكر والمراقبة.

ومن دام سهره ينام نومه خفيفة في النهار الطويل بين الظهر والعصر، ولو أحبه بين الظهر والعصر بركعتين يقرأ فيهما ربع القرآن أو يقرأ ذلك في أربع ركعات فهو خير كثير.

وإن أراد أن يحيي هذا الوقت بمائة ركعة في النهار الطويل أمكن ذلك، أو بعشرين ركعة يقرأ فيها قل هو الله أحد ألف مرة في كل ركعة خمسين، ويستاك قبل الزوال إذا كان صائما، وإن لم يكن صائما فأي وقت تغير فيه الفم.

__________

١) سورة الروم: آية رقم:١٨.

وفي الحديث «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» و عند القيام إلى الفرائض يستحب.

قيل: إن الصلاة بالسواك تفضل على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفا.

وقيل: هو خبر، وإن أراد أن يقرأ بين الصلاتين في صلاته في عشرين ركعة في كل ركعة آية أو بعض آية يقرأ في الركعة الأولى: {رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنا عَذابَ النّارِ (٢٠١)} (١).

ثم في الثانية {رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا وثَبِّتْ أَقْدامَنا واُنْصُرْنا عَلَي الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠)} (٢).

ثم {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا} (٣) إلي آخر السورة.

ثم {رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا الآية، ثم رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِيًا يُنادِي لِلْإِيمانِ} (٤) الآية.

ثم {رَبَّنا آمَنّا بِما أَنْزَلْتَ} (٥)، ثم {أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا} (٦).

ثم {فاطِرَ السَّماواتِ والْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي} (٧).

ثم {رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وما نُعْلِنُ} (٨) الآية.

ثم {وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤)} (٩).

__________

١) سورة البقرة: آية رقم:٢٠١.

٢) سورة البقرة: آية رقم:٢٥٠.

٣) سورة البقرة: آية رقم:٢٨٦.

٤) سورة آل عمران: آية رقم:١٩٣.

٥) سورة آل عمران: آية رقم:٥٣.

٦) سورة الأعراف: آية رقم:١٥٥.

٧) سورة يوسف: آية رقم:١٠١.

٨) سورة إبراهيم: آية رقم:٣٨.

٩) سورة طه: آية رقم:١١٤.

ثم {لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ} (١).

ثم {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا} (٢).

ثم {وقُلْ رَبِّ اِغْفِرْ واِرْحَمْ وأَنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ (١١٨)} (٣).

ثم {رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا} (٤).

ثم {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلي والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صالِحًا تَرْضاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ (١٩)} (٥).

ثم {يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)} (٦).

ثم {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} الآية من سورة الأحقاف.

ثم {رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنا ولِإِخْوانِنَا الَّذِينَ} (٧) الآية.

ثم {رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا} (٨).

ثم {رَبِّ اِغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا ولِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِناتِ ولا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَبارًا (٢٨)} (٩).

مهما يصل فليقرأ بهذه الآيات وبالمحافظة على هذه الآيات في الصلاة مواطئا للقلب واللسان يوشك أن يرقي إلى مقام الإحسان. ولو ردد فرد آية

__________

١) سورة الأنبياء: آية رقم:٨٧.

٢) سورة الأنبياء: آية رقم:٨٩.

٣) سورة المؤمنون: آية رقم:١١٨.

٤) سورة الفرقان: آية رقم:٧٤.

٥) سورة النمل: آية رقم:١٩.

٦) سورة غافر: آية رقم:١٩.

٧) سورة الحشر: آية رقم:١٠.

٨) سورة الممتحنة: آية رقم:٤.

٩) سورة نوح: آية رقم:٢٨.

من هذه في ركعتين من الظهر أو العصر كان في جميع الوقت مناجيا لمولاه وداعيا وتاليا ومصليا.

والدأب في العمل واستيعاب أجراء النهار بلذاذة وحلاوة من غير سآمة لا يصح إلا لعبد تزكت نفسه بكمال التقوى، والاستقصاء في الزهد في الدنيا، وانتزع منه متابعة الهوي.

ومتي بقي على الشخص من التقوى والزهد والهوي بقية لا يدوم روحه في العمل، بل ينشط وقتا ويسأم وقتا، ويتناوب النشاط والكسل فيه لبقاء متابعة شيء من الهوي بنقصان تقوى أو محبة دنيا.

وإذا صح في الزهد والتقوى فإن ترك العمل بالجوارح لا يفتر عن العمل بالقلب، فمن رام دوام الروح واستحلاء الدؤب في العمل فعليه بحسم مادة الهوي، والهوي روح النفس لا يزول ولكن تزول متابعته. والنبي عليه السلام ما استعاذ من وجود الهوي ولكن استعاذ من متابعته، فقال: «أعوذ بك من هوي متبع»

ولم يستعذ من وجود الشح فإنه طبيعة النفس، ولكن استعاذ من طاعته فقال «وشح من طاع».

ودقائق متابعة الهوي تتبين على قدر صفاء القلب وعلو الحال، فقد يكون متبعا للهوي باستحلاء مجالسة الخلق ومكالمتهم أو النظر إليهم.

وقد يتبع الهوي بتجاوز الاعتدال في النوم والأكل وغير ذلك من أقسام الهوي المتبع، وهذا شغل من ليس له شغل إلا في الدنيا.

ثم يصلي العبد قبل العصر أربع ركعات، فإن أمكنه تجديد الوضوء لكل فريضة كان أكمل وأتم، ولو اغتسل كان أفضل.

فكذلك له أثر ظاهر في تنوير الباطن وتكميل الصلاة.

ويقرأ في الأربع قبل العصر إذا زلزلت والعاديات والقارعة والهاكم، ويصلي العصر، ويجعل من قراءته في بعض الأيام والسماء ذات البروج، وسمعت أن قراءة سورة البروج في صلاة العصر أمان من الدماميل، ويقرأ بعد العصر ما ذكرنا من الآيات والدعاء وما يتيسر له من ذلك.

فإذا صلي العصر ذهب وقت التنقل بالصلاة، وبقي الأذكار والتلاوة، وأفضل من ذلك مجالسة من يزهده في الدنيا ويسدد كلامه عري التقوى من العلماء الزاهدين المتكلمين بما يقوي عزائم المريدين.

فإذا صحت نية القائل والمستمع فهذه المجالسة أفضل من الانفراد والمداومة على الأذكار، وإن عدمت هذه المجالسة وتعذرت فليتراوح بالتنقل في أنواع الأذكار، وإن كان خروجه لحوائجه وأمر معاشه في هذا الوقت يكون أفضل وأولى من خروجه في أول النهار.

ولا يخرج من المنزل إلا وهو على الوضوء، وكره جمع من العلماء تحية الطهارة بعد صلاة العصر وأجازه المشايخ والصالحون.

ويقول كلما خرج من منزله بسم الله حسبي الله لا قوة إلا بالله، اللهم إليك خرجت وأنت أخرجتني، وليقرأ الفاتحة والمعوذتين، ولا يدع أن يتصدق كل يوم بما يتيسر له ولو تمرة أو لقمة، فإن القليل بحسن النية كثير.

وروي أن عائشة رضي الله عنها أعطت السائل عنبه واحدة وقالت إن فيها لمثاقيل ذر كثير.

وجاء في الخبر: كل امرئ يوم القيامة تحت ظل صدقته.

ويكون من ذكره من العصر إلى المغرب مائة لا إله الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من قال ذلك كل يوم مائة مرة كان له عدل عشر رقاب،

وكتبتله مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت حد بأفضل مما جاء إلا أحد عمل أكثر من ذلك.

ومائة مرة لا إله إلا الله الملك الحق المبين، فقد ورد أن من قال في يومه مائة مرة: سبحان الله والحمد لله، الكلمات.

ومائة مرة سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ونحمده استغفر الله.

ومائة مرة لا إله إلا الله الملك الحق المبين.

ومائة مرة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.

ومائة أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأسأله التوبة.

ومائة مرة ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

ورأيت بعض الفقهاء من المغرب بمكة وله سبحة فيها ألف حبة في كيس له ذكر أن ورده أن يديره كل يوم اثنتي عشرة مرة بأنواع الذكر.

ونقل عن بعض الصحابة أن ذلك كان ورده بين اليوم والليلة.

ونقل عن بعض التابعين كان ورده من التسبيح ثلاثين ألفا بين اليوم والليلة وليقل مائة مرة بين اليوم والليلة هذا التسبيح: سبحان الله العلى الديان، سبحان الله شديد الأركان.

سبحان من يذهب بالليل ويأتي بالنهار، سبحان من لا يشغله شان عن شان، سبحان الله الحنان المنان، سبحان الله المسبح في كل مكان.

روي أن بعض الأبدال على شاطئ البحر فسمع في هذه الليلة: هذا التسبيح فقال من الذي أسمع صوته ولا أري شخصه؟

فقال: أنا ملك من الملائكة موكل بهذا البحر، أسبح الله تعالى بهذا التسبيح منذ خلقت.

فقلت: ما أسمك؟ فقال: مهليهيائيل، فقلت: ما ثواب هذا التسبيح؟

قال: من قاله مائة مرة لم يمت حتى يري مقعده من الجنة أو يري له وروي أن عثمان رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ والْأَرْضِ} (١).

فقال: سألتني عن شيء عظيم ما سألني غيرك، هو لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأستغفر الله الأول والآخر الظاهر الباطن، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، من قالها عشرا حين يصبح وحين يمسي أعطي ست خصال.

فأول خصلة أن يحرس من إبليس وجنوده.

الثانية أن يعطي قنطارا من الأجر.

الثالثة يرفع له درجة في الجنة.

الرابعة يزوجه الله من الحور العي.

الخامسة أثنا عشر ملكا يستغفرون له.

السادسة يكون له من الأجر كمن حج واعتمر.

__________

١) سورة الزمر: آية رقم:٦٣.

ويقول أيضا في هذا الوقت وفي أول النهار: اللهم أنت خلقتني، وأنت هديتني، وأنت تطعمني، وأنت تسقيني، وأنت تميتني، وأنت تحييني، أنت ربي لا رب لي سواك، ولا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، ويقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

ما شاء الله كل نعمة من الله، ما شاء الله الخير كله بيد الله، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله، ويقول حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.

ثم يستعد لاستقبال الليل بالوضوء والطهارة، ويقرأ المسبعات قبل الغروب، ويديم التسبيح والاستغفار بحيث تغيب الشمس وهو التسبيح والاستغفار.

و يقرأ عند الغروب أيضا والشمس والليل والمعوذتين، ويستقبل الليل كما استقبل النهار. قال الله تعالى: {وهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُورًا (٦٢)} (١).

فكما أن الليل يعقب النهار والنهار يعقب الليل ينبغي أ يكون العبد بين الذكر والشكر، يعقب أحدهما الآخر.

ولا يتخللها شيء، كما لا يتخلل بين الليل والنهار شئ. والذكر جميعه أعمال القلب، والشكر أعمال الجوارح. قال الله تعالى: {اِعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا} (٢) والله الموفق والمعين.

__________

١) سورة الفرقان: آية رقم ٦٢.

٢) سورة سبأ: آية رقم:١٣.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!