---

فبادر إلى الوقوف بين يديه، واجعل التراب على رأسك، والصق رأسك و خدك بالتراب، وقليل ذلك، فلو أهلكت نفسك شكرًا لله

وقال هذا الرجل لهذا المريد: فما اعتنى الله بك بحضورك بين يدي هذا السيد محمد ﷺ في واقعتك؛ إلا بهمة من ذكره من الشيخ، وشيخ الشيخ، وإخوان الشيخ، وغلمان الشيخ.

ثم قال له بعد ذلك: (فبادر إلى الوقوف بين يديه، واجعل التراب على رأسك، والصق رأسك و خدك بالتراب، وقليل ذلك، فلو أهلكت نفسك شكرًا لله سبحانه وتعالى على ذلك لما سبق لك في الأزل، وجعل شيخك سببًا لإظهار ذلك على يديه) يقول رضي الله عنه: إذا رأيت في المشهد سيدك محمد ﷺ فبادر إلى الوقوف بين يديه، يقول ذلك لترى م يأمرك به، فإنه ما جاء سُدى، فإنه إما بشير، وإما نذير، وهو السراج المنير، فيعطيك بإنارته بحسب حالك الذي أنت عليه، وإن كنت على حالة بِشر كان بشير خير في حقك، وإن كنت على حالة غير مرضية كان نذير في حقك، أي: معلمًا لك لترجع عن ذلك ما دمت في موطن قبول التربية، وهو الحياة الدنيا، فما تعرف حالك في وقوفك بين يديه؛ إلا بم يأمرك به، فتعلم أنه ما أعطاك ما فهمت عنه في وقوفك بين يديه؛ إلا حالك، فمن حالك خاطبك، فكن بحسب ما يقتضيه ذلك الخطاب فهو الذي اقتضاه الحال.

وأما قوله: (واجعل التراب على رأسك) فإن الأرض أمك، فمن التراب خلق الله جسدك، ومن مزاجه ظهرت صورة روحك ولطيفتك ،وواجب على الولد بره بأمه، فإن الشارع ﷺ قد أكد ذلك لك، فقال رجل لرسول الله ﷺ مَن أُبر؟ قال: «أمك، ثم عاد عليه، مَن أبر؟ قال: أمك، ثم عاد عليه الثالث، فقال: مَن أبر؟ قال: أمك، ثم قال في الرابعة: ثم أباك»، وهو الروح الكلي الذي أعطى هذا الروح الجزئي الخارج على صورة مزاج البدن، كما يتكون الجنين في رحم الأم، وهو من الأب ما لا صورة له سوى عينيه، فلا يكسب الصورة إلا في الأم، فهي أظهرته، فكان بره بها أعظم، وإن أردت تعظيم شيء جعلته على رأسك أي أعطيته مرتبة العلو منك عليك تعطي لا تشك، فإنها بارة بك، كذا قال رسول الله ﷺ حين أمر بإكرامها، أعني الأرض، فقال: «إنها بارة بك».