---

إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ

رَأَيتُ الناسَ يَنتَجِعونَ غَيثاً

فالجملة في موضع النصب فرع على الحكاية، ولو أُعمل (سمعت) في اللفظ لنصب الناس، فالعلماء بالله تعالى أبدً يحكون لا يتحكمون، والعامة تتحكم لا تحكي، وهذا الرجل كثير السب للنفس، فإن كان حاكيًا فهذه صفة الكبراء من رجال الله تعالى، وإن لم يكن حاكيًا فهو من أهل الحجاب، وما حجب الناس؛ إلا عدم الفهم في كلام الله تعالى حيث تلوا ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف: 53]، والله حاكى في هذه الآية قول من قال هذا، وهو قول زليخا، أو قول يوسف صلى الله عليه وسلم عند من يرى ذلك، فلو أُعلموا من أي مقام أُمرت بالسوء لم يحتجبوا بهذه الآية على ذم النفس، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل إليه، لمن اختصه من عباده أهل عنايته، ثم قرن هذا الشيخ وقوفك بين يدي الرسول عليه السلام بوقوفك بين يدي الشيخ فقال:  (بين يدي الشيخ الذي حكمه الله سبحانه وتعالى في إيجادك وإظهارك إلى هذا العالم العزيز) يقول: يلزمك به من الأدب مع شيخك، الذي أرشدك الله به، ما لزمك مع الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (إن الشيخ أوجدك وأظهرك في هذا العالم العزيز) أي: بإرشاده وهمته مع قبولك، أظهر لك ما ظهر، فكأنه أنشأك نشأة أخرى، فإن الإنسان يظهر في كل موطن بصورة غير الصورة التي كانت له في موطن آخر، وهذا الموطن ما حصل؛ إلا بما أبان له الشيخ في إرشاده، فنسب الإيجاد والإظهار إليه، وأما تقيده ما ظهر له بالعالم العزيز، ولم يصل بالله لعلمه بأن الله ما له تجل لأحد من خلقه، من حيث هو لنفسه، ولكن يتجلى من حيث هو لنا، فيظهر في التجلي بصورة من صور العالم، وفي أي صورة ظهر، فإن تلك الصورة تقر أن يدخل حماها، ما كانت مجلى الحق، ولا يزال العالم مجلاً للحق؛ إلا أنه لا يُعرف، فلهذا تنتهك حرمة تلك الصورة في العامة الجهلاء، والعارف ل ينتهك صورة من العالم، لعلمه أنها صورة الحق، فلهذا نعته بالعزيز، فإن العالم لو كانت له العزة من نفسه ما ظهر الحق فيه، لامتناعه لذاته عن القول، والأمر هوية في حكم صورة اسم إلهي، واسم إلهي في حكم هوية المسمى، لقبولها ذلك الاسم؛ لأنها تحكم بظهوره، ولذلك أطلق عليها فقيل: هو الله الكذا والكذا، كما ذكر من الأسماء.