وعلى هذا يكون تجلي الحق تعالى يوم القيامة في الصورة المنكرة؛ اختبارً للأدباء المتحققين بالأمانة، هل يعاملونه في ذلك الموطن بالمعاملة التي يستحقه الإله، أو يسكتون عن ذلك فلا ينكرون؟ وكذلك يفعلون، كما فعل قضيب البان مع أحمد البزار، حين ظهر له في صورة مختلفة والصورة واحدة، وأحمد متعجب، فلما أكمل شهوده بحسب ما أراده قضيب البان، قال له يا أحمد: من هو قضيب البان الذي لا يصلي ويترك م فرض الله عليه؟ والله يا أحمد ما تركت فريضة تعينت لله عليّ، وإنما الأمر كما رأيت، أخبرني بذلك أحمد بالموصل في الموضع الذي أبصر منه ذلك، وهو عند باب تربة جرجيس النبي صلى الله عليه وسلم.

فلهذا قلنا: قد يظهر الولي لبعض إخوانه بشيء من ذلك تعليمًا واختبارًا، ولم يقصد قضيب البان بما يظهر العامة منه الستر عنهم، وإنما الحال أعطاه ذلك فلم يكن يبالي بما يعتقده الناس فيه، فكان الناس مأجورين في الاعتراض عليه إذا فرضو هذا عقلاً غير مأخوذ، وهو مأجور محمود حيث لم يقصد بذلك أن ينتهك الناس عرضه، فيأثمون لو حقق الله مطالبهم على ذلك، وإنما الله تعالى يتجاوز عن سيئات عباده.

كان لبعض الأولياء صاحب، وكان إلى جانب مسجد يخيط فيه، فما رأته الجماعة قط يصلي معهم في المسجد، فعظم ذلك عليهم فرجموه، وهو لا يقول لهم شيئًا حتى قتلوه، فجاء من يعرفه فأخبرهم بحاله، وأنه ما فاتته قط صلاة فريضة، ثم ذكر أنه كان يصلي الظهر بمكة، والعصر بالمدينة، والمغرب ببيت المقدس، والعشاء بالساحل، والصبح على ظهر جبل قاف، فندموا على قتله وتبركوا بقبره بعد موته، وما كان الشيخ يقصد الستر، ولا يقول عن نفسه أنه بهذه الصفة؛ لعلمه بأنهم لا يصدقوه، فشغله حاله عن الإعلام بذلك، وقد رأينا من رجال الله من له هذا المقام.