وضعف جسمك

وأما قوله: (وضعف جسمك) فذلك من قوة بعض [الأخلاط] على بعض [زيادة ونقصًا]، يضعف عن مقاومتهما ما بقي لأن الأمر لا يتم على السداد للنفس إلا باعتدال الأخلاط، فمتى ما زاد بعضها على بعض، أو نقص بعضها عن بعض، كان الضعف في الجسم، فأرادت النفس أن تقوم في أمر من الأمور الدينية التي كلفت به، فلم تستطع لما قام بالجسم من الضعف عن ذلك، فتبقى النفس معطلة عن تنفيذ إرادتها، إذ لا ينفذ إلا بم يكون بالجسم من القوة، وقد عدمت فيسمى عدمها ضعفًا.

وأما قوله: (وفتور في حواسك) فهو المسمى بالملل، ولذلك كثر الله أصناف الطاعات على المكلف، وأمرنا أن نريح هذه النفوس، وقد كان رسول الله ﷺ يتخلل أصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم، فإن الآلة إذا حفيت لا تحسن صنعة الصانع فيما يصنعه إلا بها، والقيام إلى عبادة الله بالنشاط أعظم بالحرمة، ورغبة النفس في ذلك أولى من إجبارها على ذلك كرهًا، فإذا رأيت نفسك قد فترت على فعل ما، فاعدل بها إلى فعل آخر من الطاعات ممكن تجد فيه النشاط وترغب فيه، فمن عرف هذا حصل على المطلوب من غير مجاهدة لنفسه ولا عناء، فتكون عبادته كلها في منشط عبادة المحبين، ولكن الطريق إلى ذلك يحتاج إلى علم عزيز بأنواع القرب، حتى يقلب من طاعة إلى طاعة بنشاط، فإن من أعظم الرزايا في الدين أن ينشط في فعل أغراض الطبيعة، ويتكاسل في فعل الأمور الدينية، فإن ذلك استهانة استهان بها ربه، كالذي يحسن صلاته عند رؤية الناس إياه، ولا يحسنها في خلوته، كما جاء في الخبر الصحيح، فمن عرف مداخل هذه الأمور لم يغلب على دفعها، ولا تجزع في شيء من ذلك كله إذا قام به حتى يُعرف السبب، فإذا عُرِف السبب الموجب لحصول شيء مما ذكره أو كله، حينئذ يقابله بما ينبغي.