ثم أمر الرسول

فقال: (ثم أمر الرسول ﷺ لمن هذا حاله بسرير يجلس عليه)يقول: عين له رتبة خاصة كني عنها بالسرير، وأظهرها في عالم المثال حضرة الخيال سريرًا، كم أظهر العلم في صورة اللبن، فما أراد إلا تعيين المرتبة، فلينظر ولي الله في تلك الرتبة وما يستحقه وما يكون عنها، ولا يخرج من الكلام إلا بقدر تلك المنزلة، ويسكت عما بقي عنده إن كان عنده ما يزيد على ذلك، فإن العبد إذا وُضِع له سرير الكلام، ل يكون عنده أنقص مما يستحقه ذلك السرير، بأن يكون عنده من العلم ما يساويه ويفضل عنه، لا ما ينزل عنه، وليلزم من الأدب في التبليغ، ما قرره في وصيته مما شرحناه قبل هذا، فإنه تكرر في وصيته ذلك في كل مقام يتكلم فيه، وإن كانت الآداب تتنوع بالصورة الواحدة بحسب المجالس، فلا يتمكن لنا الكلام والإبانة عنها؛ لأنه ما ذكر في كلامه ما نتكلم به، فلو ذكر لشرحنا من آداب ذلك الذي يطلبه الكلام المعين، ما يمكن شرحه، فلما سكت سكتنا، ولو كان الأمر في ذلك محصور العبارة لعيناه بجهة الحصر، لكان الأمر في ذلك لم يكن لنا أن نعد إلى وجه دون وجه؛ لأنا نعلم مما نتكلم به في ذلك المجلس المعين، فلو عين المجلس ربما تعين الكلام، فتعين الأدب الذي يليق بذلك المجلس، الذي يطلب ذلك الكلام المعين، ففي هذا الفصل في كلام هذا الرجل حشو كثير، وتكرار بخلاف كلامه الأول، غير أنه زاد في هذه الوصية أمره إياك، بتقبيل قدم النبي ﷺ في ذلك المجلس، إشارة ذلك لكونه يسعى عليها إلى أن وصل إليك، ومعلوم أنك دونه، فكان سعيه نزول من أعلى إلى أدنى، فهو قدم ظاهرة نزلت من قدس أعلى، مستوى أزهى، إلى سماء الدنيا، بصفة مُثلى، متعلقة بآخرة وأولى، فما ذكر من الأدب؛ إلا تقبيل القدم.

ثم قال في صفة ذلك السرير وما يكون حالك معه: (فإن كان له - يعني للسرير - درجة واحدة، فاجعل يدك عليها ولا تصعد فيها، وإن كان له درجتان وأكثر من ذلك، فاصعد إلى الأولى فحسب).

ينبهك بالدرجة الواحدة على الاسم الجامع، ولا تصعد فيها بقدمك، فإن الاسم الإلهي الجامع لا يتمكن لأحد أن يُقام فيه، كما لا يتمكن أن يُسأل به مطلقًا، فإنه جامع الأضداد، فكلما أراد أمرًا قام المقابل فتبعه، فلا يكون عنه أصلاً، فلذلك منع أن يدعى به من حيث هو، فإن كان للسرير درجتان وأكثر، وهو ما ظهر من الأسماء الإلهية، فإنه ما بأيدينا اليوم من الأسماء سوى الذي جاء بها نص الشارع، وهي مائة إلا واحدً في جُل الورثة، والاسم الجامع هو المائة من حيث جمعيته خاصة، فما زاد على عين كل اسم فهو عين المجموع، فكذلك هي تسعة وتسعون لا غير في حال تمييز واجتماع، فاعلم ذلك.