موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الأجوبة العربية في شرح النصائح اليوسفية

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

ويعرف هذا الكتاب أيضاً باسم: شرح روحية الشيخ على الكردى

 

 


فلا يرفع رأسك؛ إلا الرسول والشيخ، ومهما تعرض لرفعه غيرهما فلا تمكنه من نفسك، ولا ترفعه أنت بنفسك أصلاً، فكن مستيقظاً لذلك

ثم قال بعد دعاء كثير وذكر أطرافك فقال: (فلا يرفع رأسك؛ إلا الرسول والشيخ، ومهما تعرض لرفعه غيرهما فلا تمكنه من نفسك، ولا ترفعه أنت بنفسك أصلاً، فكن مستيقظاً لذلك) هذه وصية وأكد فيها، يقول: لأنك لا تدري، ولا يدري غيرهما إلى أين ترفع رأسك، فإن الرفع يختلف بالقصد، فمن أراد العلو في الأرض هلك، ومن أراد إعلاء الله بالمرتبة في الأرض لم يهلك، فالرسول أو الشيخ يعلمان أين يرفعان برأسك، وفي أي وقت، وبأي صفة، وأنت وغيرهما يجهل ذلك.

وأما قوله: (وكن متيقظًا) يريد بما قاله بعد هذا، وهو أنه قال: فإذا رفع الرسول صلى الله عليه وسلم رأسك بنفسه، أو الشيخ بإذنه صلى الله عليه وسلم، فإنك ترى عندك أمرًا هائلاً، وقبولاً من تلك الجماعة الحاضرين، وسلامًا منهم عليك، ويهنئوك بما أنعم الله به عليك، فإياك إذا رأيت ذلك أن ترى لنفسك قدرًا يقول: تيقظ مع نفسك عندما ترى عناية الله بك، إذ كان رسول الله ﷺ يتولى رفع رأسك، أو يأذن للشيخ في ذلك، فمن الوجهين إنما كانت بالعناية منه صلى الله عليه وسلم، فهي بشرى من الله تعالى لك بالمكانة عند الله، فإن النبي ﷺ ما يفعل مثل ذلك في موطن الكشف والخيال؛ إلا بمعتنى به عند الله، عظيم القدر، بخلاف الحس، فإنه لو فعل ذلك في الحس ربما كان مكرًا، فاقتضى لصاحب هذ الكشف الموطن، أن ذلك الفعل يؤذن بالاعتناء الإلهي به، فإن من اعتنى به الرسول صلى الله عليه وسلم في موطن الكشف، فقد اعتنى الله به، كما كان في حال التكليف في الحس في دار الدنيا، من أطاع الرسول فقد أطاع الله، فذلك الاعتناء جزاء هذا الخير، فاعلم ذلك، ثم قبول من حضر في ذلك الموطن الكشفي، من الأرواح الظاهرة في القبور الجسدية، وسلامهم عليك، وتهنئتهم لك، مما يؤيد ويؤكد أن ذلك اعتناءً من الله بك، وأنك جنيت في ذلك ثمرة غرسك، باتباعك للسنة في حال تكليفك، غير أنه أوصاك  إذا شهدت هذه الحالة.(ألا ترى لنفسك قدرًا) يقول: لا ترى أن ذلك نلته باستحقاق، ينبهك أنه وإن كان ذلك الاعتناء والإنعام باتباعك الرسول، وبجميل فعلك، فانظر أن تلك الأفعال والاتباع الذي أنتج لك ذلك، إنما كان بعناية الله بك، لا بالاستحقاق، فإن التوفيق من الله تعالى، ما يُنال بالاستحقاق، إذ لا يجب على الله شيء من ذلك، فأجر ما أنتجه الأول من أمرك مجرى الأول، ثم إنه وإن كان ذلك الإنعام ثمرة هذا الفعل، فهو ثمرة الفعل والعمل، لا ثمرتك، فالاستحقاق للعمل لا لك، غير أنك المتصف به، لأنك تعلم أنك مسلوب العمل، وأن العمل لله تعالى لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: 96]، فأنت وإن ظهر منك العمل، فالعمل خلق الله ل لك،  فما لك استحقاق عند الله أولاً ولا ثانيًا، وهذا كله حظ من لا علم له بما هو الأمر عليه في نفسه، بل هذا هو المعلوم عند خواص أهل الله تعالي، الموصوفون بالعلم. وأما خواص الخواص، وهم الراسخون أهل الكشف المحقق، والاطلاع علي سر القدر، فيرون خلاف ما قرره هذا الشيخ، وقررناه في شرح هذا الكلام، بل ذلك كله عنده ما حصل إل بالاستحقاق، فإنه تعالى أوجب على نفسه، ما أوجبه عليه ما تقتضيه تلك الأحوال، ول تكون الأحوال تستحق ذلك لعينها، لكونها لا تقوم بنفسها، فإنما ذلك لمن هي حالته، فهو المثني عليه بها، فهو يستحقها أولاً في التوفيق بالاستعداد الذي هو عليه في نفسه، إذ لولاه لما قبل الموافقة الإلهية فيما كلفه، فكان من المتقين، وذلك الاستعداد ما حصل له في الصورة الظاهرة حال التكليف؛ إلا بما كانت عليه الصورة الباطنة في علم الله، فهو باطن ظاهر، فما زال الأمر عنه، وقيل: ليس للحق فيه حق، كما تقرر في قوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران: 128]، فهذا يقابل هذا، وإنما خاطب الصورة الظاهرة بأن قال سبحانه وتعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ في حق هؤلاء لوجهين: الواحد أي: الأمر للصورة الباطنة، والأمر الثاني أن الأمر لهم ليس لك، والحقيقة تعطي أنه ليس للحق حق، فيما ظهر في الأكوان من الأمور، لمن فهم الأمر على ما هو عليه، وهو له من وجه أنه المتصف به، فقد قبله بتجليه فيما ظهر فيه من صور العالم، فما قبله إلا بالاستحقاق، والحق لله تعالى في ذلك كله، ولكن أين هذا الوجه؟ والعلم من الوجه الذي يقول به العلماء رضي الله عنهم من حيث النظر والفكر، في هذه المسألة بينهما ما بين النفي والإثبات، ولولا أني أعلم الناطق الذي أنطق هذا الشيخ بهذا الكلام ما شرحته بهذا الشرح، ولو شرحته على قدر علم المنطق به الذي هو الشيخ؛ لشرحته بما هو المقرر بين أهل الحجاب، الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، فكلامنا في مثل هذ وغيره؛ إنم هو كلامنا مع الله سبحانه وتعالى الذي أنطق كل شيء، فكلامنا معه، ولكن أيضًا به لا بأنفسنا، فهو المتكلم والسامع منك بحكم الصورتين، لا بنفسه. شعر:

فالأمر بيني وبينه
فالكون كون كونه
فمـــن يقــول بـأيــن

 

إذا تحققت عينه
لمن تحقق كونه
فالـحـــق للكــون أينــــه

إشارة قوله: (لا ترى لنفسك قدرًا) لأنك خارج عن المقدار، فما ينضبط لصورة تحصرك، بل كلما ظهرت في صورة تليها صورة غيرها والكل عينك، والأمر غير متناهٍ، فل ينضبط ومالا ينضبط لا يأخذه المقدار، وكل جاهل رأى لنفسه قدرًا وقف معه، وما رأيت من العامة من عرف قدر هذا من غير هذا الباب؛ إلا زوجة كانت، ولما أردت عقد نكاحها، قال لها العاقد: ما تحب أن يُفرض لكِ من الصداق؟ فقالت: أدنى ما يحل به النكاح، فقال لها العاقد وهو لا يعرف قصدها في ذلك: أنت إمرأة جليلة القدر، أخت ملك كبير، ولابد أن يكون صداقك على قدرك، فقالت: من يفعل ذلك من له قيمة وعزه في نفسه، والمرأة إذا عينت فوق ما يحل به النكاح؛ فقد خرجت بقدرها عندها، ونفسي والله أعلم عندي أعلى من أن تكون في مقابلة قدرها الدنيا والآخرة، فما أنا قليلة عند نفسي، فإذا لم يكن في صداقي إلا ما يحل به النكاح، يعلم قطعًا أن ذلك ليس قدري، وإنم قصدت الإجلال، فيبقى قدري مجهولاً، فتعجب العاقد والفقهاء من شرف همتها، وكذلك قالت لي شِفاهًا مثلما أسمعتهم، فهذه إمرأة من العامة قد هبت إليها نفحة إلهية وجودية، مم هو الأمر عليه في نفسه، ولا يشعر بقدرها ما نطقت به، فإنها نطقت عن نفس عزيزة كبيرة عند نفسها، ما نطقت به عن علم بالوجه الذي يذكره أمثالنا في مثل هذه المسألة، فم وصاه هذا الشيخ ألا يرى لنفسه قدرًا ،وفي نفس هذا الموصى لحقارته وذله وصغاره، وفي حق من نطقه بذلك لعلو شأنه وعزة الأمر في نفسه، فكثير بين القصدين.

ثم قال بعد قوله: لا ترى لنفسك قدرًا قال: (وانظر إلى حالك وما أُهلت له، واستصغر نفسك لذلك الأمر) وهذا أيضًا مما نطق به، ولا يعرف ما قال، ولهذا فسره بما تممه فقال: (وانظر إلى حالك) يعني في حالك، فكر فيه (وما أُهلت له) وإذا نظر في حاله، وم أُهل له فما أعطاه الله سبحانه وتعالى؛ إلا ما استحقه الأهلية، فإنه حكيم يضع الأشياء في مواضعها، فإذا استصغر نفسه لذلك الأمر؛ فقد وضع الحكيم الشيء في غير محله، وليس الأمر كذلك، بل المنعم لو لم يكن فيه الأهلية لقبول النعمة ما قبلها، ألا ترى الجُعل يضر به ريح الورد مع طيبه؛ لأنه ليس فيه أهلية لذلك، ولا هو على مزاج يقتضي له النعيم بتلك الرائحة، وكذلك كل منعم ومعذب، ما نعمه ولا عذبه؛ إل حقيقة ما هو عليه، فمن استصغر نفسه فيما أنعم به عليه فقد جهل واضع تلك النعمة، حيث وضعها في غير محلها، فإنه ما قبلها إلا وقد وسعها، فما يصغر عنها، ولا وضعها المنعم فيه؛ إلا وهو يحوي عليها، وربما يزيد لقبول نعمة أخرى ثانية من الله تعالى، والعالم كله منطق بما يعرف قدره وما لا يعرف، فكلامن وشرحنا إنما هو لكلام الله العالم بم نطق به هذا الشخص، ولا تعتبره؛ إلا في مواطن نزولنا عن الحقائق إلى المعهود في عُرف العلماء، وما تعطيه قوتهم، فقد نمشي في ذلك لفهم السامع ووقاية في الحال، يقول الله تعالى: ﴿إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران: 28]، فأباح لن مثل هذا، فإذ ارتفع الموجب ارتفع الواجب، ومن هذا الباب كان يحب رسول الله ﷺ الفأل، وإن كان الناطق به لا يقصد ما أخذه صاحب الفأل، وهو مقصود الحق الذي أنطقه في حق صاحب الفأل، فله وجهان: وجه لقصد المنطق به اسم مفعول، ووجه لقصد النطق به اسم فاعل في حق صاحب الفأل الحسن، فانظر في هذا والله أعلم. ثم قال - رحمه الله ورضي عنه -: (وإن وجدت في نفسك نهضة، فقم واذكر الله سبحانه وتعالى بما هو أهله، واثنِ عليه بما يفتح الله عليك، ثم صل على النبي ، وادع للشيخ، ولمن أمرك بالدعاء له فيما تقدم) يقول رضي الله عنه: إنه من الأحوال ما إذا وردت على الإنسان خَدرت جوارحه، وأضعفته عن الحركة بجميع أعضائه لسريان قوة الخيال فيه، فإن الله تعالى أعطى الأحوال وأعطى في العبد قوة، فلا يخلو حال الوارد على صاحبه من أحد ثلاثة أحوال: بالنسبة إلى قوة من ورد عليه، أو دون ذلك، أو فوقه، وما ثَم قسم رابع فإن كان مثله خرج سواء بسواء، فصاحبه صاحب اعتدال، كما لا يحكم عليه الحال بظهوره، كذلك لا يحكم على الحال في تصرفه، وإن كان الوارد أقوى أخدر الجوارح، وأضعف الحواس، فيقول: زملوني دثروني، وإن كان الوارد الحالي دون القوة التي في المحل، صرف حاله كيف يشاء، ووجد القوة والنهضة في جسمه، فلذلك قال: (إن وجد نهضة) يقول: الحال دون قوتك، فلتنهض عند ذلك بذكر الله سبحانه وتعالى والثناء عليه بما هو أهله، وأراد بالذكر هاهنا ذكر الشكر، لأنك صاحب نعمة بهذ الحال.

وقوله: (ثم صل على النبي ﷺ) يقول لك: لا تغفل في ذلك الحال أن تعلم م أنتجه إلا اتباع رسول الله ﷺ، فتصلي على النبي ﷺ شكرًا لكون الله هداك به إلى م آنت عليه.


 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!