موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الأجوبة العربية في شرح النصائح اليوسفية

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

ويعرف هذا الكتاب أيضاً باسم: شرح روحية الشيخ على الكردى

 

 


والصق خدك بالتراب

وأما قوله: (والصق خدك بالتراب) فهو قوله عليه الصلاة والسلام: «الجنة تحت أقدام الأمهات»، فإذا جعلت خدك مقام أقدام أمك، وقدم أمك ملصق بالتراب، فقد أنزل التراب منزلة الجنة، فإن الجنة تحت أقدام الأمهات، وهو إما مقام الغنى بالله، فيكون من أترب الرجل: إذا استغنى، وأما مقام الفقر إلى الله، فهو من: ترب الرجل إذ افتقر، فلذلك أمرك أن تلصق خدك بالتراب، أي: تجعل صفتك الغنى بالله، أو الفقر إلى الله، ومن رزقه الله الغنى به أو الفقر إليه، فتلك نعمة لا يقوم أحد بشكرها أبدًا، فإنك في الحالين ما شغلك إلا به، ألا ترى النبي ﷺ ما قام حتى تورمت قدماه في عبادة الله؛ إلا في الشكر لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقيل له في الرفق في نفسه، فقال عليه الصلاة والسلام: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»، فيكون من القليل، فإن الله تعالى يقول: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]، وأما الشاكر فكثير، والله قد نعت نفسه بالشاكر، والشكور بمزيد النعم، ومن العبيد بمزيد العمل.

وقوله: (ولو أهلكت نفسك شكرًا لله سبحانه وتعالى) وما فعله ذلك المريد بمِنى، وكان فقيرًا صادقًا، ففاته لفقره من مناسك الحج القربان، فإنه لم يكن عنده ما يشتري به قربانًا يذبحه أو ينحره، فقال: إلهي تقرب إليك أهل [الجدة]، بما وصلت إليه أيديهم بما أنعمت به عليهم من الثروة، وعبدك فقيرلا شيء له، فاقبل اللهم نفسي قربانًا بأن تأخذها إليك، ووضع خده في الأرض، كم يضجع الكبش للذبح، وشهق فمات، فكانت نفسه قربانه في ذلك اليوم شكرًا لله تعالى، فهذا معنى قوله: ولو أهلكت نفسك شكرًا لم سبق لك في الأزل من إحضار هذا الرسول في مشهدك الإلهي.

ثم قال: (في إلصاق خده بالتراب، فإذا جلست وإلا قدم ما أنت عليه من وضع الخد على الأرض، ووضع التراب على الرأس إلى أن يأمرك الرسول برفع وجهك عن التراب، فانفض التراب عن رأسك، فإذا جلست فاجلس حيث يؤمر بك أن تجلس فيه، منكسر الهمة مطرقًا، متواطي الرأس) هذه إشارة إلى ما هو الحق عليه مع الخلق فإنه بالعالم ظهرت أسماؤه، وبالخلق ظهر حكمه فيهم، فما أضاف الجلوس إليه، وإنما قال له: فإذا جلست وإلا قدم على حالك، والحال الإلهي الذي أشار بالدوام هنا قوله: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، وهذه حالة لا تقتضي الدوام، فلابد أن تجلس، فليكن الذي يجلسه الرسول الذي أشهده.

وقوله: (ألا يجلس إلا حيث أُمر بالجلوس فيه) هو قولنا: لا تحكم على الخلق إلا بما أعطاه الحق، فهو الحاكم المحكوم.

وقوله: (فانفض التراب عن رأسك) يشير إلى أن يرد كل شيء إلى أصله، فما هو للحق بما هو حق رده إليه، وما للخلق بما هو خلق رده إليه.

وقوله: (متواطي الرأس منكسر الهمة) وإن كان قد مضى تفسيره، فهو هنا تواطي الرأس عبارة عن لين الجانب مع الرفعة، التي أنت عليها، أي: لا تظهر للناس علو مرتبتك التي لو ظهر لم يصل إليها غيرك، فتكون مع الناس بحيث هم، كنزول الحق إلى عباده إلى سماء الدنيا في القرب إليهم ومنهم، من مستواه الرحماني، ولو استوى بغير هذا الاسم ما نزل أصلاً، كذلك ما أجلسه إلا رحمة بك، ولذلك قبلت أن تكون متواطي الرأس، لين الجانب، لمن أرادك، أين مقام منزل موسى صلى الله عليه وسلم من ربه إذ كلمه على الاختصاص، وأعلى منزلته، من لينه لفرعون في قوله حين دعاه، فانظر في حكمة هذا اللين تجدها في دعواه الربوبية، وموسى على كل حال خلق في نفسه، وحاله وذاته، فلابد من لين الجانب تحت عز ما ادعاه من الربوبية فرعون، فما دعاه باللين؛ إلا في المقام الذي يستحق ذلك، ورجال الله بحيث مقاماتهم وأحوالهم لا بحيث ذواتهم، ولو لم يدع الربوبية، ما بعث له باللين من العزة التي كان عليها موسى بالكلام، وهارون مؤيد موسى، فله عزة التأييد، فلو قابلا عزة فرعون بعزتهم لتصادموا، ولم تقع المنفعة لفرعون في قوله: ﴿آمَنتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾ [يونس: 90]، وهو قوله: ﴿لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44]، فخشي، فإن الله لا يرجو ما لا يقع.

وأما انكسار الهمة في هذا الموطن، فإن الهمة إذا تعلقت بما ليس بحاصل في الوقت، فإنها تطلب النفوذ إلى مشاهدة من تعلقت به وتحصيله، فإذا رأى صاحب الهمة مطلوبه في نفسه زالت همته، وانكسرت عن طلب النفوذ وهو قوله:

قَد يَرحَلُ المَرءُ لِمَطلوبِهِ

 

وَالسَبَبُ المَطلوبُ في الراحِلِ

فإذا انكشف لك أن مطلوبك ليس غير عينك، وعينك ما فارقك، لأنه أنت، فما لهمتك متعلق خارج عنك، وهذا أعطاه الشهود الذي ذكره، والله أعلم.

 ثم قال رحمه الله بعد تحصيل هذ الحال: (وتُظهر التذلل والانكسار والمسكنة لمن يتكلم معك ويُشير إليك) يقـول لمـا رأيت نفسك حقـًا، والذين ينظرون إليك خلقًا، وجب عليك النزول عليهم، حتى يستفيدوا من نوالك.

وكذلك تمم في وصيته فقال: (ولا ترفع رأسك إلى أحد منهم، فإنهم لن يصلوا إليك إن فعلت ذلك، وهم يطلبونك، وإن رفعت رأسك إليهم أخذتهم العزة في أنفسهم، فتخيلوا أنهم أرفع منك، فيجهلوك، فلا ينتفعون بك، فإذا كان نظرك إلى أسفل، شاهدوك فوقهم أنهم دونك، فتهيأوا للإفادة منك، فأفدتهم بحالك).

وقوله: (فإنهم ملوك الدنيا) يعني الرسل ومن يماثلهم، حيث أنهم أرسلوا إلى التحكم في العموم، وأما من حيث منزلتهم في العلم بالله، فليس هم ملوك الدني والآخرة، وإنما هم ملوك الله، وفي هذا الرتبة يكون الحق ملك الملك، كما ذكره الترمذي الحكيم، وملك الملك هو الحق، لأنه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ويرضيه فعل العبد ويسخطه، ولا خفاء لهذا التأثير عقلاً وشرعًا، والمقلد محل الآثار أبدًا حيث كان، فمن وجه هو الحق، ومن وجه هو الخلق، وفي وجه حق لا هذا ولا هذا، فما الحق فعل ما يشاؤه فقيه، فما في صفوه رتق، وقد يظهر التابع في مقام أعلى، في حال قيام المتبوع في حال أدنى، من أجل من أرسل إليه، فإنه حجة لكل واحد، وإن تقابلت الحجج، ولست أنت كذلك؛ إلا في مريديك الذين هم لك بمنزلة أمة الرسول للرسول.


 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!