موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الأمير عبد القادر الجزائري

ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة.

فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها فإنها تجف على القرب، وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر، فمعتصم المريد شيخه، فليتمسك به) (١).

ويقول الغزالي: (إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا بصّره بعيوب نفسه، فمن كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج. ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق:

الأول: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، مطلع على خفايا الآفات، ويحكّمه في نفسه، ويتبع إشاراته في مجاهداته، وهذا شأن المريد مع شيخه، والتلميذ مع أستاذه، فيعرّفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه، ويعرّفه طريق علاجها ... الخ) (٢).

الأمير عبد القادر الجزائري:

قال الأمير العارف بالله عبد القادر الجزائري في كتابه المواقف :

(الموقف المائة والواحد والخمسون: قال الله تعالى حاكيا قول موسى لخضر عليهما السّلام: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: ٦٦]: اعلم أن المريد لا ينتفع بعلوم الشيخ وأحواله إلا إذا انقاد

__________

(١) الإحياء ج ٣/ص ٦٥.

(٢) الإحياء ج ٣/ص ٥٥.

له الانقياد التام، ووقف عند أمره ونهيه، مع اعتقاده الأفضلية والأكملية، ولا يغني أحدهما عن الآخر، كحال بعض الناس يعتقد في الشيخ غاية الكمال ويظن أن ذلك يكفيه في نيل غرضه، وحصول مطلبه، وهو غير ممتثل ولا فاعل لما يأمره الشيخ به، أو ينهاه عنه.

فهذا موسى عليه السّلام، مع جلالة قدره وفخامة أمره، طلب لقاء الخضر عليه السّلام وسأل السبيل إلى لقيّه، وتجشم مشاق ومتاعب في سفره، كما قال: {لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَبًا} [الكهف: ٦٢] ومع هذا كله لمّا لم يمتثل نهي واحدا، وهو قوله: {فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: ٧٠] ما انتفع بعلوم الخضر عليه السّلام، مع يقين موسى عليه السّلام الجازم أن الخضر أعلم منه بشهادة الله تعالى، لقوله تعالى عند ما قال موسى عليه السّلام: لا أعلم أحدا أعلم مني: [بلى، عبدنا خضر] وما خصّ علما دون علم، بل عمّم.

وكان موسى عليه السّلام أولا ما علم أن استعداده لا يقبل شيئا من علوم خضر عليه السّلام. وأما خضر عليه السّلام، فإنه علم ذلك أول وهلة فقال: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: ٦٧]. وهذا من شواهد علمية الخضر عليه السّلام فلينظر العاقل إلى أدب هذين السيدين.

قال موسى عليه السّلام: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّ عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: ٦٦] أي: هل تأذن في اتباعك، لأتعلم منك؟ ففي هذه الكلمات من حلاوة الأدب ما يذوقها كل سليم الذوق.

وقال خضر عليه السّلام: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: ٧٠] وما قال: فلا تسألني، وسكت، فيبقى موسى عليه السّلام حيران متعطشا، بل وعده أنه يحدث له ذكرا، أي: علم بالحكمة فيما فعل، أو ذكرا: بمعنى: تذكرا.

فأكملية الشيخ في العلم المطلوب منه المقصود لأجله لا تغني عن المريد شيئا، إذا لم يكن ممتثلا لأوامر الشيخ، مجتنبا لنواهيه.

وما ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النفس من باهلة

وإنما تنفع أكملية الشيخ من حيث الدلالة الموصلة إلى المقصود، وإلا فالشيخ لا يعطي المريد إلا ما أعطاه له استعداده، واستعداده منطو فيه وفي أعماله، كالطبيب الماهر إذا حضر المريض وأمره بأدوية فلم يستعملها المريض، فما عسى أن تغني عنه مهارة الطبيب؟ وعدم امتثال المريض دليل على أن الله تعالى ما أراد شفاءه من علته، فإن الله إذا أراد أمرا هيأ له أسبابه.

وإنما وجب على المريد طلب الأكمل الأفضل من المشايخ خشية أن يلقي قياده بيد جاهل بالطريق الموصل إلى المقصود، فيكون ذلك عونا على هلاكه) (١).

__________

(١) المواقف ج ١/ص ٣٠٥ والأمير عبد القادر الجزائري المجاهد الكبير الذي جاهد الإفرنسيين الطغاة، ووقف سدا منيعا أمام الاستعمار الفرنسي سبعة عشر عام مجاهدا ومناضلا أشهر من أن يعرف.

وإنه لغريب على الأسماع قولنا بتصوف الأمير عبد القادر الجزائري، مع أنه من صفوتهم، وكتابه المواقف يشهد له بذلك، وله ديوان متوسط الحجم أطول قصيدة فيه الرائية وعنوانها (أستاذي الصوفي) اخترنا للقارئ بعض أبياتها:

أ مسعود جاء السعد والخير واليسر ... وولّت جيوش النحس ليس لها ذكر

أسائل كل الخلق، هل من مخبر؟ ... يحدثني عنكم، فينعشني الخبر

إلى أن دعتني همّة الشيخ من مدى ... بعيد، ألا فادن فعندي لك الذخر

فشمّرت عن ذيلي الأطار وطار بي ... جناح اشتياق، ليس يخشى له

كسر إلى أن أنخنا بالبطاح ركابنا ... وحطت بها رحلي، وتمّ لها البشر

أتاني مربّي العارفين بنفسه ... ولا عجب، فالشأن أضحى له أمر =



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!