موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الحكمة الإلهامية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو لإسحق الحكيم الرومي

وفيه مقدمة طويلة في الرد على الفلاسفة، خصوصًا منهم أرسطوطاليس وابن سينا، ثم في تكفير من قال بوحدة الوجود من الصوفية، أما باقي الكتاب فهو على أربعة فنون: فـ1ـي أحوال تعم الأجسام، فـ2ـي أحوال العناصر وما يتكون منها من الحيوانات والنباتات الخ، فـ3ـي حقائق الأفلاك وحقائق الكواكب وكيفياتها وخواصها، [فـ4ـي الالهيات]؛ ويبدو أنه من تأليف بعض الحكماء من موالي الروم، في عهد السلطان سليمان القانوني (926 هجري -974/1520 هجري -1566)، وقد اعتنق والده الإسلام

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[8] فصل في إثبات واجب الوجود

واعلم أنَّه قد علمت بالبراهين المذكورة أنَّ العالم  بجميع أجزائه محدث . فذلك يدل بالضرورة على وجود المحدِث ؛ لأنَّ وجود المحدِث مقدَّم على وجود المحُدَث . ولأنَّه لا يوجد وجود المحُدَث إلا بتأثير المحُدِث ، فلا يجوز أن يكون نفس العالم محدثةً لوجود العالم ؛ لأنَّه لو كان نفس العالم محدثة لوجود العالم لزم أَنْ يكونَ العالم موجوداً قبل وجوده ، وذلك محال. ولأنَّه لو كانَ نفس العالم مؤثرةً في وجود العالم : فإما أَنْ يكون تأثيرها بعد وجود العالم أو قبله ، فإِنْ كانَ الأول لزم تحصيل للحاصل ، وذلك محال . وإنْ كانَ الثَّاني يلزم أن يكونَ المعدوم مؤثراً في وجود العالم ، وذلك محال أيضاً .

وقد علمت أنَّ الموجود لا يخلو: إما واجب الوجود لذاته ، وإما ممكن الوجود لذاته . و علمت أيضاً أنَّ ممكن الوجود هو الذي يفتقر في وجوده إلى مؤثر، وذلك المؤثر إِنْ لم يكنْ واجب الوجود ، بل كان ممكن الوجود ، كان الكلام فيه كما في الأول . لأنَّ كل ممكن الوجود يفتقر في وجوده إلى مؤثر ، فإما أن ينتهي الاحتياج إلى واجب الوجود ، أو يدور أو يتسلسل إلى غير النهاية . فالدور والتسلسل باطل . فإذاً قد ثبت بهذا البرهان أنَّ في الخارج موجوداً واجباً لذاته يستفيد منه كلُّ ممكن وجوده .

أما الدور فهو أَنْ يحصلَ موجودان ممكنان ، بأَنْ يكون كلُّ واحد منهما علَّةً لوجود الآخر، بواسطة أو بدونها ، وذلك محال . لأنَّ العلة متقدمة على المعلول ، فلو كانَ كلُّ واحد منهما علة للآخر، لكان كل واحد منهما متقدماً على الآخر، وكلُّ متقدم على المتقدم على الشيء متقدم على ذلك الشيء . فكانَ كلُّ واحد منهما متقدماً على نفسه بمرتبتين ، فيكون كلُّ واحد منهما موجوداً قبل وجوده بمرتبتين، وذلك محال .

وأما التَّسلسل فهو أَنْ يفتقر الممكن الموجود في حصول وجوده إلى ممكن موجود آخر، وذلك الممكن الموجود إلى ممكن موجود آخر، وهكذا  يتسلسل الاحتياج إلى غير النهاية ، وذلك باطل. لأنَّه يلزمه حصول الأشياء الغير المتناهية في الوجود الخارجي، وذلك محال . وقد ثبت استحالة ذلك ببرهان التَّطبيق وغيره من البراهين.

ومجموع الممكنات ، إما أَنْ يكون واجباً لذاته أو ممكناً لذاته . والأول باطل؛ لأنَّ كل مجموع يفتقر في تحققه إلى كل واحد من آحاد ذلك المجموع ، وكلُّ واحد من تلك الآحاد ممكن لذاته ؛ والمفتقر إلى الممكن لذاته أولى بأَنْ يكون ممكناً لذاته . فذلك المجموع ممكن لذاته. وكلُّ واحدٍ من آحاده ممكن لذاته ، وكل ممكن لذاته فله مؤثر مغاير له ؛ فذلك المجموع يفتقر في وجوده بحسب مجموعه وبحسب كل واحد من آحاده إلى مؤثر مغاير له . وكلُّ ما كان مغايراً لمجموع الممكنات ، ولكل واحد من آحاده مجموع الممكنات ، لا يكون ممكناً لذاته. وكلُّ موجود لا يكون ممكناً لذاته كان واجباً لذاته .

فقد ثبت بهذا البرهان أنَّ في الخارج موجوداً واجباً لذاته ، مفيداً الوجود لكلِّ ممكن . ولما ثبت أَنَّ مجموع الممكنات ممكن لذاته ، وكلُّ ممكن لذاته فله مؤثر، لزم أَنْ يكونَ لذلك المجموع مؤثراً ، والمؤثر في ذلك المجموع : إما أَنْ يكون هو ذلك المجموع ، أو شيئاً من الأمور الداخلة فيه ، أو شيئاً من الأمور الخارجة عنه ، ل جائز أنْ يكونَ المؤثر في ذلك المجموع هو نفس ذلك المجموع ؛ لامتناع كون الشيء مؤثراً في نفسه ، ولا جائز أَنْ يكونَ المؤثر فيه شيئاً من الأمور الداخلة فيه ؛ لأنَّ كلَّ ما كان مؤثراً في وجود المركب وجب أَنْ يكونَ مؤثراً في جميع أفراد ذلك المركب . فلذلك الفرد الذي جعلناه علَّةً لذلك المركب ، لما كان أحد أفراد ذلك المركب ، لزم أَنْ يكونَ علة لنفسه ، وذلك باطل ؛ لامتناع كون الشيء علة لنفسه . ولما بطل أَنْ يكونَ علة لذلك المجموع هو نفسه ، أو فرد من أفراده الداخلة فيه ، وجب  أَنْ يكونَ علته أمراً خارجاً عنه . والخارج عن مجموع الممكنات بالذات لا يكون ممكناً لذاته . وكلُّ موجود لا يكون ممكناً لذاته وجب أن يكون واجباً لذاته. فقد ثبت بهذا البرهان ما ثبت بالبرهان السابق ، ولا يشك أحد في وجود الأشياء التي توجد وتفنى ، ولا في أنها ممكنة الوجود .

فإذا ثبت وجود الممكن فقد دلَّ بالضرورة على وجود الواجب ، لاستحالة وجود المعلول بدون وجود علته . فقد علمت بالبراهين المذكورة أَنَّ الله تعالى هو الذي يفيد الوجود لكلِّ ممكن الوجود : روحانياً كان أو جسمانياً ، جوهراً كان أو عرضاً . فإذاً هو الذي يدبر أمورَه، ويبلغه غاية كماله.

ثم اعلم أنَّ وجود الواجب وتعينه عين ذاته ، لا زائد عليها ، عارض لها ، كما كانَ في الممكنات كلها . لأنَّ وجوده لو كان غير ذاته ، لكان مفتقراً إلى غيره ، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن الوجود . فكان وجود الواجب ممكنَ الوجود، هذا خلف ! فإذاً وجود الواجب عين ذاته ، فليست ذاته إلا الوجود البحت.

واعلم أنَّ ذاته ليست مركبة ؛ لأنَّ كل ماهية مركبة من أمور فإنها مفتقرةٌ إلى كلِّ واحدٍ من أجزائها ، وكلُّ واحد من أجزائها غيرها . فكل ماهية مركبة مفتقرة إلى غيرها، وكل مفتقر إلى غيره فهو ممكن . فكل ماهية مركبة فهي ممكنة، ولا شيء من الواجب لذاته بممكن . فالواجب لذاته لا يكون مركباً أصلاً . وكل جسم وجسماني فهو مركب . وكل موجود في الخارج : إما حسي جسماني ، وإما عقلي قدسي . فإذاً إنَّ وجود الواجب ليس بجسم ولا جسماني ، بل هو قدسي الذات .

واعلم أنَّ واجب الوجود واجب من جميع جهاته ، يعني أنه ليست ذاته محلاً للأعراض، وليس له صفة منتظرة ، ولا حالة منتظرة ، لأنَّ ذاته كافية في حصول جميع ماله من الصفات والحالات . لأنها لو لم تكنْ كافيةً في حصول ذلك ، لكانت مفتقرةً إلى الغير، وكلُّ مفتقرٍ إلى الغير فهو ممكن الوجود ، فكانتْ  واجب الوجود ممكنةَ الوجود ، هذا خلف ! فإذاً ليست ذاته محلاً للأعراض ، وكلُّ م له من الصفاتِ والحالاتِ قديمة دائمة ، ليس له صفة منتظرة ، ولا حالة متنظرة ، ول يتغير ذاته ، ولا صفاته ، ولا يكون ذاته محلاً للأعراض والحوادث .

ثمَّ اعلم أنَّ واجب الوجود لذاته واحد ، لا يتصوَّر أَنْ يكون غيره واجب الوجود لذاته ، لأنَّ واجب الوجود المتعين : إما أَنْ يكون تعينه ذلك لكونه واجب الوجود ، أو لا يكون كذلك ، بل يكون لأمر غير كونه واجب الوجود . فإِنْ كانَ الأول يلزم أَنْ لا يكون واجب وجود غير ذلك المتعين ، لأنَّه كلما وجد الواجب وجد ذلك التعين ، فل يكون إلا واحداً، وهو المطلوب . وإن كان الثَّاني ، يلزم أَنْ يكونَ واجب الوجود المتعين معلولاً لغيره، وذلك محال. ولأنَّا لو فرضنا موجودين، وكانَ كلِّ واحدٍ منهما واجباً لذاته ، لا بدَّ أن يكون مشاركين في الوجوب الذاتي ، وغير مشاركين في التَّعين . لأنَّ ما به المباينة مغاير لما به المشاركة . فإذاً يكون تعين كل واحد منهما زائداً على حقيقته ، عارضاً لها . وكلُّ ما كان كذلك كان ممكناً لذاته . فإذاً لو فرضنا موجودين واجبي الوجود لكان كلُّ واحد منهما ممكناً لذاته فاللازم محال ، ففرض موجودين واجبي الوجود محالٌ أيضاً .



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!