موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


د - الذكر المقيد والذكر المطلق

د - الذكر المقيد والذكر المطلق:

أما الذكر المقيد:

فهو الذي ندبنا إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقيّدا بزمان خاص أو مكان خاص؛ كالذكر بعد أداء كل صلاة، من تسبيح وتحميد وتكبير، وأذكار المسافر والآكل والشارب، وأذكار النكاح، وأذكار تقال عند الشدة ودفع الآفات والمصائب، وعند المرض والموت وما يتعلق بهما، وبعد صلاة الجمعة وليلتها، وعند رؤية الهلال، وإفطار الصائم، وأذكار الحج بأنواعها، وأذكار تقال في الصباح والمساء، وعند النوم والاستيقاظ، وأذكار الجهاد في سبيل الله، وأذكار متفرقة: عند صياح الديك، ونهيق الحمار، وأذكار عند رؤية مبتلى بمرض وغيره.

هذه نبذ قليلة من الأذكار المقيدة، وإن أردت استيعابها فارجع إلى كتب الأذكار.

وأما الذكر المطلق: فهو ما لم يقيد بزمان ولا مكان، ولا وقت ولا حال، ول قيام ولا قعود، فالمطلوب من المؤمن أن يذكر ربه في كل حال حتى لا يزال لسانه رطب بذكر الله، والآيات في ذلك كثيرة منها قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: ١٥٢]. وقوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ اَللَّيْلَ واَلنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ٢٠]. وقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا الله ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلًا} [الأحزاب: ٤١ - ٤٢]. وقوله تعالى: {واَلذّاكِرِينَ الله كَثِيرًا واَلذّاكِراتِ أَعَدَّ الله لَهُمْ مَغْفِرَةً وأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٣٥]. وغيرها من الآيات التي تدعو إلى الإكثار من ذكر الله مطلقا دون تقييد بزمان ومكان، كما أن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم ندبنا إلى ذكر الله مطلقا في جميع أحوالنا وأوقاتنا.

فقد روى عبد الله بن بسر رضي الله عنه، أن رجلا قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله (١).

وقد وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقولها:

(كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر الله في كل أحيانه) (٢).

وقد دعانا عليه الصلاة والسّلام في أحاديث كثيرة إلى أنواع من صيغ الذكر من تسبيح وتهليل وتكبير واستغفار، دون أن يحدد لها وقتا معينا، أو مناسبة خاصة.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: (لم يفرض الله تعالى على عباده فريضة إل جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإنه لم يجعل له حد ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، وأمرهم بذكره في الأحوال كلها، فقال عز من قائل: {فَاذْكُرُوا الله قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِكُمْ} [النساء: ١٠٣]. وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا الله ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: ٤١]. أي بالليل والنهار، وفي البر والبحر، والسفر والحضر، والغنى والفقر، وفي الصحة والسقم، والسر والعلانية، وعلى كل حال (٣). وقد نهج الصوفية على هذا المنوال فذكروا الله في جميع أحوالهم وأطوارهم.

وكما أن الذكر منه مقيد بزمن، ومنه مطلق عن ذلك، فكذلك الذكر منه مقيد بعدد، ومنه مطلق عن العدد.

__________

(١) رواه الترمذي في كتاب الدعوات وقال: حديث حسن.

(٢) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة وفي كتاب الفضائل، والترمذي في كتاب الدعوات، وأبو داود وابن ماجه في كتاب الطهارة.

(٣) نور التحقيق ص ١٤٧.

أما المقيد بالعدد فكالتسبيح دبر كل صلاة، وكالتحميد والتكبير ...

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاث وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (١).

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة فتكتب له ألف حسنة، أو تحط عنه ألف خطيئة (٢).

وعن الأغرّ بن يسار المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة (٣).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو وعلى كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه (٤).

__________

(١) رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة.

(٢) رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الذكر والدعاء.

(٣) رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الذكر والدعاء.

(٤) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الدعوات ومسلم في كتاب الذكر.

يقول ابن علان في شرحه لهذا الحديث: (قال القاضي عياض:

ذكر هذا العدد من المائة، وهذا الحصر لهذه الأذكار دليل على أنها غاية وحدّ لهذه الأجور، ثم نبّه صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه إلى أنه يجوز أن يزاد على هذا العدد، فيكون لقائله من الفضل بحسب ذلك لئلا يظن أنها من الحدود التي نهي عن اعتدائها، وأنه لا فضل للزيادة عليها كالزيادة على ركعات السنن المحدودة وأعداد الطهارة.

وبالغ آخرون فقالوا: إن الثواب الموعود به موقوف على العدد المذكور.

قال ابن الجوزي: وهذا غلط ظاهر، وقول لا يلتفت إليه، بل الصواب أنه كم قال الشاعر: ومن زاد زاد الله في حسناته) (١).

وأما الذكر المطلق عن العدد: فهو الذي وجهنا الله تعالى إلى الإكثار منه في جميع أحوالنا وأوقاتنا دون تقييده بعدد مخصوص، كما في قوله تعالى: {يا أَيُّهَ الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا الله ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: ٤١]. وكلما علت همة المؤمن وزادت محبته لله تعالى أكثر من ذكره، لأن من أحب شيئا أكثر من ذكره.

ولا بأس للمرشد الموجه أن يرغّب المريد بأعداد معينة من الأذكار ليرفع من همته ويشد من عزيمته، ويدفع عنه الإهمال والتقاعس، وحتى يكون من المكثرين من ذكر الله تعالى.

__________

(١) الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية ج ١/ص ٢٠٩ للعلامة ابن علان الصديقي توفي سنة ١٠٥٧ هـ.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!