موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب حقائق عن التصوف

للشيخ عبد القادر عيسى الحسيني الشاذلي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الدليل عليها من القرآن الكريم ** | ** الدليل عليها من السنة

الدليل عليها من القرآن الكريم:

قال تعالى: {واُذْكُرِ اِسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: ٨].

قال العلامة أبو السعود مفسرا قوله تعالى: {واُذْكُرِ اِسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: ٨]: (ودم على ذكره تعالى ليلا ونهارا على أي وجه كان؛ من التسبيح والتهليل والتحميد ... إلى أن قال: وانقطع إليه بمجامع الهمة واستغراق العزيمة في مراقبته، وحيث لم يكن ذلك إلا بتجريد نفسه عليه الصلاة والسّلام عن العوائق الصادرة المانعة عن مراقبة الله تعالى، وقطع العلائق عما سواه) (١).

وكل أمر أمر به صلّى الله عليه وسلّم تشريع له ولأمته إلا فيما خصّ به، وخصوصياته معروفة، وهذا الأمر في هذه الآية المذكورة عام له ولأمته.

الدليل عليها من السنة:

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء؛ فيتحنّث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، ويتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء) (٢).

قال ابن أبي جمرة في شرحه لهذا الحديث: (في الحديث دليل على أن الخلوة عون للإنسان على تعبده وصلاح دينه، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما

__________

(١) تفسير العلامة أبي السعود على هامش تفسير فخر الدين الرازي ج ٨/ص ٣٣٨.

(٢) رواه البخاري في صحيحه باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

اعتزل عن الناس وخلا بنفسه، أتاه هذا الخير العظيم، وكل أحد امتثل ذلك أتاه الخير بحسب ما قسم له من مقامات الولاية.

وفيه دليل على أن الأولى بأهل البداية الخلوة والاعتزال، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان في أول أمره يخلو بنفسه.

وفيه دليل على أن البداية ليست كالنهاية، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أول ما بدئ في نبوته بالمرائي، فما زال عليه الصلاة والسّلام يرتقي في الدرجات والفضل، حتى جاءه الملك في اليقظة بالوحي، ثم ما زال يرتقي، حتى كان كقاب قوسين أو أدنى، وهي النهاية. فإذا كان هذا في الرسل فكيف به في الأتباع؟! لكن بين الرسل والأتباع فرق، وهو أن الأتباع يترقون في مقامات الولاية - ما عدا مقام النبوة، فإنه لا سبيل لهم إليها، لأن ذلك قد طوي بساطه - حتى ينتهوا إلى مقام المعرفة والرضا، وهو أعلى مقامات الولاية.

ولأجل هذا تقول الصوفية: من نال مقاما فدام عليه بأدبه ترقى إلى ما هو أعلى منه، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ أولا في التحنث ودام عليه بأدبه، إلى أن ترقى من مقام إلى مقام، حتى وصل إلى مقام النبوة، ثم أخذ في الترقي في مقامات النبوة حتى وصل به المقام إلى قاب قوسين أو أدنى كما تقدم. فالوارثون له بتلك النسبة؛ من دام منهم على التأدب في المقام الذي أقيم فيه ترقى في المقامات حيث شاء الله، عدا مقام النبوة التي لا مشاركة للغير فيها بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم) (١).

__________

(١) بهجة النفوس شرح مختصر البخاري للإمام الحافظ أبي محمد عبد الله بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي المتوفى ٦٩٩ هـ. ج ١/ص ١٠ - ١١.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!