موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


وحدة الوجود والحلول والاتحاد ** | ** الحلول والاتحاد

وحدة الوجود والحلول والاتحاد

الحلول والاتحاد:

إن من أهم ما يتحامل به المغرضون على السادة الصوفية اتهامهم جهلا وزور بأنهم يقولون بالحلول والاتحاد، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قد حلّ في جميع أجزاء الكون؛ في البحار والجبال والصخور والأشجار والإنسان والحيوان .. إلخ، أو بمعنى أن المخلوق عين الخالق، فكل الموجودات المحسوسة والمشاهدة في هذا الكون هي ذات الله تعالى وعينه. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ولا شك أن هذا القول كفر صريح يخالف عقائد الأمة. وما كان للصوفية وهم المتحققون بالإسلام والإيمان والإحسان أن ينزلقوا إلى هذا الدرك من الضلال والكفر، وما ينبغي لمؤمن منصف أن يرميهم بهذا الكفر جزافا دون تمحيص أو تثبت، ومن غير أن يفهم مرادهم، ويطلع على عقائدهم الحقة التي ذكروها صريحة واضحة في أمهات كتبهم، كالفتوحات المكية، وإحياء علوم الدين، والرسالة القشيرية وغيرها ..

ولعل بعض المغرضين المتحاملين على الصوفية يقولون: إن هذا القول بتبرئة السادة الصوفية من فكرة الحلول والاتحاد، إنما هو تهرب من الواقع أو دفاع مغرض عن الصوفية بدافع التعصب والهوى، فهلاّ تأتون بدليل من كلامهم يبرئ ساحتهم من هذه التهم؟!.

فلبيان الحقيقة الناصعة نورد نبذا من كلام السادة الصوفية تثبت

براءتهم مما اتّهموا به من القول بالحلول والاتحاد، وتحذيرهم الناس من الوقوع في هذه العقيدة الزائغة، وتظهر بوضوح أن ما نسب إليهم من أقوال تفيد الحلول أو الاتحاد إما مدسوسة عليهم، أو مؤولة (١) بما يلائم هذه النصوص الصريحة التالية الموافقة لعقيدة أهل السنة والجماعة.

يقول الشعراني رحمه الله تعالى: (ولعمري إذا كان عبّاد الأوثان لم يتجرؤو على أن يجعلوا آلهتهم عين الله؛ بل قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فكيف يظن بأولياء الله تعالى أنهم يدّعون الاتحاد بالحق على حدّ ما تتعقله العقول الضعيفة؟! هذا كالمحال في حقهم رضي الله تعالى عنهم، إذ ما من وليّ إلا وهو يعلم أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق، وأنها خارجة عن جميع معلومات الخلائق، لأن الله بكل شيء محيط) (٢).

والحلول والاتحاد لا يكون إلا بالأجناس، والله تعالى ليس بجنس حتى يحلّ بالأجناس، وكيف يحل القديم في الحادث، والخالق في المخلوق!؟ إن كان حلول عرض في جوهر فالله تعالى ليس عرضا، وإن كان حلول جوهر في جوهر فليس الله تعالى جوهرا، وبم أن الحلول والاتحاد بين المخلوقات محال؛ إذ لا يمكن أن يصير رجلان رجلا واحد لتباينهما في الذات؛ فالتباين بين الخالق والمخلوق، وبين الصانع والصنعة، وبين الواجب الوجود والممكن الحادث أعظم وأولى لتباين الحقيقتين.

وما زال العلماء، ومحققو الصوفية يبينون بطلان القول بالحلول

__________

(١) انظر موضوعي الدس ص ٣٩٨ والتأويل ص ٤١٥ في هذا الكتاب.

(٢) اليواقيت والجواهر ج ١ ص ٨٣.

والاتحاد، وينبهون على فساده، ويحذرون من ضلاله. قال الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى في عقيدته الصغرى: (تعالى الحق أن تحله الحوادث أو يحلها) (١).

وقال في عقيدته الوسطى: (اعلم أن الله تعالى واحد بالإجماع، ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء، أو يحل هو في شيء، أو يتحد في شيء) (٢).

وقال في باب الأسرار: (لا يجوز لعارف أن يقول: أنا الله، ولو بلغ أقصى درجات القرب، وحاشا العارف من هذا القول حاشاه، إنما يقول: أنا العبد الذليل في المسير والمقيل) (٣).

وقال في الباب التاسع والستين ومائة: (القديم لا يكون قط محلا للحوادث، ولا يكون حالا في المحدث) (٤).

وقال في باب الأسرار: (من قال بالحلول فهو معلول، فإن القول بالحلول مرض لا يزول، وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد، كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل والفضول) (٥).

وقال في باب الأسرار أيضا: (الحادث لا يخلو عن الحوادث، ولو حل بالحادث القديم لصح قول أهل التجسيم، فالقديم لا يحل ولا يكون محلا) (٦).

وقال في الباب التاسع والخمسين وخمسمائة بعد كلام طويل: (وهذا يدلك على أن العالم ما هو عين الحق، ولا حل فيه الحق، إذ لو

__________

(١ - ٦) الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، كما في اليواقيت والجواهر ج ١. ص ٨٠ - ٨١.

كان عين الحق، أو حلّ فيه لما كان تعالى قديما ولا بديعا) (١).

وقال في الباب الرابع عشر وثلاثمائة: (لو صحّ أن يرقى الإنسان عن إنسانيته، والملك عن ملكيته، ويتحد بخالقه تعالى، لصحّ انقلاب الحقائق، وخرج الإله عن كونه إلها، وصار الحق خلقا، والخلق حقا، وما وثق أحد بعلم، وصار المحال واجبا، فلا سبيل إلى قلب الحقائق أبدا) (٢).

وكذلك جاء في شعره ما ينفي الحلول والاتحاد كقوله:

ودع مقالة قوم قال عالمهم ... بأنّه بالإله الواحد اتحدا

الاتحاد محال لا يقول به ... إلا جهول به عن عقله شردا

وعن حقيقته وعن شريعته ... فاعبد إلهك لا تشرك به أحدا

وقال أيضا في الباب الثاني والتسعين ومائتين: (من أعظم دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم، أن تعلم عقلا أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء، وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها، وإنما كان القمر محلا لها، فكذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه) (٣).

قال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد على أهل الوحدة والحلول والاتحاد: (حدثني الشيخ كمال الدين المراغي قال: اجتمعت، بالشيخ أبي العباس المرسي - تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي - وفاوضته

__________

(١ - ٣) الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، كما في اليواقيت والجواهر ج ١. ص ٨٠ - ٨١.

في هؤلاء الاتحادية، فوجدته شديد الإنكار عليهم، والنهي عن طريقهم، وقال: أتكون الصنعة هي عين الصانع؟!) (١).

وأما ما ورد من كلام السادة الصوفية في كتبهم مما يفيد ظاهره الحلول والاتحاد، فهو إما مدسوس عليهم، بدليل ما سبق من صريح كلامهم في نفي هذه العقيدة الضالة. وإما أنهم لم يقصدوا به القول بهذه الفكرة الخبيثة والنحلة الدخيلة، ولكن المغرضين حملوا المتشابه من كلامهم على هذا الفهم الخاطئ، ورموهم بالزندقة والكفر.

أما الراسخون في العلم والمدققون المنصفون من العلماء فقد فهموا كلامهم على معناه الصحيح الموافق لعقيدة أهل السنة والجماعة، وأدركوا تأويله بما يناسب م عرف عن الصوفية من إيمان وتقوى.

قال العلامة جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه الحاوي للفتاوي: (واعلم أنه وقع في عبارة بعض المحققين لفظ الاتحاد، إشارة منهم إلى حقيقة التوحيد، فإن الاتحاد عندهم هو المبالغة في التوحيد. والتوحيد معرفة الواحد والأحد، فاشتبه ذلك على من لا يفهم إشاراتهم، فحملوه على غير محمله؛ فغلطوا وهلكوا بذلك .. إلى أن قال: فإذن أصل الاتحاد باطل محال، مردود شرعا وعقلا وعرفا بإجماع الأنبياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين، وليس هذا مذهب الصوفية، وإنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى، فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى عليه السّلام: اتّحد ناسوته بلاهوته. وأما من حفظه الله تعالى بالعناية، فإنهم لم يعتقدوا

__________

(١) الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم التفسير للعلامة جلال الدين السيوطي ج ٢. ص ١٣٤.

اتحادا ولا حلولا، وإن وقع منهم لفظ الاتحاد فإنما يريدون به محو أنفسهم، وإثبات الحق سبحانه.

قال: وقد يذكر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات، وبقاء الموافقات، وفناء حظوظ النفس من الدنيا، وبقاء الرغبة في الآخرة، وفناء الأوصاف الذميمة، وبقاء الأوصاف الحميدة، وفناء الشك، وبقاء اليقين، وفناء الغفلة وبقاء الذكر.

قال: وأما قول أبي يزيد البسطامي رحمه الله تعالى: [سبحاني، ما أعظم شأني] فهو في معرض الحكاية عن الله، وكذلك قول من قال:

[أنا الحق] محمول على الحكاية، ولا يظنّ بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد، لأن ذلك غير مظنون بعاقل، فضلا عن المتميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات. ولا يظنّ بالعقلاء المتميزين على أهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود الشرع الغلط بالحلول والاتحاد، كما غلط النصارى في ظنهم ذلك في حق عيسى عليه السّلام. وإنما حدث ذلك في الإسلام من واقعات جهلة المتصوفة، وأما العلماء العارفون المحققون فحاشاهم من ذلك .. إلى أن قال:

والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك، فيطلق على المعنى المذموم الذي هو أخو الحلول، وهو كفر. ويطلق على مقام الفناء اصطلاحا اصطلح عليه الصوفية، ولا مشاحة في الاصطلاح، إذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح، لا محذور فيه شرعا، ولو كان ذلك ممنوعا لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد، وأنت تقول: بيني وبين صاحبي زيد اتحاد.

وكم استعمل المحدّثون والفقهاء والنحاة وغيرهم لفظ الاتحاد في معان حديثية وفقهية ونحوية.

كقول المحدّثين: اتحد مخرج الحديث.

وقول الفقهاء: اتحد نوع الماشية.

وقول النحاة: اتحد العامل لفظا أو معنى.

وحيث وقع لفظ الاتحاد من محققي الصوفية، فإنما يريدون به معنى الفناء الذي هو محو النفس، وإثبات الأمر كله لله سبحانه، لا ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد. وقد أشار إلى ذلك سيدي علي بن وفا، فقال من قصيدة له:

يظنّوا بي حلولا واتحادا ... وقلبي من سوى التوحيد خالي

فتبرأ من الاتحاد بمعنى الحلول، وقال في أبيات أخر:

وعلمك أنّ كلّ الأمر أمري ... هو المعنى المسمى باتحاد

فذكر أن المعنى الذي يريدونه بالاتحاد إذا أطلقوه، هو تسليم الأمر كله لله، وترك الإرادة معه والاختيار، والجري على مواقع أقداره من غير اعتراض، وترك نسبة شيء ما إلى غيره) (١).

ونقل الشعراني عن سيدي علي بن وفا رحمهما الله تعالى قوله:

(المراد بالاتحاد حيث جاء في كلام القوم فناء العبد في مراد الحق تعالى، كما يقال: بين فلان وفلان اتحاد، إذا عمل كل منهما بمراد صاحبه، ثم أنشد:

وعلمك أنّ كلّ الأمر أمري ... هو المعنى المسمّى باتحاد (٢)

__________

(١) الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم التفسير والحديث والأصول والنحو والإعراب وسائر الفنون للعلامة جلال الدين السيوطي صاحب التآليف الكثيرة المتوفى سنة ٩١١ هـ. ج ٢. ص ١٣٤.

(٢) اليواقيت والجواهر للشعراني ج ١. ص ٨٣.

وقال العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين شرح منازل السائرين: الدرجة الثالثة من درجات الفناء: فناء خواص الأولياء وأئمة المقربين، وهو الفناء عن إرادة السوى، شائما برق الفناء عن إرادة ما سواه، سالك سبيل الجمع على ما يحبه ويرضاه، فانيا بمراد محبوبه منه، عن مراده هو من محبوبه، فضلا عن إرادة غيره، قد اتحد مراده بمراد محبوبه، أعني المراد الديني الأمري، ل المراد الكوني القدري، فصار المرادان واحدا .. ثم قال: وليس في العقل اتحاد صحيح إلا هذا، والاتحاد في العلم والخبر. فيكون المرادان والمعلومان والمذكوران واحدا مع تباين الإرادتين والعلمين والخبرين، فغاية المحبة اتحاد مراد المحب بمراد المحبوب، وفناء إرادة المحب في مراد المحبوب. فهذا الاتحاد والفناء هو اتحاد خواص المحبين وفناؤهم؛ قد فنوا بعبادة محبوبهم، عن عبادة ما سواه، وبحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والاستعانة به والطلب منه عن حب ما سواه. ومن تحقق بهذا الفناء لا يحب إلا في الله، ولا يبغض إلا فيه، ولا يوالي إلا فيه، ولا يعادي إلا فيه، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله، ولا يرجو إلا إياه، ولا يستعين إلا به، فيكون دينه كله ظاهر وباطنا لله، ويكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، فلا يوادّ من حادّ الله ورسوله ولو كان أقرب الخلق إليه، بل:

يعادي الذي عادى من الناس كلّهم ... جميعا ولو كان الحبيب المصافيا

وحقيقة ذلك فناؤه عن هوى نفسه، وحظوظها بمراضي ربه تعالى وحقوقه، والجامع لهذا كله تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله علما ومعرفة وعملا وحالا وقصدا، وحقيقة هذا النفي والإثبات الذي تضمنته هذه

الشهادة هو الفناء والبقاء، فيفنى عن تأله ما سواه علما وإقرارا وتعبدا، ويبقى بتألهه وحده، فهذا الفناء وهذا البقاء هو حقيقة التوحيد، الذي اتفقت عليه المرسلون صلوات الله عليهم، وأنزلت به الكتب، وخلقت لأجله الخليقة، وشرعت له الشرائع، وقامت عليه سوق الجنة، وأسس عليه الخلق والأمر .. إلى أن قال: وهذا الموضع مما غلط فيه كثير من أصحاب الإرادة. والمعصوم من عصمه الله، وبالله المستعان والتوفيق والعصمة) (١).

وقال في موضع آخر: (وإن كان مشمرا للفناء العالي، وهو الفناء عن إرادة السوى، لم يبق في قلبه مراد، يزاحم مراده الديني الشرعي النبوي القرآني، بل يتحد المرادان؛ فيصير عين مراد الرب تعالى هو عين مراد العبد، وهذا حقيقة المحبة الخالصة، وفيها يكون الاتحاد الصحيح، وهو الاتحاد في المراد، لا في المريد ولا في الإرادة) (٢).

ورغم أن ابن تيمية مخاصم للسادة الصوفية، وشديد العداوة لهم، فإنه يبرّئ ساحتهم من تهمة القول بالاتحاد، ويؤول كلامهم تأويلا صحيحا سليما. أما تبرئته لساحتهم، فقد قال في فتاويه: (ليس أحد من أهل المعرفة بالله، يعتقد حلول الرب تعالى به أو بغيره من المخلوقات، ولا اتحاده به، وإن سمع شيء من ذلك منقول عن بعض أكابر الشيوخ فكثير منه مكذوب، اختلقه الأفاكون من الاتحادية المباحية، الذين أضلهم الشيطان وألحقهم بالطائفة النصرانية) (٣).

__________

(١ - ٢) مدارج السالكين شرح منازل السائرين ج ١. ص ٩٠ و ٩١ للعلامة الشهير ابن قيم الجوزية المتوفى ٧٥١ هـ.

(٣) مجموع فتاوى ابن تيمية قسم التصوف ج ١١. ص ٧٤ - ٧٥.

وقال أيضا: (كل المشايخ الذين يقتدى بهم في الدين متفقون على ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها من أن الخالق سبحانه مباين للمخلوقات. وليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، وأنه يجب إفراد القديم عن الحادث، وتمييز الخالق عن المخلوق، وهذا في كلامهم أكثر من أن يمكن ذكره هنا) (١).

وأما تأويله لكلامهم فقد قال في مجموعة رسائله: (وأما قول الشاعر في شعره:

أنا من أهوى ومن أهوى ... أنا

فهذا إنما أراد به الشاعر الاتحاد المعنوي، كاتحاد أحد المحبّين بالآخر، الذي يحب أحدهما ما يحب الآخر، ويبغض ما يبغضه، ويقول مثل ما يقول، ويفعل مثل م يفعل؛ وهذا تشابه وتماثل، لا اتحاد العين بالعين، إذا كان قد استغرق في محبوبه، حتى فني به عن رؤية نفسه، كقول الآخر:

غبت بك عنّي ... فظننت أنّك أنّي

فهذه الموافقة هي الاتحاد السائغ) (٢).

من هذه النصوص المتعددة تبين لنا أن كل ما ورد في كلام السادة الصوفية من كلمة [اتحاد] إنما يراد بها هذا الفهم السليم الذي يوافق عقيدة أهل السنة والجماعة، ولا يصح أن نحمل كلامهم على معان تخالف ما صرحوا به من تبنّيهم لعقيدة أهل السنة والجماعة. وما على

__________

(١) مجموع فتاوى ابن تيمية قسم علم السلوك ج ١٠. ص ٢٢٣.

(٢) مجموع رسائل ابن تيمية ص ٥٢.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!