موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الحكمة الإلهامية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو لإسحق الحكيم الرومي

وفيه مقدمة طويلة في الرد على الفلاسفة، خصوصًا منهم أرسطوطاليس وابن سينا، ثم في تكفير من قال بوحدة الوجود من الصوفية، أما باقي الكتاب فهو على أربعة فنون: فـ1ـي أحوال تعم الأجسام، فـ2ـي أحوال العناصر وما يتكون منها من الحيوانات والنباتات الخ، فـ3ـي حقائق الأفلاك وحقائق الكواكب وكيفياتها وخواصها، [فـ4ـي الالهيات]؛ ويبدو أنه من تأليف بعض الحكماء من موالي الروم، في عهد السلطان سليمان القانوني (926 هجري -974/1520 هجري -1566)، وقد اعتنق والده الإسلام

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[4] فصل في أنَّ لكلِّ فلك نفساً فلكية مجرَّدة عن المادة ، ونفساً فلكية جسمانية حالَّة فيه

أما أن لكل فلك نفساً جسمانية مدركة حالَّة فيه ؛ فلأنه قد ثبت أنَّ حركته إرادية، وهذه الحركة لا توجد بدونها ، لأنَّ المتحرك بالإرادة هو الذي يقصد إلى أن يفعل فعلاً معيناً. والقاصد إلى فعل معين لابدَّ أن يكون مدركاً ذلك الفعل؛ لأنَّ القصد إلى فعل بدون الإدراك محال. فإذاً إنَّ الذي يكون متحركاً بالإرادة ، يكون مدركاً، فقد ثبت بهذا أنَّ لكل فلك نفساً فلكية جسمانية مدركة حالَّة فيه محركة له . فمن قال بأنَّ المحرك للفلك هو النفس الفلكية المجردة عن المادة ، وأنَّ حركة الفلك صادرة عنها ، فلا يعلم حقيقة الحركة الإرادية ولا القسرية ؛ لأنَّه قد ثبت أنَّ حركته إرادية . فلو كان الأمر كما قال ، لكانت حركته قسرية لا إرادية . والقائل بذلك قد قال أيضاً ، بأنَّ حركته إرادية . فمن يجمع هذين القولين لم يفهمْ شيئاً من مسائل الحكمة ، بل هو مبرسم مجنون، فلا يعلم ما يقول.

والدليل بكون الفلك ذا إدراكات وإرادات كلية على أنْ يكونَ له نفس مجردة عن المادة باطل؛ لأنَّه قد ثبت فيما تقدَّم أنَّ للبهائم إدراكات وإرادات كلية . فالدليل على أنَّ للفلك نفساً مجردة كونه ذا إرادتين : أحداهم إرادة عقلية يتوجه بها إلى تحصيل أمر عقلي . وثانيتهما إرادة حسية يتوجه بها إلى تحصيل أمر حسي . فقد ثبت بهذا أنَّ للفلك نفسين أحداهما مجردة والأخرى جسمانية مدركة حالَّه فيه . أما أن له إرادة حسية ، فلأنَّ حركته ليست من الكمالات المطلوبة لذاتها ، بل لغيرها ؛ لأن ماهية الحركة أنها :كمال أول لتكون وسيلةً  إلى كمال آخر، وإذا كانت ماهيتها أنها وسيلة إلى شيء آخر استحال أنْ تكونَ هي نفس المطلوب، فثبت أنَّ مقصود الفلك من الحركة أمر سوى الحركة ؛ وذلك الأمر ليس إلا الأوضاع الفلكية . فإذاً المطلوب من حركة الفلك ليس إلا تحصيل الأوضاع . فكما أنَّ الحركة ليست من الكمالات المطلوبة لذاتها ، بل لغيرها ، كذلك الأوضاع . فالمطلوب من الأوضاع تأثير الفلك في عالم العناصر لإحداث شيء من المواليد الثَّلاثة أوغيرها ، أو تكميل شيء منها ، أو إفنائه . وقد ثبت كون تأثيرات الأوضاع في الأمور المذكورة بالوحي والإلهام والتَّجربة، فقد ثبت أنَّ للنفس الفلكية الجسمانية إرادة حسية متعلقة بالأمور المذكورة . وبعض تأثيرات الأوضاع المذكورة متعلقة بتكميل النفوس الناطقة ، أو يجعلها خسيسة دنيئةً . والإرادة المتعلقة بتكميل النفوس الناطقة هي إرادة عقلية. وقد علمت فيما تقدَّم بأنه لا يحصل شيء من الأمور العقلية في جسم ولا في نفس جسمانية . فإذاً الإرادة العقلية المتعلقة بتكميل النفوس الناطقة لا تحصل في النفس الفلكية الجسمانية ، بل في النفس الفلكية المجردة عن المادة. وقد علمت أيضاً أنَّ الإرادة الحسية لا تحصل أولاً إلا في نفسٍ جسمانيةٍ حالةٍ في الجسم ، فإذاً الإرادة الحسية المتعلقة بالأمور المذكورة لا تحصل أولاً إلا في النفس الفلكية الجسمانية .

فقد ثبت بالأدلة المذكورة أنَّ للفلك نفسين: أحداهما مجردة عن المادة متعلقة بالفلك تعلق التَّدبير والتَّصرف ، والأخرى جسمانية مدركة حالَّة في الفلك . فنسبة النفس الفلكية الجسمية إلى الفلك كنسبة النفس الحيوانية إلى الحيوان ، فكما كان به بدن الحيوان حياً ، كذلك يكون الفلك بتلك النفس حياً. إلا أنَّ موضع النفس الحيوانية هو القلب ، ومنه يتأدى الروح الحيواني  والحياة بواسطة الشرايين إلى جميع البدن . وإنَّ محل النفس الفلكية الجسمية الفلك كله ، لأنَّ أجزاء الفلك متشابهة المزاج والكيفية، كالفضة والذهب والياقوت وأمثالها من المعدنيات ، وكالأعضاء المفردة . فلو لم يكن الفلك كله محلاً لتلك النفس لكان بعض أجزائه حية وبعضها ميتة ، مع أنها متشابهة ، فذلك محال ! فالنفس الفلكية المجردة عن المادة تدرك الذوات المعقولة والمعاني الكلية والجزئية المتعلقة بها بذاتها ، وتدرك صور المحسوسات والمعاني الكلية والجزئية القائمة بها بواسطة النفس الفلكية الجسمانية . وهي لا تدرك سوى صور المحسوسات والمعاني الكلية والجزئية القائمة بها ، فكيف ل تدرك المعاني الكلية القائمة بالمحسوسات ؟ والنفس الفلكية المجردة عن المادة إنم تدرك صور المحسوسات والمعاني الكلية والجزئية القائمة بها بواسطة إدراكها إياها. وقد ثبت فيما تقدَّم أنَّ النفس الحيوانية تدرك صور المحسوسات والمعاني الكلية والجزئية القائمة بها.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!