---

واحفظ أمرك في ذلك جميعه، فإن حضرت عند أحد ودعيت إلى دعوة، فكُل، وإن كنت صائمًا فلا تظهر أنك صائم، وإن قللت من الأكل فهو أولى

ثم قال: (واحفظ أمرك في ذلك جميعه، فإن حضرت عند أحد ودعيت إلى دعوة، فكُل، وإن كنت صائمًا فلا تظهر أنك صائم، وإن قللت من الأكل فهو أولى).

هذه الوصية لا تصلح أن تكون لمريد بين يدي شيخ، فإنه بحكم الشيخ، وإنما هذه وصية لمن هو مع نفسه [يدبرها]، والذي دعاه إلى مثل هذا الخوف عليه من التزين عند الغير، بما هو عليه من العبادة، ورأى أن الصائم في التطوع أمير نفسه، فرأى أن الفطر له أولى من غير إعلام بصومه، وأخلص لعمله، وهذه حالة هذا الموصى، وأنه على نفسه تكلم، وأم الصحيح المعتمد عليه، أنه لا يفطر، ويبقى صائمًا ويدعو لصاحب الدعوى، فيجمع في ذلك بين الخبر وبين أمر آخر هو المطلوب، فأما الخبر قوله صلى الله عليه وسلم «إذ دُعي أحدكم إلى وليمة فيجب عليه الإجابة، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائمً فليصل»، أي: يدعو لصاحب الطعام، وأما أمره بالأكل، ومراعاة ذلك في الوجه الذي يذكره، وذلك أن الإنسان إذا شرع في عبادة فإنما هو عقد وعهد يعقده مع الله، فل ينقضه حتى يتم، فإن نقضه كان من الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، والله يقول أيضًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُو الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾[محمد: 33]، ولهذ يرى بعض العلماء أن عليه الإعادة إذ أفطر، وقد ورد [الخبر في ذلك]، فإذًا ول من تمشيته أولى من تمشية وصية هذا الشيخ بالأكل لمن كان صائمًا، [فليتنفل] هذا الشخص بالإعادة، فإنه مأمور بها شرعًا، وإذا كان مأمورً بها شرعًا فيكون في صومه الأول متطوعًا، ويكون له أجر من تطوع، ويكون في القضاء مؤديًا واجبًا، فيكون له أجر من أدى واجبًا وهو أتم، فلينوي ذلك إن أفطر ولابد، والأول أولى وهو أنه لا [يفطر]، والمشايخ رضي الله عنهم يتكلمون بما تقتضيه أحوالهم في أوقاتهم، خاصة المخصوصة بهم بخلاف الكمل منهم، فإنهم يتكلمون بما يقتضيه الوقت في حق السامع، لا في حق المتكلم. وأما قوله: (وإن قللت من الأكل فهو أولى) هذا يقتضيه طريق القوم أعني التقليل، فإن في ذلك صفاء النفس وتنشيط الجوارح، واستدامة الصحة وقلة الفضول، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه»، فحد الأكل في كل إنسان هو أن يأخذ من الغذاء على قدر ما يعلم أنه لا يضعف عن أداء ما أوجب الله عليه فيه الحركة البدنية، من صلاة وحرفة، وسعي إلى العائلة في كسب معيشة هذا لا غير.

وأما قوله: (واحفظ أمرك في ذلك جميعه) يقول: احفظ أمرك مع الله، يعني أن تقصد في ذلك جميعه القربى إلى الله، في جميع حركاتك وسكناتك، حتى في المباح الذي ل أجر فيه، ولا وزر يؤجر فيه من تكون حالته هذه، وذلك أنه يأتي المباح من حيث أنه مباح، واعتقاد ذلك واجب عليه، وإحضاره هذا الاعتقاد في زمان إتيان المباح، هو مأجور فيه أجر الوجوب، مع التصرف فيما هو مباح له التصرف فيه.