كن ذاكرًا لأحوالك منذ خلقت، ولما صدر منك، وانظر فيم أنعم الله به عليك، وعظم ذلك في قلبك تعظيمًا

ثم قال في وصيته: (كن ذاكرًا لأحوالك منذ خلقت، ولما صدر منك، وانظر فيم أنعم الله به عليك، وعظم ذلك في قلبك تعظيمًا) يقول لك: يكون وارد وقتك ذكر ما مضى من أحوالك وتقلباتها، إذا علمت أنك تجبر بذلك الذكر ما انكسر فيما مضى من حالك، فتنظر فيما خلقت بالاعتبار، وتنظر فيما صدر منك بالإجبار، ومعنى بالاعتبار: أن تجوز بنظرك في ذلك  إلى من هو حي بعلمه، وما هو إلا الحق ل غير، إذ لا غير.

وقوله: (منذ خُلقت) أي: منذ ظهرت إذ كنت أنت عين الصورة التي تجلى فيها، فتعلم ما أنت، وما حكمت به عليك لتعلم الأمر على ما عليه، فيزول عنك اللبس الذي على غيرك، فما صدر عنك؛ إلا ما هو لك، فلا تضف إلى الحق ما ليس له فتكون من الجاهلين، وهذا المدرك مدرك صعب يحتاج إلى أدب كبير، وصاحب الأدب فيه عزيز، فإنه مزلة الأقدام، ولهذا استدرك صاحب الوصية سواءً علم ذلك أو لم يعلمه، بقوله: (وانظر فيما أنعم الله عليك وعظمه تعظيمًا) فإن ذلك من شعائر الله وحرماته، فيشغلك بالنظر في نعم الله لئلا تعثر على حقيقة الأمر، فتترك الأدب بأن تنسب إلى الله م هو لك فيما لا يرضى ولا يُحمد، فأعطاك هنا الدواء لأجل هذه العلة والمرض، فإنه مهلك وصاحبه صاحب زمانة، فإن كل طائفة ما عدا هذه الطائفة التي يثني عليها كلهم زَمْنَى، لا ينجح فيهم دواء، فلهذه الطائفة الصحة التي لا تقبل المرض من جهة، وتلك الزمانة التي في الباقين لا ينجع فيها دواء، ثم قال بعد تأكيده بألفاظ يحتاج الخوض فيها إلى طول.

(فالزم الباب بأدب ولا تخل بشيء من آداب الشرع أصلاً، فإن أخللت بشيء من الآداب أنت أو غيرك كانت العقوبة إليه سريعًا، فالزم حلقة الباب، وزن حركاتك بميزان الشرع) يقول لك في وصيته بلزوم الباب وحلقته، ما قال الله تعالى: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى﴾ [البقرة: 256]، وهو من حلقة الباب، وذلك هو الإيمان، والباب الإسلام، وبالباب وحلقته تكون السعادة للعبد، وإنما قيد الإيمان بالله والكفر بالطاغوت فإنه يقول في حق قوم: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ﴾ [العنكبوت: 52]، فسماهم مؤمنين كما قال: ﴿ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ﴾ فسماهم بالكافرين، كما سمى الكافر بالله كافرًا، فلما وقع الاشتراك في الاسم لذلك قيد بيان [لغاية] الإطلاق.