وقدر في نفسك الهيبة من الشيخ

ذكر القشيري - رحمه الله - في رسالته: أن بعض التلامذة سقطت حرمة الشيخ من قلبه، فأمره بالاعتزال عنه مادام هذا الأمر في نفسه، فانعزل، فلما عادت حرمته عنده كم كانت، عاد إليه، فانتفع به.

ولله نساء ورجال جبلهم على الخير المحض، فلا يرون أحدًا إلا ويحسنون الظن به، بل ما يخطر لهم فيه خاطر رديء، وهذه قلوب قد [حباها] الله للخير المحض، فهم ينتفعون بكل أحد، فمن وجد ذلك من نفسه فليشكر الله على ما منحه، ثم قال بعد قوله: (وقدر في نفسك الهيبة من الشيخ).

 قال: (والخوف منه إنه المتحكم في موتك وحياتك، وإيجادك وإعدامك، بإذن الله تعالى سبحانه).

أما قوله: (الخوف منه) لئلا ينظر فيك نظرة مقت، ولا تفلح أبدًا، وأم قوله: (إنه المتحكم في موتك وحياتك) أي: المتحكم فيك في حال موتك وحياتك، أي: اعتقد فيه أن الله تعالى تجلى لك في صورته، كما قال الله تعالى في حق الرسول ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: 80]، فإن كل مخبر إذا لم يخبر عن نفسه، وأخبر عن غيره، فإنه قد تجلى في صورة ذلك الغير من حيث ما أخبر به، وقد تجلى لك ذلك الغير في صورته، من حيث أنه المترجم عنه، فهو القائل لا هذه المشافهة بالخبر، فمن مات وهو تحت حكــم شيخ، فإن الله لا يتجلى له في  القيامة إلا في صورة ذلك الشيخ، هذا تحقق عندنا ذوقًا، ورأيناه من نفوسنا مع الحق، فإن اعتقاد المريد فيه أنه تجلٍ إلهي، كما يعتقد أن الله هو القائل على لسان عبده المصلي «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، بالخبر الصحيح إذ حصل الكشف، وهذه مسألة كبيرة مفيدة لمن عرف، ومن هنا [يُعرف] مرتبة الرسل، ومن هو المشرع للناس.