موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الحكمة الإلهامية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو لإسحق الحكيم الرومي

وفيه مقدمة طويلة في الرد على الفلاسفة، خصوصًا منهم أرسطوطاليس وابن سينا، ثم في تكفير من قال بوحدة الوجود من الصوفية، أما باقي الكتاب فهو على أربعة فنون: فـ1ـي أحوال تعم الأجسام، فـ2ـي أحوال العناصر وما يتكون منها من الحيوانات والنباتات الخ، فـ3ـي حقائق الأفلاك وحقائق الكواكب وكيفياتها وخواصها، [فـ4ـي الالهيات]؛ ويبدو أنه من تأليف بعض الحكماء من موالي الروم، في عهد السلطان سليمان القانوني (926 هجري -974/1520 هجري -1566)، وقد اعتنق والده الإسلام

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[1] فصل في ذكر البراهين على كرية الأفلاك والأرض

واعلم أنَّ الدليل على كرية الفلك أنَّا نرى الكواكب تظهر من ناحية المشرق ، وترتفع قليلاً قليلاً إلى أن تنتهي إلى غايتها في الارتفاع ، ثمَّ تنحدر إلى غاية من ناحية المغرب قليلاً قليلاً إلى أنْ تغيبَ عن الأبصار. ثمَّ تظهر من الغد على التَّرتيب المذكور. ولا يتصور هذا إلا لجسم كري متحرك على الاستدارة . وبعبارة أخرى (...) يدل على كرية الفلك الكواكب التي تطلع من المشرق ، وترتفع إلى سمت رؤوسنا . وذلك أنَّ تلك الكواكب إذا كانت في أفق المشرق نرى نصف كرة الفلك الذي كان فوق الأرض ، فإذا ارتفعت تلك الكواكب إلى سمت رؤوسنا نرى ربعَ كرةِ الفلك الذي كانت تحت الأرض حين كانت تلك الكواكب في أفق المشرق . فإذا انحدرتْ تلك الكواكب من سمتِ رؤوسنا إلى أفق المغرب ، نرى الربع الآخر من الفلك الذي كان تحت الأرض حين كانت الكواكب المذكورة في سمتِ رؤوسنا ، فنرى نصف كرة الفلك الذي كان تحت الأرض حين كانت الكواكب المذكورة في أفق المشرق . وهذا دليل واضح على كون الفلك كرياً .

دليل آخر: إنَّا نرى استدارةَ الكواكب الأبدية الظهور حول نقطة تصلح لأنْ تكون قطباً للكل في دوائر متوازية مختلفة الصغر والكبر، على الترتيب ، بحسب البعد من تلك النقطة، إلى أن تنتهي إلى ما تطلع وتغيب ، ويزداد أزمنة الخفاء ، وينقص أزمنة الظهور، بحسب ازدياد البعد إلى أن يتساويا ، ثم يختلفا  على عكس الأول بنسبة واحدة . والدليل على كرية الأرض أنَّا نرى الكواكبَ يختلف طلوعه وغروبها باختلاف المساكن . فإنها تطلع في  المساكن الشَّرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية . فإنَّ الثَّريا تطلع في بعض البلاد المشرقية في يوم معين من أيام الشَّهور الرومية ، وتطلع في البلاد المغربية بعد ذلك بشهر وأكثر ، بحسب بعد تلك البلاد من المشرق ، وهذا ثابتٌ بإخبار السكان في البلاد المذكورة من الشَّرقية والغربية .

دليل آخر: يكون في بعض البلاد الشَّرقية كسوف ولا يرى ذلك في البلاد الغربية . وهذا ثابتٌ بإخبار السكان في البلاد المذكورة من الشَّرقية والغربية . وهذا ل يتصور إذا كانت الأرض مسطحة ، بل إنما يكون إذا كانت كرية .

دليل آخر: أنَّ السائر نحو الجنوب يظهر له من الكواكب ما كانت أبدية الخفاء عنه. وكلما ازداد سيره نحو الجنوب ازداد له ظهورية الكواكب الأبدية الخفاء ، و يستتر بعض الكواكب التي كانت أبدية الظهور له قبل سيره ، ويرى لها طلوعاً وغروباً ، وهذا محال إذا كانت الأرض مسطحة ، بل إنما يكون إذا كانت كرية .

دليل آخر: أنَّ راكب السفينة إذا قرب من الساحل ، وثم جبل شامخ ، يظهر له أولاً رأس الجبل ، ثمَّ ما تحته قليلاً قليلاً ، كأنه يطلع من البحر على التدريج ، وهكذا ترى الجبل في جميع أطراف البحر. ولو لم يكنْ البحر كرياً ، بل مسطحاً ، لرأى راكب السفينة الجبل كله دفعة واحدة ، إلا أنه يراه أقلَّ حجماً مما يراه إذا قرب منه .

ثم اعلم أنَّ كل واحدة من الجهتين : أعني جهة الفوق والسفل ، موجودة ، ذات وضع؛ لأنها لولم تكن موجودة ذات وضع لامتنعت الإشارة، وتوجه المتحرك بالحركة المستقيمة إليها. ولا يشك أحد في أنَّ الفوق والسفل مشار إليه ، والإشارة إلى المعدوم والموجود الذي لا وضع له محال . وأن الأجسام العنصرية بعضها يتحرك إلى جهة الفوق ، وبعضها يتحرك إلى جهة السفل . والمتحرك بالحركة المستقيمة إنما يتحرك إلى شيء ليحصل فيه . فقد ثبت إذاً أنَّ كلَّ واحدة من الجهتين المذكورتين  موجودة ذات وضع ، فالذي يحددهما هو الفلك الأعظم ، وغاية جهة الفوق هو السطع الظاهر منه ، وغاية جهة السفل هو مركز الأرض الذي هو مركز العالم الجسماني . وإنما يتعين الجهتان المذكورتان طبعاً ، ألا ترى أنَّ العنصرين الخفيفين يتحركان من جميع جوانب الأرض إلى جهة الفوق طبعاً ، والعنصرين الثَّقيلين يتحركان نحو المركز طبعاً . فإذا كان الجهتان المذكورتان كما وُصفتا فلا يمكن تعينهم إلا في جسم كري ، فيجب أن ينتهي الأجسام إلى جسم لا مكان له . وذلك الجسم ليس إل محدد الجهتين المذكورتين الذي هو الفلك الأعظم ن الذي هو العرش ؛ لأنه لو لم ينتهِ الأجسام إلى جسم لا مكان له، بل كان لكلِّ جسمٍ مكانٌ ، لزم أنْ يكونَ الأجسام الغير المتناهية موجودة بالفعل ، وذلك محال .



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!