فالحذر في نوال هذا الغرض، عليك من القلق والضجر الاختياري

وأما خوفه على علم فهو أنه يرى أن من أحوال عينه في ثبوتها، وحصول هذ الحكم له الذي هو الخوف في الصورة التي نظر فيها، فلابد من الخوف في هذا الموطن بخصوص هذ الحكم، والذي لابد منه إما لهذه العين إن وجدت، وإما للصورة التي يظهر فيها بحسب علمه في ذلك، وكل ذلك علم محقق، فإن الحق ما يتميز عن الخلق؛ إلا بحمل النقيضين عليه، ويقبل ذلك الحمل بحقيقته، وليس ذلك لمخلوق؛ إلا بالنسبة إلى وجه ما، لا من عين واحدة، وهو للحق من عين واحدة، فهو الأول من حيث ما هو آخر، من حيث كذا، فمن علم أولية الحق وآخريته، بمثل هذه النسبة؛ فما علم سوى العالم من حيث ما هو عالم، لا من حيث أن الحق عينه، وهذا المَدَرك عسير جدًا فتحققه، واعمل عليه، أي: على هذ التفصيل جميع ما قيده به في كل موطن، من طرب وحزن، وقبض وبسط، وأمن ورجاء، وأمثال هذا، وأما إذا ظهر على قلبك محبة في بعض المواطن، فجعل الظهور لها على قلبك، فأنت مغلوب فيها فما ظهرت حتى ظهرت على قلبك، وهو عدم كتمان الحب لحبه لعظيم سلطان المحبة، كما قال بعضهم من العشاق الأدباء شعر:

وأما الذي لا يظهر الحب على قلبه؛ فهو بحكمه إن شاء ظهر به، وإن شاء أخفاه لقوته عليه، وفيه يقول شعر:

وإنما قال: إنه قتيل الهوى، لكونه كتمه، فلم يعلم أحد بحبه ووجده، فلم يكن له ولي ينصره على قوة سلطان حبه، فانفرد به وخلا به، فقتله، وذلك هو القتل، ولكن ل يكون سلطان الحب حتى يظهر على قلب المحبوب، فمتى لم يظهر فسلطانه ضعيف، هذا هو الصحيح الذي يرجع إليه، فإن الأحوال لا يحكم إلا سلطانها، فمتى لم تحكم فليست بأحوال حقيقة لمن قامت به، وإنما ذلك حديث نفس لا حال، كألوان قوس قزح هي ألوان في عين الناظر، وما في الجو لون منها، الذي يراه الناظر أنها فيه، والحال الصحيح كاللون في نفس المتلون، وصُفرة الوجه، وحُمرة الخجل، فهي في عين الأحمر والأصفر، ل في عين الناظر، فهكذا صورة الأحوال التي الحب منها، إذا صحت أظهرت حكمها على قلب المحب، فظهر سلطانها فيه، وإذا كان حديث نفسٍ لم يكن لها قوة سلطان، فهي أحوال حديث نفس لا غير، فتأمل ما قلناه في كلام هذا الشيخ في هذا الفصل تعثر على علم شريف.

ثم قال: (فالحذر في نوال هذا الغرض، عليك من القلق والضجر الاختياري) يقول وعظك معك، فإن أخذت عنك بتغير مزاجك فذلك لمن أخذك ليس لك وإنما يقلق ويضجر من قيد مطلوبه خارجًا عن كل ما عرض عليه، وإن علمه في عين كل ما عرض عليه؛ فلا قلق ول ضجر، فليطلبه في عين ما ظهر، فإنه يناديه منه من قريب غير بعيد.