موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


2 - وظاهر الآداب المقارنة ** | ** 3 - وظاهر الآداب اللاحقة

وباطنها: أن يطهّر قلبه بالتوبة الصادقة، ويتخلى عن جميع الأمراض القلبية، ويتبرأ من حوله وقوته، ويدخل الحضرة متحققا بذله وفقره واحتياجه إلى نفحات الله وفضله.

٢ - وظاهر الآداب المقارنة:

أن يجلس حيث انتهى به المجلس إذا كان الإخوان جلوسا، وإذا كانوا وقوفا ذكر خلفهم بذكرهم حتى ينتبه له أقربهم ويفسح له ليدخل بينهم، وينتظم في حلقتهم، فإذ أراد أن يخرج لعذر طارئ وصل بين من على جانبيه بلطف، وخرج حتى لا يقطع عليهم اشتغالهما بالذكر، وأن يكون موافقا لهم في وضعهم؛ فلا يشذ عنهم بمخالفة، وأن يجتهد في إخفاء صوته في أصواتهم حتى لا يكون مميّزا بينهم، وأن يغمض عينيه حتى لا يشغله أحد عن حضور قلبه مع الله تعالى.

وباطنها: أن يجاهد في طرد وساوس الشيطان وهواجس النفس، وأن لا يشغل قلبه أمور الدنيا، وأن يجتهد في الحضور بقلبه وهمته فيما هو فيه من الذكر وما يرد عليه من واردات وأحوال، متهيئا لما يمنّ الله به عليه من تجليات إفضاله.

٣ - وظاهر الآداب اللاحقة:

أن يستمع بعد ذلك لعشر من القرآن الكريم وللمذاكرة العلمية من الشيخ؛ فيسمع بعض النصائح والتوجيهات منه، ويصمت عن الكلام في مختلف الأمور الدنيوية وغيرها ما دام في مكان الذكر، ويمتنع عن الأعمال المنافية للآداب. وبعد الانتهاء من المذاكرة والدعاء يسلم على شيخه وإخوانه إما بالمصافحة أو بتقبيل اليد (١).

__________

(١) حكم تقبيل اليد: -

............................................................................

__________

= كثر تساؤل الناس عن حكم تقبيل اليد، وخصوصا في هذه الأيام التي كثر فيه اتباع الهوى والرأي، وضعف التحقيق العلمي السليم، لكن الذي يمحص الحقائق، ويرجع إلى الأحاديث الصحيحة، وآثار الصحابة الكرام، وأقوال الأئمة المحققين، يجد أن تقبيل يد العلماء والصالحين والأبوين جائز شرعا، بل هو مظهر من مظاهر الآداب الإسلامية في احترام أهل الفضل والتقى، وإليك بعض النصوص الصريحة في ذلك:

١ - أما ما ورد من الأحاديث: فعن صفوان بن عسال، قال: (قال يهودي لصاحبه: قم بنا إلى هذا النبي، فأتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسألا عن تسع آيات بينات، فذكر الحديث ... إلى قوله: فقبلا يده ورجله، وقالا: نشهد أنك نبي الله). رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه، والنسائي وغيرهم.

وروى أبو داود عن أم أبان بنت الوازع بن زارع، عن جدها زارع وكان في وفد عبد القيس، قال: (فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورجله). وكذلك رواه البيهقي كما في السيرة الشامية . وفيها: (ثم جاء منذر الأشج حتى أخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقبلها، وهو سيد الوفد ... ).

وفي شرح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني: (أن أبا لبابة، وكعب بن مالك، وصاحبيه، قبلوا يد النبي صلّى الله عليه وسلّم حين تاب الله عليهم) ج ١١/ص ٤٨.

٢ - وأما ما ورد من الآثار: فقد أخرج الطبراني والبيهقي والحاكم عن الشعبي: (أن زيد بن ثابت صلى على جنازة فقرّبت إليه بغلته ليركبها فجاء عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فأخذ بركابه، فقال زيد بن ثابت: خلّ عنها يا ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء، فقبّل زيد بن ثابت يد عبد الله وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).

وأخرج البخاري في الأدب المفرد من رواية عبد الرحمن بن رزين قال: (أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفا له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها). كذا في شرح البخاري لابن حجر العسقلاني ج ١١/ص ٤٨.

وعن ثابت: (أنه قبل يد أنس) وأخرج أيضا: (أن عليا قبل يد العباس ورجله). وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعي: (قلت لابن أبي أوفى: ناولني =

............................................................................

__________

= يدك التي بايعت بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فناولنيها، فقبلتها). كذا في ابن حجر المذكور.

قال ابن كثير في تاريخه - البداية والنهاية - ج ٧/ص ٥٥، في فتح بيت المقدس على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد كلام ... : (فلما وصل عمر بن الخطاب إلى الشام تلقاه أبو عبيدة ورؤوس الأمراء، كخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان، فترجّل أبو عبيدة وترجّل عمر، فأشار أبو عبيدة ليقبل يد عمر، فهمّ عمر بتقبيل رجل أبي عبيدة فكف أبو عبيدة، فكف عمر).

وفي غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للعلامة محمد السفاريني الحنبلي قال: (وفي الآداب الكبرى: وتباح المعانقة وتقبيل اليد والرأس تديّنا وتكرّما واحتراما مع أمن الشهوة) ج ١/ص ٢٨٧.

وقال الحافظ ابن الجوزي في مناقب أصحاب الحديث : (ينبغي للطالب أن يبالغ في التواضع للعالم ويذل له، قال: ومن التواضع تقبيل يده. وقبّل سفيان بن عيينة والفضيل بن عياض أحدهما يد الحسين بن علي الجعفي، والآخر رجله). كذا في شرح منظومة الآداب للسفاريني ج ١/ص ٢٨٧.

وقال أبو المعالي في شرح الهداية : (أما تقبيل يد العالم والكريم لرفده فجائز؛ وأما أن تقبّل يده لغناه، فقد روي: من تواضع لغني لغناه فقد ذهب ثلثا دينه ، وقد علمت أن الصحابة قبّلوا يد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند قدومهم من غزوة مؤتة). كذا في المصدر السابق.

أقوال الأئمة الأربعة:

الحنفية: قال العلامة ابن عابدين في حاشيته، عند كلام صاحب الدر المختار: (ولا بأس بتقبيل يد الرجل العالم والمتورع على سبيل التبرك، وقيل: سنة، قال الشرنبلالي: وعلمت أن مفاد الأحاديث سنيته أو ندبه كما أشار إليه العيني) حاشية ابن عابدين المشهورة. ج ٥/ص ٢٥٤.

وفي حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح، قال: (وفي غاية البيان عن الواقعات: تقبيل يد العالم أو السلطان العادل جائز. وورد في أحاديث ذكرها البدر العيني ... ثم قال: فعلم من مجموع ما ذكرنا إباحة تقبيل اليد ... ). ص ٢٠٩. =

............................................................................

__________

= المالكية: قال الإمام مالك: (إن كانت - قبلة يد الرجل - على وجه التكبر والتعظيم فمكروهة، وإن كانت على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز). شرح البخاري لابن حجر العسقلاني ج ١١/ص ٤٨.

الشافعية: قال الإمام النووي: (تقبيل يد الرجل لزهده، وصلاحه وعلمه، أو شرفه، أو نحو ذلك من الأمور الدينية؛ لا يكره بل يستحب، فإن كان لغناه، أو شوكته، أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة) كذا في شرح البخاري للعسقلاني ج ١١/ص ٤٨.

الحنبلية: وفي غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للعلامة السفاريني الحنبلي قال: (قال المرزوي: سألت أبا عبد الله - الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله عن قبلة اليد، فقال: إن كان على طريق التدين فلا بأس، قبّل أبو عبيدة يد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وإن كان على طريق الدنيا فلا). ج ١/ص ٢٨٧.

وأحسن ما قيل في تقبيل اليد قول ابن شرف الحكيم:

كأني إذ أوالي لثم راحته ... عجزت عن شكره حتى سددت فمي

وقال آخر في ذلك:

قبل يد الخيرة أهل التقى ... ولا تخف طعن أعاديهم

ريحانة الرحمن عبّاده ... وشمها لثم أياديهم

حكم القيام للعلماء والصالحين والوالدين:

أما حكم القيام لذوي الفضل فجائز، وهو من الآداب الإسلامية المطلوبة وقد نصت كتب الفقه في مختلف المذاهب على جوازه.

أ - نصوص السادة الشافعية: نقل العلامة الفقيه محمد الشربيني في كتابه المغني المحتاج ج ٣/ص ١٣٥: (ويسنّ القيام لأهل الفضل من علم وصلاح أو شرف أو نحو ذلك لا رياء وتفخيما. قال في الروضة: وقد ثبت فيه أحاديث صحيحة) اهـ.

وللإمام النووي رسالة خاصة سماها رسالة الترخيص بالقيام لذوي الفضل في =

............................................................................

__________

= جواز القيام للقادم، واستدل على ذلك بأحاديث كثيرة منها:

١ - أخرج أبو داود في سننه: (أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان جالس يوما فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فجلس عليه، ثم أقبلت أمه من الرضاعة فوضع لها شق ثوبه من الجانب الآخر، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام فأجلسه بين يديه).

٢ - وأخرج الإمام مالك في قصة عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه، لمّا فرّ إلى اليمن يوم الفتح ورحلت امرأته إليه حتى أعادته إلى مكة مسلما: (فلما رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم وثب إليه فرحا ورمى عليه رداءه).

٣ - وقام النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قدم جعفر من الحبشة فقال: م أدري بأيّهما أنا أسرّ بقدوم جعفر أو بفتح خيبر .

٤ - وجاء بحديث عائشة رضي الله عنها: (قدم زيد بن حارثة المدينة والنبي صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فقرع الباب فقام إليه فاعتنقه وقبله).

٥ - وأخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يحدثنا فإذا قام قمنا إليه حتى نراه قد دخل).

ب - نصوص السادة الحنفية:

نقل العلامة الفقيه المحقق ابن عابدين عند قول صاحب الدّر: وفي الوهبانية يجوز؛ بل يندب القيام تعظيما للقادم، كما يجوز القيام ولو للقارئ بين يدي العالم: (قال في القنية : قيام الجالس في المسجد لمن دخل عليه تعظيما وقيام قارئ القرآن لمن يجيء تعظيما لا يكره إذا كان ممن يستحق التعظيم. وفي مشكل الآثار : القيام لغيره ليس بمكروه لعينه، إنما المكروه محبة القيام لمن يقام له، فإن قام لمن لا يقام له لا يكره. قال ابن وهبان: أقول: وفي عصرنا ينبغي أن يستحب ذلك - أي القيام - لم يورث تركه من الحقد والبغضاء والعداوة، ولا سيما إذا كان في مكان اعتيد فيه القيام. وما ورد من التوعد عليه، في حق من يحب القيام بين يديه كما يفعله الترك والأعاجم). اهـ. حاشية ابن عابدين ج ٥/ص ٢٥٤.

ج - نصوص شراح الحديث: قال أبو سليمان الخطابي الشافعي شارحا الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي

وباطنها: أن يصمت بقلبه عن الخواطر، ويصونه عن الالتفات، منتظرا عطاء مولاه، ثم يخرج عاقدا همته، جامعا نيته على أن يعود إلى أول مجلس من مجالس ذكر الله تعالى يلي هذا الاجتماع.

__________

= سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن أهل قريظة لما نزلوا على حكم سعد أرسل إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، فجاء على حمار أقمر، فقال النبي عليه الصلاة والسّلام: قوموا إلى سيدكم أو إلى خيركم ، فجاء حتى قعد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).

قال الخطابي: (فيه من العلم أن قول الرجل لصاحبه: يا سيدي، غير محظور، إذ كان صاحبه خيّرا فاضلا، وإنما جاءت الكراهة في تسويد الرجل الفاجر، وفيه أن قيام المرؤوس للرئيس الفاضل وللولي العادل، وقيام المتعلم للعالم مستحب غير مكروه، وإنم جاءت الكراهة فيمن كان بخلاف أهل هذه الصفات).

وقال الخطابي أيضا في شرحه لحديث أبي داود الذي رواه معاوية قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من أحب أن يمثّل له الرجال قياما فليتبو مقعده من النار : (قوله صلّى الله عليه وسلّم: يمثل معناه: يقوم وينتصب بين يديه، ووجهه هو أن يأمرهم بذلك ويلزمه إياهم على مذهب الكبر والنخوة). اهـ. معالم السنن للخطابي شرح سنن أبي داود ج ٤/ص ١٥٥ - ١٥٦.

وقال العلامة السفاريني: (وفي مسند الإمام أحمد رضي الله عنه قوموا إلى سيدكم فأنزلوه لكن ينصر كون الأمر بالقيام له آخر الخبر: وكان رجال من بني الأشهل يقولون: قمنا له على أرجلنا صفين يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى رسول الله عليه الصلاة والسّلام. كما في السيرة الشامية . غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للعلامة السفاريني الحنبلي ج ١/ص ٢٧٦.

وقد أورد هذا الخبر العلامة علي بن برهان الدين الحلبي في كتابه السيرة الحلبية ج ٢/ص ٣٣٩. في بحث غزوة بني قريظة.

كما ذكره أيضا مفتي السادة الشافعية بمكة المشرفة العلامة أحمد زيني دحلان في كتابه السيرة النبوية والآثار المحمدية ج ٢/ص ١٣١.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!