---

خط خطًا مستقيمًا، وخط على جنبات الخط خطوطًا هكذا، ثم تلى قوله تعالى ﴿وَأَنَّ هَذَ صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾ ووضع أصبعه على الخط المستقيم

وأما قوله: بالاعتراف بما هو عليه من التقصير، فهذا قول بعضهم ممن لا حقيقة عنده، فإن الأئمة قالوا في هذا القول للسائل: إن هذا الشيخ أمرك بالمجوسية المحضة، هلا أمرك بالأعمال على شهود مجريها [وممضيها؟] كما هو الأمر في نفسه، فإنه إن كشف لك على قول هذا الشيخ الأمر بالتقصير، فقد كشف لك الأمر على ما ليس عليه، ولُبس عليك، كما لبسَّت أنت على نفسك أولاً في ذلك، فإن كشف لك على قول الأئمة، ورأيت الحق حقًا وكنت صاحب علم.

وأما نهيه ألا تلتفت إلى ما يعرض لك عن يمين الطريق وشماله، فهو حسن من وجه، وليس بحسن من وجه، فإنه لا يلزم الملتفت عن يمينه وشماله أن يكون ماشيًا على ما يلتفت إليه، بل يكون مستقيم المشي مع وجود هنا الالتفات، بل يفوته علم كثير إذا لم يلتفت، فإنه إذا لم يلتفت لم يعلم ما يحذر منه، فإن أراد بالالتفات هذا المشي على ما التفت إليه من يمين وشمال فهو حسن، فإن النبي ﷺ «خط خطًا مستقيمًا، وخط على جنبات الخط خطوطًا هكذا، ثم تلى قوله تعالى ﴿وَأَنَّ هَذَ صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾ ووضع أصبعه على الخط المستقيم ﴿وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ [الأنعام: 153]، وأشار إلى الخطوط التي عن جنباته فتفرق بكم، يعني الطريق عن سبيله، ووضع أصبعه على الطريق المستقيم ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[الأنعام: 151] المشي في هذه السبل».

فانظر ما أحسن قوله: «ولا تتبعوا» وما قال: ولا تلتفتوا، بل يجب الالتفات لتعرف قدر طريق النجاة؛ لأنه من لم يعرف حقيقة أمر يحذر منه، فهو يلتفت ولا يتبع، وما أراد إلا عين الشرع الذي جاء به، فإن الله تعالى أمرنا بالإيمان به والمشي عليه، وأمرنا بالإيمان بغيره من السُبل، وما أمرنا بالمشي عليها، وليست السبل سوى الشرائع المتقدمة، فكيف لا نلتفت إلى ما أمرنا بالإيمان به، ولا يلزم الاتباع لكل ما آمنت به، بل نحن واقفون مع قوله تعالى في كتابه، أو على لسان رسوله، فما أمرن بالمشي فيه مشينا، وبالتأخير عنه تأخرنا، وما أبان لنا ما خالف طريقهم المستقيم الخاص المعلوم شرع سيدنا محمد ﷺ؛ إلا لنعلمه ولا نعلمه؛ إلا بالنظر إليه لا بالمشي فيه.