هذا نص كتاب " الدرة البيضاء في ذكر مقام القلم الأعلى" للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي، وفق مخطوط مكتبة ولي الدين، رقم 1821، مع المقارنة ببعض المخطوطات والمطبوعات الأخرى، فقط فيما يخص الكلمات والعبارات التي يمكن أن تغير المعنى. أما الهوامش والعناوين والإضافات بين (قوسين صغيرين) فهي للتوضيح، وليست من أصل النص، وكذلك التشكيل، وعلامات الترقيم، والتقسيم إلى فقرات، وإضافة العناوين [التي بين قوسين متوسطين]. وليس الغرض من هذه الطبعة تحقيق هذا الكتاب، وإصداره باللغة العربية، بل إعداده للترجمة إلى اللغة الإنكليزية ليصدر ضمن كتاب:

(The White Pearl – Names and Descriptions of the Single Monad – Volume III in “Short Treatises by Ibn al-Arabi”, Translation and Annotation by Mohamed Haj Yousef)

يعدُّ كتاب الدرة البيضاء من الكتب القديمة، التي ألفها الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي في المرحلة المغربية، أو الأندلسية، فقد صنَّفه قبل سنة 598 هـ، لأنه مذكور في كتاب عقلة المستوفز، المذكور في الأبواب الأولى من الفتوحات المكية، الذي بدأ الشيخ تأليفه في تلك السنة عندما استقرَّ في مكة المكرمة قادماً من الأندلس، بعد أن تنقَّل بين مدن المغرب، وسكن في تونس لمدة وجيزة. فربما يكون هذا الكتاب قد ألَّفه الشيخ في تونس إجابة على سؤال من أحد مريدي صاحبه الشيخ عبد العزيز المهدوي، الذي كان في زيارته هناك سنة 598 هـ (وكذلك سنة 590 هـ). فنحن نعرف أنه كتب لهم رسالة يحاورهم فيها عن الفرق بين الماهيّة والهويّة، وكذلك بدأ هناك كتابه الشهير: "إنشاء الدوائر والجداول"، ولكنَّه لم يستطع أن يكمله في تونس لأنه كان عليه أن يُكمل رحلته نحو مكة بقصد الحج، خاصة وأنه سوف يمرّ بمصر والخليل والقدس والمدينة المنوّرة، لزيارة النبيِّ محمَّد، صلَّى الله عليه وسل، قبل الحج. كذلك نعلم أنَّ بداية الفتوحات المكية - التي ذكر فيها كتاب العقلة المذكور فيه كتاب الدرة البيضاء – كانت مهداةً إلى صاحبه الشيخ عبد العزيز المهدوي.

في جميع الأحوال، يعدُّ هذا الكتاب من الكتب المؤكَّدةِ نسبتُها إلى الشيخ، رضي الله عنه؛ وهو عبارة عن جواب عن مسألة القلم الأعلى، أو العقل الأوَّل، وهو كثيراً ما يرد ضمن مجموعة من ثلاث مسائل يُفصِّل فيها الشيخ معاني العقل والنفس والجسم (أو الهيولى)، وهي التي يُكنَّى عنها: بالدرَّة البيضاء، والزمرُّدة الخضراء (والياقوتة الحمراء)، والسُّبْحة السوداء، على الترتيب. لذلك كثيراً ما نجد هذه الكتب الثلاثة في مخطوطة واحدة تُسمَّى: "المسائل الثلاث"، وقد نجدها منفردة كذلك.

كما يُلاحظ أنَّ هذه المسائل الثلاثة رُبَّما تكون هي أيضاً بدورها جزءًا من كتاب آخر يُسمَّى: "الوسائل في الأجوبة عن عيون المسائل"، وهو كتاب موجود بالفعل ويُصنَّف ضمن كتب الشيخ محي الدين، لأنه ذكره في الفهرس وفي الفتوحات المكية، وله مخطوطات كثيرة، ولكنّها غير مكتملة وبعضها عبارة عن مقاطع مختصرة من بعض أبواب الفتوحات، حيث يبدو كذلك أنَّ الشيخ قد افتتح الفتوحات ببعض هذه المسائل، من كتاب الوسائل، ولذلك نجده أيضاً بعناوين أخرى، مثل: "خطبة في نضد العالم"، أو: "خطبة في كيفية ترتيب العالم". وفي مخطوطة يوسف أغا 4868، التي سنذكرها بعد قليل، والتي يبدو أنها مكتوبة بخط الشيخ الأكبر نفسه، يقول في آخرها: "وهذه الخطبة هي خطبة الكتاب الموسوم بالوسائل في الأجوبة عن عيون المسائل".

السبب الذي يدعونا للقول بأن الدرَّة والزمرَّدة والسُّبحة هي "ثلاث مسائل" من ضمن "عيون المسائل" هو أنَّ الشيخ ذكر في آخر السُّبحة ما نصَّه: "وسنذكر طرفاً من بعض الأمور التي وُكِّل بها الأرواح التي لهذه الأفلاك في الجزء الذي فيه الجواب عن الأرواح، إن شاء الله تعالى"، مما يعني أنَّ هناك جزءً آخر (يتضمَّن الجواب عن الروح) لهذا الكتاب الذي يتضمَّن هذه الأجوبة الثلاثة، عن العقل والنفس والجسم، وهي الدرَّة والزمرّدة والسُّبحة.

ثم نجد كذلك أن بعض هذه الأجوبة مذكورة في "كتاب المعرفة" وهو كتاب "المسائل في إيضاح المسائل" الذي يبدو أن الشيخ إسماعيل بن سودكين النوري^[1] نقله عن الشيخ محي الدين، عندما التقاه بمصر أثناء قدومه من الأندلس، فسأله عن هذه المسائل الموجودة مثلا في كتاب "وسائل السائل".