موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ألفاظ الذكر وصيغه ** | ** حكم الذكر بالاسم المفرد [الله]

ألفاظ الذكر وصيغه:

ذكر الله تعالى بجميع صيغه دواء لأمراض القلوب وعلل النفوس. فمن هذه الصيغ: لا إله إلا الله، ومنها الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، والاستغفار وبعض أسماء الله الحسنى، ومنها الاسم المفرد [الله]، وهكذا ... وكل هذه الأدوية مستخرجة من صيدلية القرآن والحديث.

وبما أن صيغ الأذكار كثيرة متنوعة، ولكل صيغة تأثير قلبي خاص ومفعول نفسي معين، فإن مرشدي السادة الصوفية - أطباء القلوب وورّاث الرسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم في الدعوة والتوجيه والتربية - يأذنون لمريديهم بأذكار معينة تتناسب مع أحوالهم وحاجاتهم، وترقيهم في السير إلى رضوان الله تعالى، وذلك كما يعطي الطبيب الجسماني للمريض أنواعا من الأدوية والعلاجات تتلاءم مع علله وأسقامه، ثم يبدل له الدواء حسب تقدمه نحو الشفاء، ولهذا لا بد للمريد السالك أن يكون على صلة بالمرشد، يستشيره ويذاكره، ويعرض عليه ما يجده في الذكر من فوائد روحية، وأحوال قلبية، وحظوظ نفسية، وبذلك يترقى في السير، ويتدرج في السمو الخلقي والمعارف الإلهية.

حكم الذكر بالاسم المفرد [الله]:

أما الذكر بالاسم المفرد [الله] فجائز بدليل قول الله تعالى: {وَاُذْكُرِ اِسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: ٨]. وقوله تعالى: {واُذْكُرِ اِسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وأَصِيلًا} [الدهر: ٢٥].

وقد ورد في الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك عن

النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله (١).

فهذا اسم مفرد ورد ذكره مكررا في هذا الحديث.

وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله، الله (١). قال العلامة علي القاري في شرح هذا الحديث: (أي لا يذكر الله فلا يبقى حكمة في بقاء الناس، ومن هذا يعرف أن بقاء العالم ببركة العلماء العاملين والعبّاد الصالحين وعموم المؤمنين، وهو المراد بما قال الطيبي رحمه الله:

معنى حتى لا يقال [الله، الله]: حتى لا يذكر اسم الله ولا يعبد) (٢).

ثم إن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي رغّبت في الذكر جاءت عامة ومطلقة لم تخصص ذكرا معينا، ولم يرد نص شرعي يحرّم الذكر بالاسم المفرد [الله].

ومن هنا يظهر خطأ بعض المتسرعين بالاعتراض على الذكر بالاسم المفرد بحجة أنه لم يرد به نص في الكتاب والسنة، مع أن النصوص المذكورة آنفا ظاهرة جلية كم بينا.

واعترض بعضهم أيضا على الذكر بالاسم المفرد بحجة أنه لا يؤلف جملة تامة مفيدة كما في قولنا: الله جليل.

والجواب على ذلك: أن الذاكر بهذا الاسم المفرد لا يكلم مخلوقا فلا يشترط أن يكون كلامه تاما مفيدا؛ لأنه يذكر الله سبحانه الذي هو عالم بنفسه مطلع على قلبه. ولقد نص جمهور العلماء على جواز الذكر

__________

(١) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، والترمذي في كتاب الفتن، وقال: حديث حسن، والإمام أحمد في مسنده.

(٢) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا علي القاري ج ٥/ص ٢٢٦.

بالاسم المفرد [الله]، وإليك بعض أقوالهم:

يقول العلامة ابن عابدين في حاشيته الشهيرة عند شرح البسلمة وبحثه عن لفظة [الله]: (روى هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه [أي الله] اسم الله الأعظم، وبه قال الطحاوي، وكثير من العلماء وأكثر العارفين حتى إنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق الذكر به، كما في شرح التحرير لابن أمير حاج) (١).

وقال العلامة الخادمي: (واعلم أن اسم الجلالة [الله] هو الاسم الأعظم عند أبي حنيفة والكسائي والشعبي وإسماعيل بن إسحق وأبي حفص وسائر جمهور العلماء، وهو اعتقاد جماهير مشايخ الصوفية ومحققي العارفين، فإنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق مقام الذكر باسم [الله] مجردا. قال الله لنبيه عليه الصلاة والسّلام: {قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ} [الأنعام: ٩١]).

وقال العلامة المحدث المناوي شارحا حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله تعالى يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه (٢): (فهو مع من يذكره بقلبه، ومع من يذكره بلسانه، لكن معيته مع الذكر القلبي أتم، وخص اللسان لإفهامه دخول الأعلى بالأولى، لكن محبته وذكره لما استولى على قلبه وروحه وصار معه وجليسه. ولزوم الذكر عند أهل الطريق من الأركان الموصلة إلى الله تعالى، وهو ثلاثة أقسام: ذكر العوام باللسان، وذكر الخواص بالقلب، وذكر خواص الخواص

__________

(١) حاشية ابن عابدين ج ١/ص ٥.

(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

بفنائهم عن ذكرهم عند مشاهدتهم مذكورهم، حتى يكون الحق مشهودا لهم في كل حال.

قالوا: وليس للمسافر إلى الله في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيار، وهو [الله]. وقد ورد في حقيقة الذكر وتجلياته ما لا يفهمه إلا أهل الذوق) (١).

وقال الإمام الجنيد رحمه الله: (ذاكر هذا الاسم [الله] ذاهب عن نفسه، متصل بربه، قائم بأداء حقه، ناظر إليه بقلبه، قد أحرقت أنوار الشهود صفات بشريته) (٢).

وقال سيدي أبو العباس المرسي رحمه الله: (ليكن ذكرك [الله، الله]، فإن هذ الاسم سلطان الأسماء، وله بساط وثمرة، فبساطه العلم، وثمرته النور، وليس النور مقصودا لذاته؛ بل لما يقع به من الكشف والعيان، فينبغي الإكثار من ذكره، واختياره على سائر الأذكار، لتضمنه جميع ما في [لا إله إلا الله] من العقائد والعلوم والآداب والحقائق ... إلخ) (٣).

وقال العارف بالله ابن عجيبة: (فالاسم المفرد [الله] هو سلطان الأسماء، وهو اسم الله الأعظم، ولا يزال المريد يذكره بلسانه ويهتز به حتى يمتزج بلحمه ودمه، وتسري أنواره في كلياته وجزئياته ... إلى أن قال: فينتقل الذكر إلى القلب ثم إلى الروح ثم إلى السر، فحينئذ يخرس اللسان ويصل إلى الشهود والعيان) (٤).

__________

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير للعلامة المناوي ج ٢/ص ٣٠٩.

(٢) نور التحقيق ص ١٧٤.

(٣) نور التحقيق ص ١٧٤.

(٤) تجريد ابن عجيبة على شرح متن الأجرومية ص ١٥.

فتمسّك أيها المريد الصادق بذكر الاسم المفرد [الله] إذا كنت مأذونا به من مرشد كامل، فإنه أسرع في قلع عروق النفس من منابتها من السكين الحاد.

وأما ما يراه المريد في أول سيره أثناء ذكره لهذا الاسم من حرارة وضيق فلأن نفسه لا حظّ لها من هذا الذكر، حيث إن هذا الاسم يزيل عالم الخلق من القلب ويفرغه من الأكوان.

لذا نرى المربين الكمل يأمرون مريديهم بذكر [لا إله إلا الله] في بادئ أمرهم، فإذا تمكن النفي والإثبات من قلوبهم نقلوهم إلى ذكر الاسم المفرد، وأوصوهم بملازمته ومجاهدة النفس على تحمل مرارته.

فإن لم يصبروا على هذه المرارة في ابتداء أمرهم وأهملوا ذكر الاسم المفرد وقفوا في سيرهم وحرموا خيرا عظيما بسبب فساد عزيمتهم وضعف إرادتهم.

أما إذا عزموا على ذكر هذا الاسم وصبروا واستقاموا عليه انطبع هذا الاسم في قلوبهم وارتحلت عنهم الغفلة حتى يكون الاسم ساريا في عروقهم ممزوجا بأرواحهم، ويكون المذكور تجاههم لا يغفلون إذا غفل الناس، وعندها يتحققون بمقام الإحسان الذي أشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ... .

***



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!