وينبغي لك يا مريد أن تسعى في قضاء حوائج المسلمين، وتأخذك رقة وتجعل نفسك أقل الناس وأفقرهم إلى الله تعالى، وتبتدئ  بأهل بيتك ما استطعت، وتؤثرهم على نفسك، وتقدم حاجتهم على حاجتك جهد طاقتك، وتقدم مصالح شيخك على [مصالحك]

ثم قال (وينبغي لك يا مريد أن تسعى في قضاء حوائج المسلمين، وتأخذك رقة وتجعل نفسك أقل الناس وأفقرهم إلى الله تعالى، وتبتدئ  بأهل بيتك ما استطعت، وتؤثرهم على نفسك، وتقدم حاجتهم على حاجتك جهد طاقتك، وتقدم مصالح شيخك على [مصالحك] إن رضي منك بالسعي في ذلك، وتؤثره على نفسك حتى بقاؤه على بقاء نفسك، وتكثر التذلل والتضرع بين يديه، حتى لو قدرت أن تكون التراب الذي يمشي عليه فافعل ذلك).

أما قوله: (بالسعي في قضاء حوائج المسلمين) فيريد بذلك أن تقدم حوائج المسلمين في سعيك، وإذا تعرض لك حاجة لمسلم ضرورية، ولغير مسلم، فينبغي لك أن تقدم حاجة المسلمين، كما قدمه الله بعنايته به في إعطائه الإسلام، وحرم غيره من ذلك، فإن الله تعالى قد جعل في ذلك مراتب عينها، فيما ينبغي أن يقدم، كالجار الأقرب على الجار الأبعد، وكالزوج على الولد، وهو قطعة من الكبد، وإنما مراد القوم السعي في قضاء حوائج الخلق كلهم على الإطلاق، تخلقًا بالله تعالى في ذلك، فإن الله تعالى كل يوم هو في شأن الخلق من أوله إلى آخره، من دخل الوجود منه ومن لم يدخل، فإن متعلق الشغل إيجاد المعدوم وهو الله تعالى.

 والشغل بقضاء حوائج الخلق أتم تخلق يتخلق به [العبد]، فإنه ساعٍ في إيجاد المعدوم، لأن صاحب الحاجة ما عنده ما هو محتاج إليه، فيسعى هذا العبد في إيجاد ذلك عنده، ألا ترى البَغِي حين رأت كلبًا يلهث عطشًا، فنزعت خُفها وأخرجت به من البئر ماءً، وسقت الكلب، فشكر الله فعلها، فغفر لها بشربة كلب، فكيف لو كان إنسانًا؟ كيف لو كان مسلمًا؟ والله يقول: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ﴾ [الرحمن: 31]، فما له شغل إلا بالعالَم لأنه ما له شئون إلا فيم سواه، فهو الموجد على الدوام بيده ملكوت كل شيء، فإذا سعيت في قضاء حوائج الخلق كنت بهذه المثابة، صاحب صفة إلهية، ومن اتصف بصفة إلهية وتحلى بها، أوصلته تلك الصفة إلى رتبته ومنزلتها من الله.