موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الفرق بين الكرامة والاستدراج

ونصرتهم لدين الله، وإظهارا لقدرة الله تعالى، ليزداد الذين آمنوا إيمانا، وبيانا للناس أن القوانين الطبيعية والنواميس الكونية إنما هي من صنع الله وتقديره، وأن الأسباب لا تؤثر بذاتها؛ بل الله تعالى يخلق النتائج عند الأسباب لا بها، كم هو مذهب أهل السنة والجماعة.

وقد يقول معترض: إن تأييد الحق ونشر دين الله لا يكون بخوارق العادات، بل يكون بإقامة الدليل المنطقي والبرهان العقلي.

فنقول: نعم لا بد من نشر تعاليم الإسلام بتأييد العقل السليم والمنطق الصحيح والحجة الدامغة، ولكن التعصب والعناد يدعوان إلى أن تخرق العادات بالكرامات كما اقتضت حكمة الله أن يؤيد أنبياءه ورسله بالمعجزات إظهارا لصدقهم، وتأييدا لهم في دعوتهم، وحملا للعقول المتحجرة والقلوب المقفلة أن تخرج من جمودها، وتتحرر من تعصبها، فتفكر تفكيرا سليما مستقيما يوصلها إلى الإيمان الراسخ، واليقين الجازم. ومن هنا يظهر أن الكرامة والمعجزة تلتقيان في بعض الحكم والمقاصد، إلا أن الفارق بينهما أن المعجزة لا تكون إلا للأنبياء عليهم السّلام، والكرامة لا تكون إل للأولياء، وكلّ كرامة لولي معجزة لنبي.

الفرق بين الكرامة والاستدراج:

لا بد من التنبيه إلى الفرق بين الكرامة والاستدراج، وذلك لأننا نشاهد بعض الفسقة المنسوبين للإسلام تجري على يديهم خوارق العادات؛ مع أنهم مجاهرون بالمعصية، منحرفون عن دين الله تعالى.

فالكرامة لا تكون إلا على يد وليّ، وهو صاحب العقيدة الصحيحة، المواظب على الطاعات، المتجنب للمعاصي، المعرض عن الانهماك

في اللذات والشهوات، وهو الذي قال الله تعالى فيه: {أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وكانُو يَتَّقُونَ} [يونس: ٦٢ - ٦٣]. وأما ما يجري على يد الزنادقة والفسقة من الخوارق كطعن الجسم بالسيف وأكل النار والزجاج وغير ذلك، فهو من قبيل الاستدراج.

ثم إن الولي لا يسكن إلى الكرامة، ولا يتفاخر بها على غيره، قال العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: (إن صاحب الكرامة لا يستأنس بتلك الكرامة، بل عند ظهور الكرامة يصير خوفه من الله تعالى أشد، وحذره من قهر الله أقوى، فإنه يخاف أن يكون ذلك من باب الاستدراج.

وأما صاحب الاستدراج، فإنه يستأنس بذلك الذي يظهر عليه، ويظن أنه إنما وجد تلك الكرامة لأنه كان مستحقا لها، وحينئذ يحتقر غيره، ويتكبر عليه، ويحصل له أمن من مكر الله وعقابه، ولا يخاف سوء العاقبة، فإذا ظهر شيء من هذه الأحوال على صاحب الكرامة دل ذلك على أنها كانت استدراجا لا كرامة، فلهذا قال المحققون: أكثر ما اتفق من الانقطاع عن حضرة الله إنما وقع في مقام الكرامات، فلا جرم أن ترى المحققين يخافون من الكرامات، كما يخافون من أنواع البلاء، والذي يدل على أن الاستئناس بالكرامة قاطع عن الطريق وجوه) ثم ذكرها حتى عدّ إحدى عشرة حجة، نذكر منها واحدة.

قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى: (إنّ من اعتقد في نفسه أنه صار مستحقا لكرامة بسبب عمله، حصل لعمله وقع عظيم في قلبه، ومن كان لعمله وقع عنده كان جاهلا، ولو عرف ربه لعلم أن كل طاعات الخلق في جنب جلال الله تقصير، وكل شكرهم في جنب آلائه



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!