موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

أيّام السلخ


يقول الله تعالى في سورة يس: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ (37)﴾، فيشير ابن العربي بأنّ هذا يعني أنّ الليل هو الأصل، حيث كان النهار باطناً فيه ثم سلخه الله منه فظهر إلى الوجود.[390]

وبكلمة أخرى فإنّ ابن العربي يوضّح أنّ الليل كان مثل اللباس أو الجلد على النهار، مثل جلد الشاة الذي يغطيها، وبعد ذلك يسلخ الله تعالى النهار من الليل لكي يظهر العالَم إلى نور الوجود بعد أن كان في ظلمة العدم، كما يُسلخ جلد الشاة فيظهر لحمها.[391]

ولكنّ ابن العربي يضيف أنّ الله تعالى لم يحدّد في هذه الآية أيّ نهار سُلخ من أيّة ليلة، ولذلك يجب أن نوضّح ذلك وننسب كلّ ليلة لنهارها لأنّ الأمر ليس كما يبدو لنا لأوّل وهلة أنّ كلّ نهار مسلوخ من الليلة التي يليها أو التي تليه.

من أجل أن ننسب كلّ نهار إلى ليلته الحقيقية يجب أن نعرف العلاقة الفعلية بين كلّ نهار وليلته، وهذه العلاقة كما يقول ابن العربي، تستند على الساعة الأولى من النهار والليل،[392] لأنّ كلّ ساعة من النهار والليل يحكمها أحد الكواكب الخمسة السيارة بالإضافة إلى الشمس والقمر والتي يقابل كلٌّ منها إحدى الصفات الإلهية السبع الأمهات التي تكلّمنا عنها في الفصل السابق؛ لذلك فإنّ كلّ يومٍ يُسمّى على اسم الكوكب الذي يحكم الساعة الأولى منه، كما رأينا في بداية الفصل السابق أيضاً.

على سبيل المثال:

إنّ الساعة الأولى من الأحد محكومة من قِبل الشمس، ولهذا فإنّ الأحد هو يوم الشمس كما يسمّى في العديد من اللغات مثل الإنكليزية (Sun Day = Sunday)؛ وعلى نفس الأساس فالاثنين هو يوم القمر (Moon Day = Monday)، وهكذا، مع أنّه في اللغة العربية لا توجد علاقة واضحة بين أسماء أيّام الأسبوع وأسماء الكواكب التي تحكم هذه الأيّام، لكنّ هذه العلاقة لا تزال تشكّل مبدأً أساسياً في مفهوم ابن العربي للزمن.

لكن أيضاً قبل أن نحدّد أي نهار مسلوخ من أية ليلة، يجب أن نشرح معنى سلخ الليل من النهار أو النهار من الليل، وهنا لا بدّ من الرجوع لمفهوم النكاح المعنوي بين النهار والليل كما أشرنا إليه من قبل. يعدّ ابن العربي النهار والليل مثل الأب والأم لما يخلق الله تعالى فيهما: فكلّ شيء يحدث في النهار هو مثل الولد الذي أبوه الليل وأمّه النهار، وكلّ شيء يحدث في الليل هو مثل الولد الذي أبوه النهار وأمّه الليل.[393] ولقد ذكرنا أعلاه أنّ الله تعالى قد أشار في القرآن الكريم إلى هذا المفهوم في قوله سبحانه في سورة الأعراف: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾، وقلنا أنّ كلمة يغشي تُستعمل فيما يخص النكاح.[394] ولكنّ ابن العربي يضيف هنا أيضاً أنّ الليل والنهار يتبادلان الأدوار في هذا النكاح المعنوي، فتارة يكون الليل هو الأب وتارة يكون الأم، وكذلك النهار؛ ولذلك هما متوالجان كما يقول الله تعالى في سورة الحديد مثلاً: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۚ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)﴾.

الآن يقول ابن العربي إنّ معنى مفهوم سلخ النهار من الليل هو انتقاله من حالة كونه أباً إلى حالة كونه أمّاً، وكذلك الليل. ويضيف ابن العربي أنّ الله تعالى لم يذكر بشكل صريح أنّ الليل يُسلخ أيضاً من النهار، ولكنّ ذلك مفهوماً ضمنياً.[395]

من جهة أخرى، يشير ابن العربي أنّه لكي يكون النهار والليل تابعان لليوم نفسه يجب أن يكون الحاكم على الساعة الأولى من النهار هو نفسه الحاكم على الساعة الأولى من الليل،[396] أمّا الساعات الأخرى فهي تنتمي في الحقيقة لأيّام أخرى بسبب التوالج المعقّد كما سنشرحه أدناه.

فيقول ابن العربي في الفتوحات المكية مثلاً إنّه لمّا سبحت هذه الأنجم في أفلاكها جعل الله لكلّ كوكب يوماً من أيّام حركة فلك البروج وسمّى تلك الأيّام زماناً يُعدّ به حركة الفلك، كما جعل حركة فلك البروج أيّاماً كلَّ حركة يوماً يُعدّ به مدّة الزّمان المتوهم الذي يُتوهَّم ولا يُعلم ولا يُدرك، وهو الدّهر الذي نُهينا عن سبّه وقال الناهي إن الله هو الدّهر؛ فجعله اسماً من أسمائه، فله الأسماء الحسنى جلَّ وتعالى. فعيّن لكل يوم ليلاً ونهاراً وفرّق بين كلّ ليلة ونهارها بحكم الكوكب الذي هو لليوم الذي ظهر فيه الليل أو النهار، فيُنظر لمن هي أوّل ساعة من النهار من الجواري (أي الكواكب) فهو حاكم ذلك النهار ويطلب في الليالي؛ فالليلة التي حَكم في أوّل ساعة منها ذلك الكوكب الذي حَكم في أوّل ساعة من النهار فتلك الليلة ليلة ذلك النهار وبالحساب تعرف ذلك.[397]

والآن بعد أن عرفنا معنى مفهوم السلخ نستطيع أن نحدّد أيّ نهار مسلوخ من أي ليلة؛ فكما أشرنا من قبل يعتبر ابن العربي أنّ هناك ثلاثة نهارات وثلاث ليالٍ بين النهار والليلة المسلوخ منها، وقلنا أن هذا هو السبب الحقيقي وراء كون العالَم الذي نعيش فيه ذو أبعاد ثلاثة أو جهات ستّ هي الفوق والتحت، واليمين والشمال، والأمام والخلف؛ فالأمام والفوق واليمين للنهارات الثلاثة، والخلف والشمال والتحت لليالي الثلاث.[398] وعلى ذلك نجد مثلاً أنّ نهار الأربعاء مسلوخ من ليلة الأحد، ونهار الخميس من ليلة الاثنين، وهكذا كما هو موضّح في الجدول أدناه.

 

نهار يوم ...

مسلوخ من ليلة يوم ...

 

4

الأربعاء

الأحد

1

5

الخميس

الاثنين

2

6

الجمعة

الثّلاثاء

3

7

السّبت

الأربعاء

4

1

الأحد

الخميس

5

2

الاثنين

الجمعة

6

3

الثّلاثاء

السّبت

7

الجدول 1: الفرق بين كل نهار من أيّام الأسبوع والليلة المسلوخ منها.[399]

لذلك فإنّ تدفق الزّمن بالنسبة لأيّام السلخ يختلف عنه بالنسبة لأيّام التكوير، ولكي نفهم طريقة تدفّق الزّمن وفق أيّام السلخ نضعه بشكل تخطيطي كما في الشكل التالي، والذي يحسن تخيّله في ثلاثة أبعاد من أجل فهمه بشكل أفضل:

 


الشكل 1: الأيّام المكوّرة وعلاقتها بالأيّام المسلوخة.[400]

وبالتالي هناك ثلاثة أيّام بين النهار والليلة المسلوخ منها؛ فبخلاف الأسبوع المشهود يبدأ الأسبوع (حسب أيّام السلخ) بليلة الأحد (لأنّ الليل يأتي قبل النهار) ثم نهار الأربعاء ثم ليلة الاثنين ثم نهار الخميس وهكذا، في حين أنّ الأسبوع الطبيعي يبدأ من ليلة الأحد ثمّ نهار الأحد ثمّ ليلة الاثنين ثمّ نهار الاثنين، وهكذا.


[390] كتاب أيّام الشأن: ص9، الفتوحات المكية: ج2ص647س20.

[391] الفتوحات المكية: ج1ص716س15.

[392] الفتوحات المكية: ج2ص445س32، ج3ص203س30.

[393] كتاب أيّام الشأن: ص7، الفتوحات المكية: ج2ص445س18.

[394] كتاب أيّام الشأن: ص7.

[395] كتاب أيّام الشأن: ص8، الفتوحات المكية: ج1ص141س6، ج1ص716س11.

[396] كتاب أيّام الشأن: ص10.

[397] الفتوحات المكية: ج3ص203س26، ولكنّ ابن العربي لا يبيّن كيفيّة هذا الحساب.

[398] كتاب أيّام الشأن: ص7.

[399] راجع كتاب أيّام الشأن: ص6-7.

[400] راجع كتاب أيّام الشأن: ص7.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!