وأما قولي

وأما قولي لك: [يفوتك إن لم تلتفت علم كثير] لأنك إذا لم تلتفت لم تعلم ما أنت عليه في طريقك، مما يختص بالشرع المحمدي مما لم يختص به، وكان شرعًا لمن قبله، وقرره سيدنا محمد ﷺ فنقول عند ذلك أنك وارث سيدنا محمد ﷺ مطلقً وليس كذلك  فإنه ما يرث سيدنا محمد ﷺ إلا رجلان، الواحد منهما يرثه فيما يختص به مما لم يكن شرعًا لمن قبله، والرجل الثاني من يرثه في الجمعية لذلك كله من حيث ما هو جامع، لا من حيث التفصيل، فإذا ورثه السالك على طريقه في شرع قرره، قد كان شرعًا لمن قبله، فإن لم يلتفت لم يعلم لأي نبي كان، ولا يكون هذا الوارث وارثًا، إلا لذلك النبي الذي كان هذا شرعه، فيكون مثلاً عيسويًا، أو موسويًا، أو خليليًا، وهو يقول إنه محمدي، فيغلط في ذلك، نعم، وهذا يكون من جملة السُبل والشرائع الحكمية، التي لم يأت بها الرسل وابتدعها الحكماء في الفترات لمصالح العباد، وقد قرر الشرع المنزل من الله تعالى أمرها فقال: ﴿رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَ كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [الحديد: 27]، فقد يكون هذا وارثًا لذلك الحكيم من شرع سيدنا محمد ﷺ فيفرق بين الشرائع الإلهية والشرائع الفكرية، ولا يختلط عليه الأمر، فيختلط عليه النسب، فلا يعرف نسبه فيكون متلُوفًا، فلو كان صاحب هذه الوصية صاحب إشراف على المقامات، والمراتب والمنازل، ما جرت وصيته على هذا، فهو رجل يتكلم مع نفسه في شهوده، لا من جهة ما هو الأمر عليه، وما كل سامع يكون على مزاجه وحاله، فإن الناس يتفاضلون في ذلك كما تفاضلت الرسل، فجعل الله لكل رسول شِرعة ومنهاجًا، فما اتحدت الشرائع، كذلك السامعون ما اتحدوا، ألا ترى كيف يرد الحديث الواحد عن رسول الله ﷺ ويختلف السامعون في تأويله، فيفهم منه الواحد ما لا يفهم منه الآخر، وهذا سامع، وهذا سامع، كما يتفق أيضًا أن السامعان فيه إذا كان فهمهما واحد يكون مزاجهما متقاربان، ولولا ذلك ما اختلفت الأئمة في الشرع الواحد، فأين مذهب الشافعي من مذهب الحنفي، فيما اختلفا والشارع واحد، ولابد أن يكون الشارع لو عرضت تلك المسألة المعينة، التي اختلف فيها أبوحنيفة والشافعي بقول أحد الإمامين، أو بأمر ثالث خارج عنهما، فإن الواحد لا يحكم بالشيء ونقيضه بنفسه في العين الواحد، وإن قرر حكم كل واحد منه، فهو لا يحكم إلا بأمر واحد خاصة فافهم ذلك.