---

وإيجادك وإعدامك

وقد نبه ابن قسي في باب الرؤيا الإلهية يوم القيامة: أنه يرى رؤية محمدية، وصورة محمدية - يعني في هذه الأمة - وهو أكمل صورة [خلقته]، يتجلى فيها، فهذا معنى م قاله هذا الشيخ في تحكم الشيخ  في موتك وحياتك، ولم يقل: إماتتك ولا في حياتك.

ثم قال: (وإيجادك وإعدامك) أي: في إيجادك ما تجده، وفي إعدامك ما تعدمه، من حيث أن الشيخ ظاهر بأسماء الله، ومن أسماء الله سبحانه وتعالى الضار النافع، وإذ أوجد الشيخ في المريد أمرًا، فإنه لا يوجد إلا خيرًا، فهو الاسم النافع، ﴿مَ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾  [النساء: 79]، وإذا أعدمك صفة تقوم بك تؤدي إلى إهلاكك، وقد أعدمك الشر، إلا أن يصدر منك م يوجب أن يسلب عنك ما كنت عليه من الخير، كما يفعل بعض الشيوخ في سلب أحوال المريد، لمنفعة يراها لما رآه الشيخ من زهوه بتلك المشيخة، فيسلبه تلك الحالة في الدنيا، ويحفظها له في الآخرة، فيعود بها عليه، وقد جرى هذا للشيخ أزدشير - رحمه الله - في حق مريد كان له، ذكر ذلك [إلى] عبد الله بدر، عن شيخه وصاحبه مكي الواسطي، وكان من الأكابر من أهل الإلقاء واللقاء رضي الله عنه. وأما قوله: (بإذن الله تعالى له في ذلك كله) فذلك من تأدبه، حيث أحيا الله تعالى عيسى صلى الله عليه وسلم في ذكر امتنانه عليهم، قال: ﴿اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ . إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القُدُسِ﴾ فذكر خلق الطير، وإحياء الموتى، ونفخ الروح، وإبراء الأكمه والأبرص، وقال: كل ذلك ﴿بِإِذْنِي﴾[المائدة: 110]، وفي آية أخرى: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 49]، فهذ من أدبه في وصيته.

ثم قال: (فإن رأيت الشيخ يأمر غيرك بفعل كنت تفعله بين يديه، أو يقول الشيخ شيئًا، فيرده عليه غيره ممن حضر عندهم، فيرجع إلى قوله أو يحضر عنده عاصٍ بمعصية، فينهاه عنها نهيًا لينًا، ويدعو له، ويرد ذلك عليه، ويقول: هذا بقضاء الله وقدره، فكل ذلك لحكمة، فتأدب بذلك، وتخلق بأخلاقه جهد الطاقة).

نقول: إن الشيخ قد يُقام في وقت يقتضي له أن يخاطب الجماعة في واحد، لأمر يقوم له في نفسه في خطابه لذلك الواحد، والمراد الجماعة كقضاء الأعيان، إذا أراد الشارع بذلك الأمة، فيكون حكمه على الواحد حكمه على الجميع، فيأمر الشيخ ذلك الغير، فافعل أنت ذلك الفعل المأمور به ذلك الغير بين يدي الشيخ، فإن كان أرادك به، فهو يسكت عنك فيه، وإن لم يردك به، فهو ينهاك عنه في ذلك الوقت أن تكون أنت في فعل من الأفعال، فرأيت الشيخ يأمر غيرك وهو ساكت عنك فيه، فلا تفعله أنت، واتركه على مشاهدة من الشيخ لك في تركه، فإن سكت عنك الشيخ، تعلم أن مراد الشيخ فيك ألا تفعل ذلك، وإن لم يسكت وأمرك أيضًا، أو خيرك فيه، فإن أمرك فابق على فعلك، وإن خيرك فلا تفعل، إلا إن رأيت المأمور به، الذي هو غيرك قد رد ذلك على الشيخ بكونه لم يفعل، وسكت الشيخ عنه فافعله أنت، ولا تغتر بسكوت الشيخ.